استعرض السيد زكاغ أهمية جانب التكوين في عملية ترميم التراث الوطني فهو الذي يضمن توفّر المختصين من خبراء ومن مهارات تسمح بتشخيص المرض حتى أثناء سيرورة العملية، ففيها يتمّ اكتشاف العيوب، لذلك تم تثمين استمرارية مكاتب الدراسات أثناء انطلاق أشغال الانجاز حيث تعطى فيها فرصة التشخيص والتدخل الفوري والمناسب، فأحيانا الدراسة القبلية تكون سطحية أو عامة لكن بعد التدخل تظهر أمورا أخرى لم تكن في الحسبان، مؤكّدا أنّ التكوين أصبح ضرورة بعد النقص المسجل عندنا وهو الأمر الذي يتطلّب تكاتف العديد من القطاعات والتكفّل بعنصر الشباب. كشف المتحدّث أنّ تكوين الشباب انطلق بفعالية مع تظاهرتي قسنطينة وتلمسان، كما تمّ إقحام بعض الشباب في ترميمات كتشاوة للاستفادة من خبرة الأتراك، هناك أيضا تكوين خاص للمرشدين السياحيين وغالبا ما يكونون من خريجي اختصاص التاريخ أو الآثار أو غيرهما ويشتغلون عبر مختلف المواقع والمدن ويستقبلون الجمهور من جزائريين وأجانب ومن أطفال المدارس، وبالمناسبة استعرض زكاغ مختلف الاتفاقيات المبرمة بين وزارة الثقافة وباقي الوزارات منها التربية والسياحة والاتصال وكذا وزارة التكوين المهني المعنية بالتكوين خاصة في مجال الحرف القديمة، كما تمّ عقد لقاءات مع إطارات مختلف الوزارات التي انبثقت عنها لجان مشتركة للعمل وكذا للتكوين، ففي مركز "وريدة مداد" مثلا يتم التكوين في الحرف القديمة ويتكفّل أيضا خبراء ببرمجة دورات تكوين في شتى الاختصاصات منها الرخام والخشب والبناء، وكلّها اختصاصات يحتاجها حتى قطاع البناء، وبالنسبة لغرفة الحرف بالعاصمة فقد نظمت يوما دراسيا بمشاركة 60 حرفيا واستعرضت مشاريع الترميم ويتم أحيانا اقتراح هؤلاء الحرفيين على المشاريع المختصة بالترميم ويكتسبون الكثير من الخبرة خاصة في الجانب التطبيقي . استحضر الضيف سفره إلى اسبانيا، حيث توقّف هناك بمعهد سرفنتاس المختص في التكوين المهني وهو مدعّم من كل المؤسسات ويوفّر التأطير النظري ثم الميداني من خلال المشاريع القائمة، لذلك ستبرم اتفاقية معه لتعليم طرق ومناهج التكوين وقصد تأسيس مدرسة للحرف علما أنّ هذه المدرسة هي مدرسة "مصطفى حموش" الموجودة بالقرب من قصر "خداوج العمياء" التي خضعت للأشغال الاستعجالية وتنتظر الترميم. ويسعى الديوان الوطني لتسيير الممتلكات الثقافية إلى استحداث فروع ومعاهد منها مثلا "أكراس" كما يفرض مشروع التكوين على المؤسسات الأجنبية العاملة في الجزائر لاكتساب المهارات، ومن ضمن الأجانب أيضا –حسب زكاغ- نجد الإيطاليين الذين سبق لهم وأن رمموا في نهاية الثمانينيات قصر "رياس البحر" وتجمعنا بهم علاقات تكوين متمثلة في تأهيل المهندسين والحرفيين وهناك مكاتب ومؤسسات مشتركة منها "ايكوتاح" و«اكوتاب" وأبيو"، وتمتد الشراكة إلى دول متوسطية أخرى تشبهنا في العمارة ولها علاقات طيبة مع الجزائر وشعبها ومن ذلك اليونان وإيطاليا واسبانيا وغيرها . وتأسف زكاغ، لكون الجامعات الجزائرية لا تكوّن مختصين في الترميم، وباعتباره كان أستاذا جامعيا لمدة تفوق ال20 سنة، فقد خاض تجربة تدريس الترميم لمدة 3 سنوات ثم توقّف المقياس، وبالنسبة لأقسام الماستر والدكتوراه الحالية فهي تعنى أكثر بالجانب النظري على حساب البحث في تقنيات العمل الميداني. وتحدّث الضيف عن مدرسة الترميم بدار الصوف بالقصبة التي توفّر مستوى ليسانس مع إمكانية توفّر ما بعد التدرج لكن يبقى الإقبال عليها ضعيفا حسبما أشار إليه الضيف، وبالمقابل سيتم إعادة تأهيل العاملين وتكوين المهندسين ورؤساء المشاريع والورشات والبنائين والحرفيين وهنا لا بد أيضا من النهل من التجربة والخبرة الأجنبية، كما ستتم إعادة بعث الرسكلة من خلال البرامج خاصة الجامعية منها. استياء من تدخّل نقابة المهندسين المعماريين بخصوص الترميمات المبرمجة في إطار تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، أوضح السيد زكاغ أنّها تأخرت عاما ونصف العام، فهي شراكة مع الأجانب ضمن قاعة "49-51"، قصد ضمان الكفاءة والسرعة في وتيرة الأشغال ، إلا أنّ نقابة المهندسين المعماريين احتجت على ذلك، وطالبت باعتماد المهندسين الأجانب، وكان الجواب أنّ أصحاب مكاتب الدراسات جزائريون معتمدون علاوة على كون الأجانب أقلية. لكن النقابة صعبت الأمور وهو ما جعل المشاريع تتوقّف، إلى أن فصلت السلطات في الأمر، وأكّدت أنّ الترميم ليس عملية بناء عادية وتخضع لتشريعات وزارة الثقافة. وفي هذا السياق، عبّر السيد زكاغ عن استيائه من تدخّل النقابة في عمل الديوان، خاصة ما يتعلّق بالترميم في عاصمة الشرق الجزائري، وهو ما تسبّب في تأخير العمل، وتساءل هل تدرك النقابة أنّ الأمر يتعلّق بعملية ترميم وليس سكن أو بناء عادي، وبالتالي فإن استعمال القوانين لا بد أن يكون في موضعه ووقته؟. واستغل الضيف مناسبة الحديث عن هذا الموضوع ليلوم النقابة ويدعوها للاهتمام أكثر بالبناءات التي باتت تشوّه المنظر العام، وسادت الفوضى العمرانية في البناء، حيث تمّ تجاهل جماليات ومقاييس البناء. من مسبوقين إلى حراس للتراث في سياق حديثه عن المجهودات التي بذلت لإعادة إحياء القصبة ومنعها من الزوال، اوضح السيد زكاغ أنّه من بين الخطوات التي اتّخذها الديوان الانخراط في مسعى إعادة إدماج المسبوقين قضائيا في الحياة العادية، وفي هذا الشأن اوضح انّه بالتعاون مع مصالح الأمن تمّ توظيف 35 حارسا في القصبة من أصحاب السوابق. وأوضح السيد زكاغ أنّ هذه التجربة أعطت ثمارا جيّدة، وتمّت بالتنسيق التام مع الأمن، حيث وضعت قائمة بأسماء المعنيين، وتمّ توظيفهم وتكليفهم بحراسة المباني التي تمّ ترميمها كلية، ومنع أي احتلال للأبنية بطريقة غير شرعية من قبل العائلات التي امتهنت البزنسة في السكنات أو القادمين من خارج العاصمة والراغبين في البقاء فيها. ووصف السيد زكاغ هذه التجربة بالرائعة، قدّمت خدمة كبيرة للمجتمع، حيث سجّلت مصالح الأمن المختصة انخفاضا ملحوظا في معدل الجريمة بالقصبة، ناهيك عن الأمن الذي بات يعمّ الحي العتيق حيث بإمكان أي شخص التجوّل بحرية في المناطق المرممة، فمن جهة أمّنا البيوت التي خضعت للترميم ومن جهة انتشلنا 35 شابا من عالم الإجرام، وأغلبيتهم يستعدون لتكوين عائلات بعد أن وجدوا اليد العليا التي أمنت بهم وساعدتهم على تخطي نظرة المجتمع وتكوين نظرة مشرقة عن المستقبل. وفي نفس السياق، أكّد السيد زكاغ أنّه في 2007 العام الذي وضع فيه المخطط الاستعجالي للقصبة، لم يكن بالإمكان المغامرة والتجوّل بأريحية في أزقة وأحياء القصبة، لكن الأمور تغيّرت كثيرا حيث تمّ توظيف 25 مهندسا معماريا من أبناء القصبة، علاوة على التأقلم السريع مع الوضع الاجتماعي وتبني عادات وتقاليد أهلها، حتى بتنا جزءا من هذه القصبة التي بالرغم من صعوبة العمل فيها لانفرادها عمرانيا لكنّها تبقى استثناء جميلا في كلّ مناحيها.