تزامنا وعيد ميلاده التسعين، احتضن المسرح الجهوي "عبد القادر علولة" في وهران، احتفالية خاصة بإحدى قامات الفن الوهراني، الأستاذ والفنان بلاوي الهواري، الذي حالت حالته الصحية دون حضور هذا الحفل، في حين حضر جمع من أصدقاء ومحبي العملاق الذي قضى سبعة عقود في خدمة الفن الوهراني الأصيل. الاحتفالية أحياها كل من المطرب عبد القادر الخالدي الذي كان كعادته في الموعد، إضافة إلى المشاركة المميزة لسفيرة الأغنية الأندلسية المطربة نسيمة شعبان، ووجوه فنية وهرانية، على غرار الفنانة السمراء حورية بابا وسعاد بوعلي، لينتهي الحفل الذي ساهمت في تنظيمه كل من جريدة "منبر الغرب" والتلفزيون الجزائري بتسليم برنوس وصك بمبلغ مالي للفنان بلاوي الهواري، تسلّمهما نيابة عنه المطرب عبد القادر الخالدي. للإشارة، يعدّ الفنان بلاوي الهواري الذي ولد بحي سيدي بلال في المدينة الجديدة بوهران في 26 جانفي 1926، من أبرز رواد طابع الأغنية الوهرانية، وقد ترعرع في كنف عائلة موسيقية، فوالده كان عازفا على آلة الكويترة وشقيقه قويدر كان عازفا على آلتي البانجو والماندولين. ووظف الهواري فنه إبان فترة الاستعمار الفرنسي لخدمة القضية الوطنية، من خلال تأسيسه فرقة فنية عام 1943، كانت تنشط في سبيل غرس الروح الوطنية وبعث الروح التحررية في الشعب، وفي عام 1949، سجل أول أسطوانة له وفيها أغنيته الشهيرة "راني محير"، وزج به في سجن سيق بمعسكر، وفي عام 1949م، كلفه محي الدين بشطارزي بتكوين وقيادة الفرقة الموسيقية وسجّل أوّل أسطوانة له مع مؤسسة "باتي ماركوني"، حيث أدى فيها أغنية "راني محير". وفي مدرسة "الفلاح" التي تخرّج منها رجال وهران وعلماؤها، تشبّع بلاوي بروح ابن البلد وتعلّم كيف يوظّف فنه في خدمة الشعب، فغنى رائعته "يا دبايلي يا أنا على زبانة"، من كلمات الشريف حماني، التي لحّنها في مقهى والده والتي ينعي فيها استشهاد أحمد زبانة. في حي سيدي بلال كان بلاوي يلتقي بالكادحين من أبناء وهران وكان يتفاعل مع موسيقى "القرقابو" و«القلال" وأغاني البدوي، في هذا الحي الذي يمثّل الوجه الشعبي للباهية وهران، ومن المناهل التي كان يستقي بلاوي في شبابه. بعد الاستقلال، أوكلت إليه إدارة الإذاعة والتلفزيون الجهوي بوهران، ثم في عام 1967، عيّن على رأس إدارة المسرح الوطني بالجزائر العاصمة، وفي سنة 1970 نشّط مشاركة الجزائر لمدة سبعة أشهر في المعرض الدولي بأو زاكا في اليابان، وآخر ألبوم بلاوي الهواري كان سنة 2001، وفي رصيد بلاوي أكثر من 500 أغنية، منها ما أداه بصوته ومنها ما أداه مغنون شباب، مثل صباح الصغيرة، جهيدة، خالد وهواري بن شنات، وجل أغاني بلاوي نصوصها من تراث الملحون لكبار الشعراء، مثل عبد القادر الخالدي، الشيخ الميلود، لخضر بن خلوف، مصطفى بن ابراهيم وقدور بن سمير، وعبر عشرات السنوات عمل على تكوين الفنانين الشباب في مجال الغناء والتلحين، ليصنع من نفسه عميدا للأغنية الوهرانية من خلال أشهر أغانيه، على غرار "زبانة"، "يا دا المرسم"، و«حمامة"، وغيرها من الأغاني التي لا تزال حية في الذاكرة الشعبية الجماعية تحفظها عن ظهر قلب.