لقد ثبت عجز منظمة الأممالمتحدة في إيجاد تسويات لمختلف المشاكل والمسائل العالقة التي يعرفها العالم، وتأكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعمل على تكريس تبعية هذه المنظمة الدولية لجعلها ملحقة لإدارة البيت الأبيض. وإذا لم يباشر في تطبيق خارطة الإصلاحات فليس بعيدا أن يؤول حال الأممالمتحدة إلى ما آلت إليها عصبة الأمم. شرعت، أمس، الجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشاتها لمختلف مشاكل العالم في ظروف دولية طغى عليها التوتر بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا، مما ينذر بعودة مظاهر الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي التي امتدت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى بداية التسعينيات. ودون شك، فإن النقاشات التي ستجري في هذه الدورة ستكون على وقع قضايا أثارت وما زالت تثير خلافات عميقة بين الدول الخمس صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن وخاصة بين روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية نتيجة للنزاع الجورجي واعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وقضية استقلال كوسوفو عن صربيا. وحتى القضايا التي لم يظهر الخلاف سابقا حولها، من الممكن أن تعرف تطورات جديدة في مواقف الدول القوية مثل أزمة السلاح النووي الإيراني ومسألة فرض رزمة رابعة من العقوبات على طهران بعدما رفضت توقيف تخصيب اليورانيوم ،وكذا في مسعى إعادة إطلاق عملية السلام على المسار الإسرائيلي الفلسطيني الذي توقف منذ سنوات، وفي احتمال قرار المحكمة الدولية في الأسابيع المقبلة إصدار أو عدم إصدار مذكرة توقيف ضد الرئيس السوداني عمر البشير على وقع رفضه تسليم اثنين من المتهمين بالإبادة في دارفور. موازاة مع هذا، تأتي هذه الدورة مع بروز بوادر أزمة اقتصادية خانقة على خلفية الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية والطاقة، مما يهدد بتوسيع دائرة الفقر، وهذا ما يفتح مجالات الاحتجاج والتمرد والحروب على مصراعيه، وقد تكون عواقب هذه الأزمة وخيمة أكثر من الأزمة التي عرفتها بدايات القرن الماضي. ومثل هذه المعطيات تجعل من هذه الدورة الثالثة والستين، التي تجمع 192 بلدا عضوا في الأممالمتحدة، ستعرف نقاشات حادة حول مطلب إصلاح مجلس الأمن، الذي من المعروف أنه يضم 15 عضوا، منهم خمس أعضاء دائمون يتمتعون بحق الاعتراض أو "الفيتو" وبقية الأعضاء الآخرين ليسوا دائمين حيث يتم انتخابهم كل عامين. أمريكا وحصان طروادة إذا كانت الأممالمتحدة قد أنشئت عام 1945 على أنقاض عصبة الأمم حتى يتفادى العالم حربا عالمية ثالثة، فإن السلبيات والنقائص الموجودة في مجلس الأمن على الخصوص ومنها احتكار القرارات الدولية والتفرد بها من قبل مجموعة صغيرة من الدول أدت إلى إضعاف المنظمة وجعلتها تفقد هيبتها بعدما أن أصبحت القرارات الهامة والمصيرية في المنظمة تتخذ بإملاء من الدول المسيطرة على مجلس الأمن خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وجاء قرار غزو أمريكا للعراق عام 2003 بعدما رفضه مجلس الأمن في البداية ثم عاد ليعطيه الشرعية وتعامل معه على أنه أمر واقع، ليكرّس هذا التوجه الذي يتم فرضه على المنظمة منذ بداية التسعينيات مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.. منذ تلك الفترة بدأت أصوات إصلاح المنظمة تتعالى، وبرز مشروع إصلاح الأممالمتحدة الذي دعمته دورة الجمعية العامة في قمة الألفية عام 2000 بعد أن أنهت لجنة الحكماء التي شكلها الأمين العام السابق كوفي عنان أعمالها التي دامت عامين. لكن المشروع لم يظهر إلى النور نتيجة عدة أسباب أهمها أن أمريكا رافضة للإصلاح المقترح وهي تسعى لفرض تعديلات جزئية تتماشى مع منطق هيمنتها على المنظمة، وقد قدم في هذا الشأن الممثل السابق لها، جون بولتون، 750 تحفظا حول المقترحات التي قدمها الأمين العام ولجنة الحكماء. صراعات الكبار وخلافات الصغار من أبرز ما ورد في المشروع هو إعادة تشكيل مجلس الأمن الدولي، بحيث يضم عددا جديدا من الدول تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن على غرار الدول الخمسة التي تتمتع حاليا بحق الفيتو وهي: أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين. ويرى المساندون لهذا المشروع أن بقاء المجلس بصورته الحالية إجحاف في حق الدول الأخرى الصاعدة التي يمكنها أن تلعب دورا في التوازن والحفاظ على حقوق الدول الصغيرة، وتوسيعا لنطاق القرار الدولي ليشمل دولا من العالم الثالث من قارات أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا وفي هذا السياق، يجري الحديث عن منح كل من اليابان وألمانيا والهند والبرازيل صفة العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى ممثل للقارة الإفريقية، التي ترك أمر اختيار من يمثلها لأصحابه. ويتداول بأن القارة السمراء ستتحصل على مقعدين دائمين في مجلس الأمن ولكن من دون صلاحيات كاملة. والجدل قائم داخل القارة حول من يمثل إفريقيا، وتنحصر المنافسة بين كل من جنوب إفريقيا ونيجيريا ومصر. ففي الوقت الذي تحظى فيه جنوب إفريقيا بشبه إجماع دولي على أهليتها لتمثيل إفريقيا في مجلس الأمن، هناك في المقابل صراع كبير بين مصر ونيجيريا حول من تكون له الأحقية في المقعد الإفريقي الثاني. والجزائر الحريصة على إعطاء دور لدول العالم الثالث في اتخاذ القرارات الدولية، دعت إلى ضرورة إصلاح الأممالمتحدة حيث أشار خطاب السيد مراد مدلسي، وزير الشؤون الخارجية، خلال المناقشة العامة للدورة الثانية والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بنيويورك في أكتوبر2007 إلى "أن الجزائر تظل على يقين بأن الالتزام الثابت والانخراط الواسع للدول الأعضاء ضروريان للوصول إلى توافق ذي مستوى وتحقيق مشروع الإصلاح الطموح والمنشود." وقد أكد رئيس الدبلوماسية الجزائرية على عدم التأخر في تطبيق المشروع الذي تم تبنيه في عام 2005 موضحا بأنه بمثابة "خارطة طريق للشروع في إصلاح حقيقي لنسيج العلاقات الدولية في العالم الذي نعيش فيه اليوم.