تجري غدا الثلاثاء انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة وسط تضارب حول حظوظ كل تشكيلة سياسية في الظفر بأغلبية المقاعد المتنافس عليها، والميزة الأكبر لهذا الموعد السياسي هو بروز تحالفات سياسية غير معهودة أثارت الكثير من التساؤلات. ويتوقع أن يتوجه أكثر من 18 ألف منتخب في المجالس الشعبية البلدية والولائية إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحيهم لمنصب عضو مجلس الأمة في سباق يبدو في الظاهر أن التنافس فيه سيقتصر بالدرجة الأولى على حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي الشريكين في التحالف الرئاسي، وذلك لاعتبارات متصلة بالأساس بالوعاء الانتخابي لهاتين التشكيليتين، حيث يحوزان على أغلبية المقاعد في المجالس المحلية مع فارق معتبر للافلان، لكن ذلك لا يعني أن التشكيلات الأخرى منعدمة الحظوظ كون الكثير من الاعتبارات تدخل في الحسبان، أهمها إمكانية التمرد على توجهات قيادات الأحزاب مادام الاقتراع سيكون سريا. انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة لهذه السنة تختلف كثيرا عن سابقاتها، والأبرز فيها هو ظهور تحالف معلن وغير مألوف في الساحة الوطنية ويتعلق الأمر بذلك الموقع بين التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده الوزير الأول السيد احمد اويحيى وحزب العمال للسيدة لويزة حنون، حيث أثار المتتبعون تساؤلات عدة حول الخلفيات التي أدت بحزبين لهما توجهات سياسية مختلفة، احدهما في الحكومة وآخر في المعارضة إلى التحالف، لكن الجواب جاء على لسان الأمينة العامة لحزب العمال التي دافعت عن هذا الخيار السياسي واعتبرته مثالا للممارسة الديمقراطية وتبرأت من أية محاولة لما يسمى "الانتقام السياسي" من حزب جبهة التحرير الوطني على خلفية الخلاف القائم داخل المجلس الشعبي الوطني بين الحزبين، لكن الأمين العام للأفلان السيد عبد العزيز بلخادم وإن أكد أن هذا التحالف لا يخيفه ولا ينقص من حظوظ حزبه في الفوز بأغلبية المقاعد لكونه يتمتع بأغلبية المقاعد في المجالس المحلية، فإنه أبدى استغرابا لهذا المعطى الجديد في الساحة وتحدث عن طرحه للمناقشة في أول اجتماع لأعضاء التحالف الرئاسي. والأكيد أن هذه الانتخابات بالنسبة لحزب جبهة التحرير الوطني تمثل امتحانا صعبا كونه سيعكس حقيقة الالتئام الداخلي بعد أزمة 2004 ، وقد اثار الأمين العام للأفلان الموضوع بصراحة خلال الدورة الأخيرة للمجلس الوطني عندما تحدث عن عدم التزام بعض المنتخبين المحليين بتعليمات القيادة فيما يخص عملية الترشح، ورغم تهديدهم بالإقصاء من صفوف التشكيلة إلا أن الأفلان يخشى كثيرا أن يؤثر ذلك على أدائه ومن ثمة تضييع مقاعد في مجلس الأمة بسبب تشتت الأصوات، وهذا ما أدى بالسيد بلخادم إلى الاعتراف بأن التحدي الأول للحزب في هذه الانتخابات هو "تشتت الأصوات"، فالأفلان مقبل اليوم على تنظيم المؤتمر التاسع وهذا ما يجعل انتخابات نهار الغد امتحانا سيعكس مدى تجاوزه لأزمته الداخلية التي انشطر فيها الحزب الى قسمين. أما التجمع الوطني الديمقراطي فيبدو انه في راحة من أمره لأنه يبقى خارج الضغط وهو صاحب المرتبة الثانية من حيث المقاعد الحالية في مجلس الأمة ب26 مقعدا ويراهن على الفوز ب12 مقعدا على أكثر تقدير وهو نفس عدد أعضائه المغادرين، ويملك في هذا الرهان أوراقا رابحة أولها تحالفه مع حزب العمال، والورقة الثانية هو الانقسام الحاصل في صفوف نظيره في التحالف الرئاسي وهو ما يؤهله لكسب بعض الأصوات الإضافية لترجيح الكفة لصالحه في بعض الولايات كما كان الحال أمس فقط في قسنطينة لما قررت حركة مجتمع السلم سحب مرشحها ودعم مرشح الارندي لاعتبارات متعلقة بالوضع الداخلي لحمس. وتعرف انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة لهذه السنة معطى جديدا يتمثل في دخول الجبهة الوطنية الجزائرية التي يقودها السيد موسى تواتي لأول مرة المعترك السياسي وهو صاحب المرتبة الثالثة من حيث عدد المقاعد في الانتخابات المحلية ل29 نوفمبر 2007 بعد الأفلان والارندي وعليه فإنه يوجد في "رواق" قد يمكنه من ولوج مجلس الأمة لأول مرة منذ تأسيسه قبل أكثر من عشر سنوات بغض النظر عن عدد المقاعد. وإذا كان الغالب في التحضيرات لهذه الانتخابات هو تفاعلات اتفاق الارندي مع حزب العمال فإن موعد الغد يعرف أيضا مقاطعة جبهة القوى الاشتراكية وحركة النهضة وهو تقليد معروف لدى هاته التشكيلات، فالافافاس يقاطع هذا الموعد للمرة الثانية على التوالي مع العلم أن حزب العمال لم يخضها إطلاقا منذ تأسيس مجلس الأمة عام 1998، ونفس الوضع ينطبق على حركة النهضة التي قاطعت هي الأخرى هذه الانتخابات وأكثر من ذلك فقد أقدمت قيادتها قبل أيام بفصل عدد من المنتخبين من صفوفها بولاية وهران لعدم التزامهم بتوجيهات القيادة بالمقاطعة. وتعرف هذه الانتخابات أيضا مشاركة حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية لكن بمرشحين فقط في ولايتي تيزي وزو وبجاية، ويعود اقتصار الحزب على تقديم مرشحين اثنين فقط لكون الارسيدي لا يملك حظوظا في ولايات أخرى لضعف حضوره في المجالس المحلية بخلاف ولايتي تيزي وزو وبجاية اللتين يحوز فيهما الأغلبية مناصفة مع جبهة القوى الاشتراكية. ومن جهة أخرى، فإن انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة لهذه السنة تتميز بوجود حالات تمرد في صفوف أكثر من حزب سياسي رغم التعليمات الصادرة من القيادات لاحتواء هذه الحالات، وهو ما أدى بوزارة الداخلية والجماعات المحلية الى إصدار قرار موجه الى المنتخبين تعلمهم بأن أي مرشح لم يتحصل على تزكية حزبه لن يتم اعتباره مرشحا مستقلا، وجاء هذا القرار من الوزارة لتفادي إدخالها في الصراعات الداخلية للأحزاب بعد تنامي ظاهرة التوجه للقضاء للفصل في مسائل داخلية. ويذكر أن انتخابات مجلس الأمة لا تعني الهيئة الانتخابية المقدر عددها بأكثر من 18 مليون بل تعني فقط أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولائية، ولذلك فإن "الحملة الانتخابية" بمفهوم المواعيد الانتخابية الأخرى غير موجودة، ويقتصر العمل فقط على مستوى الأحزاب التي تصدر تعليماتها لمنتخبيها للتصويت على مرشحيها او المرشح الذي قد يتم دعمه كما هو الشأن لحزب العمال مع التجمع الوطني الديمقراطي.