تدخل الأحزاب السياسية اليوم ال 100 متر الأخيرة، على حد تعبير رياضيّي ألعاب القوى، للفوز بمجلس الشيوخ بعد حملات انتخابية جرت معظم تفاصيلها بعيدا عن الأضواء والواجهة. تقارير المراسلين والتحاليل السياسية تكاد تُجمع على أن التنافس الانتخابي والمعارك الحزبية، هي ثنائية قطبية بين جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي على مستوى أغلب ولايات الوطن. المتحالفان في الظاهر تحت قبة الموالاة تكاد شهية الفوز بمجلس الشيوخ تجعلهما خصمين سياسيين عنيدين. ويُعتبر الأمر طبيعيا إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الوعاء الانتخابي الذي تحوز عليه التشكيلتان في المجالس المحلية المنتخبة، حيث تعطي المعطيات الأولية أفضلية لحزب الأغلبية (إذا لم تحدث مفاجآت أو حتى لجوء بعض المقصيين من الترشح إلى الخروج عن الانضباط الحزبي واعتماد تصويت عقابي) نقول إذا لم يحدث ذلك وانضبط منتخبو "الأفالان"، فإن الأغلبية ترشح الجبهة إلى مواصلة تكريس حكمها وإحكام سيطرتها على الغرفتين معا، لاسيما وهي تحصي أكثر من 8 آلاف منتخب. لكن "الأرندي" الذي يضم بدوره ما لا يقل عن 6 آلاف مقعد (منتخب في المجالس المحلية) قد لا يفرّط في مجلس "الشيوخ" بسهولة. مصادر "المساء" تتحدث عن تحالفات خلف الأضواء والواجهات، حيث يعوّل الأرندي في ذلك على تشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى، وهي الآلية التي تبدو سهلة المنال على المستوى المحلي بالنظر إلى التقارب بين المنتخبين، ولذلك منحت قيادات الأحزاب السياسية لممثليها على المستوى المحلي، كل الصلاحيات في التقدير وإقرار التحالف مع التشكيلات الأخرى.الحديث الآن عن التحالفات ينطبق بشكل أكبر على الأرندي وغيره من الأحزاب السياسية الأقل تمثيلا في المجالس المنتخبة المحلية، والتي تلقّى بعضها توجيهات مسبقة حول الجهات التي يمكن دعمها والتحالف معها، في حين وجهت قيادة حزب جبهة التحرير الوطني في المقابل، تعليمة لمنتخبيها المحليين، تحذّرهم من الامتناع عن التصويت لغير مرشح الحزب، وقامت، لأجل ذلك، بتشكيل لجان يقظة لمراقبة تصرفات منتخبيها في هذا الموعد ومدى احترامهم لتعليمات الأمين العام عمار سعداني، لا سيما في ظل تنامي الحديث عن تمرد عدد من مرشحي الحزب العتيد ببعض الولايات على أوامر القيادة المتعلقة بعدم الترشح خارج الإطار القانوني للحزب. ما يميز موعد انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة المقررة غدا، عودة حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية "الأرسيدي" الذي ينافس، فضلا عن مرشحي الأفالان، مرشحي غريمه جبهة القوى الإشتراكية "الأفافاس" (الذي يعيش ويتحرك تحت صدمة رحيل الزعيم) على مستوى ولايات منطقة القبائل، وذلك بعد مقاطعته هذه الانتخابات في 2012، فيما يشارك في هذا الاستحقاق من أجل الدخول إلى الهيئة التشريعية العليا فضلا عن فرسان الأحزاب الأربعة المذكورة، مرشحون من جبهة المستقبل والجبهة الوطنية الجزائرية وحركة مجتمع السلم.تجري انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة مرة كل ثلاث سنوات لاختيار 48 عضوا من هيئة انتخابية تتشكل من منتخبين في المجالس البلدية والولائية. ويتكون مجلس الأمة الذي تم تأسيسه بموجب التعديل الدستوري لسنة 1996، من 144 عضوا، ينتخب 96 منهم عن طريق الاقتراع العام غير المباشر، فيما يتم تعيين الأعضاء 48 الآخرين من طرف رئيس الجمهورية في إطار الثلث الرئاسي. يجدر التذكير بأن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة كان قد وقّع في 28 نوفمبر المنصرم، المرسوم الرئاسي المتعلق باستدعاء الهيئة الانتخابية لتجديد نصف أعضاء مجلس الأمة، استنادا إلى أحكام الدستور، خاصة المادتين 77-8 و102 وكذا بمقتضى القانون العضوي رقم 01-12 المتعلق بنظام الانتخابات، حيث يُشترط في المترشح لمنصب عضو مجلس الأمة، أن يكون منتخبا في مجلس شعبي بلدي أو مجلس شعبي ولائي، وأن لا يقل سنه عن 40 سنة.