أكد وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي السيد رمطان لعمامرة، أمس، أن مسار تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، يجري في جو هادئ ومثمر أكثر فأكثر رغم العراقيل التي واجهته عند إطلاقه، مشيرا إلى أنه تم تسجيل مبادرات هامة، على غرار اللقاءات بين الأطراف المالية وداخلها بأنفيس شمال مالي. وأوضح السيد لعمامرة في مداخلته خلال أشغال ملتقى حول موضوع "مبادرات التنمية للاتحاد الإفريقي في الساحل وآفاق تفعيل اتفاق السلم والمصالحة في مالي" الذي يختتم اليوم بقصر الأمم، أن تنفيذ المسار تم في ظل عدم وقوع حوادث كبرى ميدانيا وانعقاد ندوة باريس لمساعدة مالي وبداية وضع الخدمات الاجتماعية الأساسية بالشمال، وإطلاق مسار تمركز وتواجد الدوريات المشتركة. وإذ أبرز رئيس الدبلوماسية الجزائرية الجهود التي تبذلها لجنة المتابعة لتنفيذ الاتفاق والتي تترأسها الجزائر قصد مساعدة الأطراف المعنية لتتحمل مسؤولياتها خلال هذه المرحلة الحاسمة، فقد أشار إلى أنه تم إلى حد اليوم عقد ست دورات، في حين لم تنعقد الدورة السابعة بسبب الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مؤخرا فندق راديسون بباماكو. وفي هذا الصدد، قال رئيس الدبلوماسية الجزائرية إن هذا الاعتداء الهمجي الذي خلّف العديد من الضحايا، يؤكد حجم التحدي الأمني الذي يواجه مالي، والذي يستدعي الكثير من اليقظة والتعبئة لمجابهة الظاهرة، في حين أكد، في المقابل، عزم الجزائر على مواصلة مساهمتها لإحلال السلم في هذا البلد الشقيق. وأوضح رئيس الدبلوماسية الجزائرية أن مسار السلم يستحق كل الاهتمام والالتزام، داعيا، في هذا الإطار، إلى مساعدة مالي لتسريع خروجه النهائي من أزمته التي عانى منها خلال الثلاث سنوات الأخيرة في شقيها الأمني والسياسي، مضيفا أن اتفاق السلم والمصالحة الموقّع يوم 20 جوان الماضي بباماكو الذي يُعد تتويجا تاريخيا، بحاجة إلى دعم تنفيذه بشكل كامل؛ حتى يتسنى إعادة الاستقرار في هذا البلد بشكل نهائي. ضرورة تعزيز الآليات العملية للاتفاق كما أضاف وزير الدولة أن الجزائر تنتظر من شركائها داخل لجنة المتابعة، دعما قويا لتسريع وضع حيز التنفيذ كافة الالتزامات المدرجة في إطار الاتفاق، مع ضرورة تعزيز الآليات العملية التي يتضمنها هذا الاتفاق، ومن ثم المحافظة على الجهود واستثمارها لصالح التنمية في منطقة شمال مالي. وفي هذا الصدد، أكد السيد لعمامرة التزام الجزائر بدفع المبادرات المنصبة في إطار بعث التنمية لسكان المناطق الحدودية لبلدان منطقة الساحل، حيث أبرز أهمية ما يشكله البعد الاقتصادي في مجابهة الأوضاع، باعتباره عاملا أساسيا للخروج من الأزمة واستتباب السلم فعليا بالمنطقة. وذكر، في هذا الصدد، أن الجزائر تربطها بالدول المجاورة علاقات تاريخية استراتيجية وإنسانية وثقافية مبنية على المصلحة المشتركة والمصير المشترك، مبرزا، في هذا السياق، أن الجزائر "من واجبها التضامن مع دول المنطقة، فضلا عن الاستثمار في الأمن الجماعي لاستكمال مسعى التنمية الذي ينتهجه الاتحاد الإفريقي، إلى جانب احترام المبادئ، لاسيما تلك التي تمس سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وعليه أوضح السيد لعمامرة أن الجزائر قدّمت مساهمات كبيرة سواء على الصعيد الثنائي أو متعدد الأطراف في مجال دعم قدرات وطاقات دول الساحل، ومساعدتها في التنمية الاقتصادية وفي تسوية النزاعات. وعرّج، في هذا السياق، على الجهود المبذولة في إطار لجنة رؤساء الأركان العملياتية لدول الساحل وكذا مسار نواكشوط والاتحاد من أجل الربط والاندماج، مشيرا إلى أن هذه الجهود تلقى دعم مجلس الأمن والسلم الإفريقي وكذا الآليات القارية. وفيما يتعلق بإشكالية التنمية في المنطقة أكد السيد لعمامرة: "لا يمكننا فصلها عن الأمن"، مبرزا في هذا الإطار أن "الجهود المبذولة من طرف الجزائر تترجَم عبر مختلف المبادلات الحدودية والبرامج المتعلقة بتقديم المنح ومسح الديون وإلغائها وكذا المساعدات الإنسانية". وقال لعمامرة إن جهود الجزائر تتمثل في مشاريع ضخمة مثل الطريق العابر للصحراء وأنبوب الغاز شمال - جنوب وخط الألياف البصرية، في حين أنه تم على المستوى الإقليمي ترقية ودفع بعض المشاريع لفك العزلة، ومنها المشاريع الهيكلية على غرار التربية والماء الصالح للشرب والمشاريع المصغرة. من جهة أخرى، اعتبر وزير الدولة أن مالي كباقي بلدان الساحل، لا يعاني فقط من هذه الصعوبات والعراقيل، بل لديه إمكانيات وفرص يمكن أن تُستكمل في إطار استراتيجية الاتحاد الإفريقي من أجل الساحل. وشدّد، بالمناسبة، على أهمية "الدعم الدولي لصالح دول الساحل؛ من خلال أخذ بعين الاعتبار احتياجات وأولويات مالي التي ينص عليها اتفاق السلم للسماح لشعوب المناطق الحدودية بالعيش في ظروف آمنة، وأن يستمتعوا بالمشاريع الخاصة بالتنمية". من جهته، أكد الممثل السامي للاتحاد الإفريقي في مالي والساحل بيار بويويا، على المكانة التي تحظى بها الجزائر في تحقيق التنمية بمنطقة الساحل؛ كونها رئيسة فريق الوساطة خلال مسار مفاوضات السلام بين الفرقاء الماليين ورئيسة لجنة متابعة تطبيق اتفاق السلم والمصالحة في مالي. كما أبرز بويويا التزام الجانب الإفريقي بتحقيق التنمية في المنطقة؛ من خلال التركيز على المحاور الأساسية الثلاث، المتمثلة في الحكامة والتنمية والأمن، داعيا، في هذا الصدد، إلى ضرورة منح الأولوية لتنفيذ الجوانب التنموية التي تضمّنها اتفاق السلم والمصالحة الوطنية في مالي. وأضاف المسؤول الإفريقي أن ملتقى التنمية في الساحل ومالي الذي تحتضنه الجزائر، يهدف إلى تحقيق هدفين أساسيين، يتعلق الأول بإحصاء وجرد مشاريع التنمية الجارية أو المرتقبة في منطقة الساحل من طرف مختلف الهيئات؛ الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية وأو مؤسسات تنموية أخرى. أما الهدف الثاني فيتخطى هيئات الاتحاد الإفريقي والآليات الإقليمية؛ حيث يرمى إلى حث كل الفاعلين في منطقة الساحل على منح الأولوية لتفعيل الجوانب الهامة من اتفاق السلم والمصالحة الوطنية في مالي، وذلك من خلال تنفيذ استراتيجياتها ومبادراتها التنموية في المنطقة. بنك للمعطيات قصد الوقوف عند احتياجات سكان الساحل من جهته، أوضح سفير ماليبالجزائر نعيمي توري أن الاجتماع يتزامن مع مرحلة تطبيق اتفاق السلم والمصالحة ببلاده، مؤكدا ضرورة الاستجابة للاحتياجات الاقتصادية والتنموية بمالي. أما ممثل المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، فقد أوضح أن لقاء الجزائر يُعد فرصة لتبادل الرؤى، من خلال التأكيد على ضرورة حل مشاكل التنمية بتنفيذ المشاريع عن طريق المرافقة الأمنية، مبرزا، في هذا السياق، العلاقة المتينة بين الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية. كما كشف عن إعداد بنك للمعطيات لمنطقة الساحل، للوقوف عند احتياجات سكان منطقة الساحل. وحيّا، بالمناسبة، جهود الجزائر ودورها في تعزيز الاندماج الاقتصادي. للإشارة، فقد شارك في هذا الملتقى ممثلو الأطراف المالية الأخرى الموقّعة على الاتفاق، ودول المنطقة الأطراف في مسار نواكشوط وكذا ممثلو مختلف المجموعات الاقتصادية والمؤسسات المالية الإقليمية والقارية والدولية. ويعكف المشاركون على بحث سبل حشد الجهود وتنسيق مختلف المشاريع والمبادرات التنموية في منطقة الساحل، وكذا آليات دعم تطبيق أحد الجوانب الهامة لاتفاق السلم في مالي، والمتمثل في التنمية. حركات مالي تؤكد على الإسراع في تطبيقه لتحقيق الاستقرار النهائي أجمعت الحركات المالية الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة بمالي، المنبثق عن مسار الجزائر، أمس، على ضرورة الإسراع في تطبيق الاتفاق من أجل تحقيق الأمن والاستقرار النهائي في مالي وفي منطقة الساحل، مبرزين الأهمية التي يحظى بها من أجل خدمة السلم في المنطقة والارتقاء بالتنمية المنشودة. وقد بدت ثمار اتفاق السلم والمصالحة بمالي جلية خلال ملتقى "مبادرات التنمية للاتحاد الإفريقي في الساحل وآفاق تفعيل اتفاق السلم والمصالحة في مالي"، الذي تحتضنه الجزائر إلى غاية اليوم بقصر الأمم، من خلال اللقاء المتجدد للفرقاء الماليين من تنسيقية الحركات الأزوادية والموقعين على أرضية الجزائر، بعد أن كان التيار لا يمر بينهم إلى غاية الأشهر الأخيرة من المفاوضات الجوهرية التي احتضنتها الجزائر، والتي توجت بالتوقيع على الاتفاق. هذا ما علق عليه ممثل الحركات المالية المنتمية إلى "أرضية الجزائر"، هارونا توري في تصريح ل«المساء" على هامش الملتقى، حيث أشار إلى أن اتفاق السلم والمصالحة مكنه من الجلوس إلى جانب ممثلي الحركات الأزوادية بعد أن كان الحديث معهم مستحيلا بالأمس القريب. ورغم أن التباين مازال قائما بين الجانبين بخصوص بعض النقاط التي يجري تسويتها على مستوى لجنة المتابعة، حيث تتمسك الحركات الأزوادية مثلا بتسبيق الحل السياسي كشرط في معالجة الأزمة، في حين أن ممثلي أرضية الجزائر يركزون على تسوية الجوانب الإدارية والتنظيمية وفق رؤية توافقية، إلا أن التفاؤل يطبع تصريحات الطرفين اللذين اقتنعا بأنه لا بديل عن الحوار والتفاوض. وفي هذا الصدد، أكد توري، أن اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر يتضمن إجراءات ناجعة فيما يتعلق بتحقيق الأمن والاستقرار في كامل ربوع البلاد، مشددا على ضرورة العمل من أجل التنفيذ التام لبنود هذه الوثيقة، كما أعرب من جهة أخرى عن تخوفه من تدهور الوضع الأمني في مالي، في حال ما لم يتم الإسراع في تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة، داعيا إلى تأسيس السلطات المنتدبة وكذلك الجوانب المتعلقة بالتنمية المتضمنة في الاتفاق والتي لا يمكن بدونها تحقيق الأمن والاستقرار، في حين أكد أن الأطراف المالية تراهن على الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل التنفيذ السريع لبنود الاتفاق لتحقيق الاستقرار والأمن في بلده والمنطقة. أما ممثل تنسيقية الحركات الأزوادية، سيدي ابراهيم ولد سيداتي، فقد أكد أن اتفاق السلم والمصالحة في مالي يتضمن رؤية بعيدة المدى، مستدلا في هذا السياق بتحسن الوضع في بلده، مقارنة بما كان عليه في السابق. وإذ دعا ممثل التنسيقية إلى الإسراع في تنفيذ هذا الاتفاق، فقد أشار إلى أن لجان المتابعة تعمل حاليا على المستوى التقني من أجل تنفيذ بنود هذا الاتفاق، مضيفا أنه لم يتم التوصل بعد إلى مرحلة النشاط الميداني" وأن مرحلة العمل الميداني هي التي ستمكن من التأكد على الفعالية التي يتمتع بها الاتفاق.