طفرت الدموع من عيني وأنا أضع اللمسات الأخيرة على مسلسل تلفزيوني أنجزته في الفترة الأخيرة، والسبب، على ما شعرت به، هو أنّ البطلة في هذا المسلسل، تعيش حياة هي أبعد ما تكون عن أسباب الهناء والراحة؛ إذ تتوالى عليها أشكال الاضطهاد الاجتماعي في القرية التي نشأت فيها إلى أن بلغت مرحلة النضج الأنثوي، واستعدت للزواج. وقد تصادف، وأنا أضع تلك اللمسات، أنني كنت أنصت في الوقت نفسه، لأغنية قديمة تؤديها المطربة المصرية الراحلة سعاد مكاوي، وتقول فيها: "أنا مظلومة والله!". وعجبت لهذا التوافق بين البطلتين؛ بطلتي أنا، والمطربة سعاد مكاوي، و«رُبّ صدفة خير من ألف ميعاد"، كما يقال، أو رُبّ صدفة أقبح من أي ميعاد آخر، كما أقوله أنا. سعاد مكاوي تصوّر فتاة لا يكاد أحد يرعى حقوقها في المجتمع الذي تعيش فيه وتعايشه، ولا تجد في آخر المطاف سوى أن تناجي نفسها وتبكى حظها، وتطمع في الخلاص من جحيمها ومن الذين تسبّبوا فيه. ولا شك في أنّ صوت سعاد مكاوي زاد البعد المأساوي في حكايتها قوة على قوة أثناء تأدية تلك الأغنية. أما بطلتي أنا فهي تعيش في أخريات القرن التاسع عشر، في قرية جبلية تطل على البحر، وهي تميل إلى شاب من قرية أخرى، ويبادلها هذا الشاب حبا بحب، لكنهما لا يقويان على الزواج، والسبب هو أنّ هناك ثأرا قديما بين العائلتين، فلقد قتل جد حبيبها جدُّها هي في عرس من الأعراس الجبلية بسبب الغيرة، وكان كل واحد منهما يطمع في أن يتصدر المنطقة كلها ويتزعمها، ويحاول الحبيب أن يفر بحبيبته من ذلك المجتمع المنغلق صوب الجزائر العاصمة؛ ظنا منه أنه واجد ضالته فيما ينشده من سعادة حتى وإن كانت موهومة. غير أنّ الأقدار تخبّئ للحبيبين نهاية مفجعة؛ فما إن يبادر العاشق الشاب بالفرار مع حبيبته التي ظنها ملكا له وحده، وأنه ما من أحد يمكن أن يستأثر بها دونه، حتى يفاجَأ بشقيقها يقف له بالمرصاد، ويُشهر في وجهه بندقية صيد، وتنتهي الأمور بأن يتلقى ذلك العاشق رصاصة في فخذه، تجعله مقعدا بقية أيامه. أما الحبيبة المفجوعة فإنّها، أثناء الفرار، تتردى في هاوية سحيقة، ويسارع أهلها إلى انتشالها بصعوبة بالغة، لكنها، هي الأخرى، تصاب برضوض وكسور بالغة في عظامها لكي لا تقوى بعدها على الحركة.وحين مسحت الدموع من عيني تساءلت قائلا: "أهي الصدفة أم مأساوية الحياة في العديد من الأحيان هما اللتان تقومان وراء هذه المفارقات العجيبة؟!"، لكنني لم أجد جوابا لتساؤلي هذا، وكان أن رحت أنصت، مرة ثانية، لأغنية سعاد مكاوي وأنا أعجز ما أكون عن إدراك أبسط المفارقات التي تعترض سبيلي أثناء الكتابة. وفي هذه الحياة، فهل هناك أمر خفي عليّ بعد أن فرغت من مراجعة المسلسل التلفزيوني؟ وهل الأقدار هي التي وضعت أغنية سعاد مكاوي في طريقي، وفي وقت محدد؟ ومازلتُ إلى حد الساعة أبحث عن ردود تقضي على حيرتي!.