أهم ما يميز المساجد في شهر رمضان المبارك هو أداء صلاة التراويح، حيث تعلو من مآذنها أصوات الأئمة وهم يلقون الدروس ويقيمون الصلاة، ولمن لا يعرف معنى صلاة التراويح فهي جمع ترويح وسميت كذلك لأن المصلين يستريحون بين كل تسليمتين، كما تعرف كذلك بقيام الليل يختم من خلالها القرآن في ليلة السابع والعشرين عادة، وتحرص النساء مثل الرجال على أدائها في هذا الشهر الفضيل، إلا أن بعض النساء أصبحن يتخذن منها حجة بغية الخروج من المنزل ليلا والالتقاء بالأحباب والأصحاب. وعلى الرغم من أن المرأة عند دخول شهر رمضان تبذل جهدا كبيرا للقيام بأشغالها المنزلية والانتهاء منها مبكرا حتى تمنح لنفسها فرصة التعبد لاسيما وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رغّب النساء في الصلاة بالمسجد، إذ يقول صلى الله عليه وسلم »لا تمنعوا نسائكم المساجد« غير أنه يشترط عليها أن تكون متحجبة وأن لا تكون متطيبة وأن تأخذ الإذن للخروج، غير أن ما يحدث في أرض الواقع يخالف تماما هذه الشروط فإلى جانب التطيب ولبس اللباس الذي لا يتناسب والصلاة بالمسجد، فإن الكثير من النساء لا يقصدن المسجد بهدف الصلاة بل من أجل الثرثرة والنميمة والتشويش على غيرهن، ذلك ما خرجنا به من استطلاع أجريناه في بعض مساجد العاصمة. وأول ما شد انتباهنا ونحن ندخل أحد المساجد هو أن بعض المقبلات على الصلاة بمجرد أن تطأ أقدامهن بساط المسجد يبدأن في البحث بارجائه عن معارفهن، وأخريات يصحبن أطفالهن حتى الرضع منهم ويجلسن في آخر المسجد، وقبل أن يبدأ الإمام في إلقاء الدرس، يتحول مصلى النساء إلى »سوق« يعج بالأحاديث والتجمعات في شكل دوائر، إلى جانب صراخ الأطفال وبكائهم. وتتنوع الأحاديث بين النسوة والعجائز وحتى الفتيات من المراهقات، لدرجة أن درس الإمام قد يبدأ ولا تصمت النساء عن الكلام، وفي هذه اللحظة كثيرا ما تتدخل المرشدات لمطالبتهن بالسكوت والاستماع إلى الدرس أو على الأقل تمكين غيرهن من الاستفادة، إلا أن كل ما تقوله المرشدات لا يجد الآذان الصاغية بل يتواصل »سوق النساء«، بل أكثر من هذا تغضب بعضهن من تدخل المرشدات، فنسمع تعليقات مثل »قد بنتي وتعيّط عليّ..« وكثيرا ما تصل أصوات النساء إلى مسامع المصلين من الرجال، وهو ما يثير غضب الإمام الذي يضطر إلى نهيهن »اللي ما تسكتش تصلي في دارها خير لها«. كما أن أهم ما يميز المسجد عند التأهب للصلاة حركة الأطفال بين الصفوف والإكثار من الكلام والضحك والبكاء، وهذا يدل على غياب التركيز والخشوع منذ الدقيقة الأولى لأداء الصلاة بل وقبل ذلك.! فلا تنبيه الإمام ينفع ولا صراخ المرشدات يأتي بنتيجة، فاللاوعي لدى بعض السيدات ولاسيما العجائز حول آداب المسجد غائب تماما.
الصلاة في المنزل أفضل انتقلنا إلى الشارع وسألنا بعض السيدات عن رأيهن في الموضوع وكان من بين اللواتي صادفناهن السيدة سعاد ذات 38 سنة والتي بمجرد أن سألناها كان أول ما بدا على ملامحها الاستياء والحسرة، وقالت في هذا الخصوص »إن ما يحط من عزيمتي ولا يشجعني على الصلاة بالمسجد رغم أني أحب ذلك كثيرا لاسيما وأن المسجد قريب إلينا هو كثرة الأحاديث بين النساء حول ما طبخوه أو التفصيل في إعطاء الوصفات الشعبية حول بعض الأمراض، بل وحتى الحديث عن الناس، أي الغيبة بالمسجد، فأين هو الخشوع والعبادة؟« . وتضيف المتحدثة »إنني قد أخطئ وأشاركهن الحديث عن سهو، كما أني في أغلب الأحيان لا أعرف حول ما ذا يتحدث الإمام لذا أفضل ببساطة عدم الذهاب حتى لا أزعج غيري، وأتسبب في إحداث شجار مع الثرثارات في رمضان«. أما الآنسة نوارة فتقول »إن فكرة الذهاب لأداء صلاة التراويح بالمسجد لا تروق لي إطلاقا رغم أنه لم يسبق لي أبدا أن قصدت المسجد لهذا الغرض، لأن ما اسمعه من الذين يصلون بالمسجد حول الفوضى والثرثرة وغيرها من المظاهر غير المقبولة والتي تسود وسط النساء لاسيما في هذا الشهر الكريم زادتني نفورا، إذ تصبح التراويح متنفسا للنميمة وإفشاء الأسرار، ليتحول المسجد في مخيلتي إلى مكان يصلح لكل شيء إلا للعبادة وتضيف، »أفضل أداء صلاتي بمنزلي، مانشوف حاجة ما يوجعني قلبي«. من جهتها تؤكد السيدة كريمة أنها كانت تصلي بالمسجد منذ دخول شهر رمضان، إلا أنها توقفت مؤخرا بسبب كثرة الأطفال والضجيج الذي يحول دون إمكانية تتبعها لما يقوله الإمام، حيث تقول »لا أستطيع التركيز مطلقا مع الإمام، فإلى جانب أنني لا استفيد من الدرس المقدم بسبب شوشرة النساء، فإن الأطفال زادوا الطين بلة«، وفي هذا الخصوص تذكر حادثة وقعت لها قائلة: »سبق أن أثار أحد الرضع الضجيج ببكائه في آخر المسجد فسارعت أمه التي كانت تصلي لإرضاعه، بما أن صلاة المرأة ليست فرضا بالمسجد، فلما لا تصلي ببيتها وتعتني بأولادها أفضل لها من الشوشرة على غيرها وعدم أدائها لصلاتها كما يجب«. الصلاة ذريعة للقاءات الغرامية ! وتؤكد مرشدة التقتها »المساء« بأحد المساجد بالعاصمة على أن الحد من هذه الظاهرة لا يكون إلا من خلال التأكيد على التوعية وتوجيه الملاحظة بأسلوب مهذب لاسيما للطاعنات في السن، أو لعديمات المستوى الثقافي، فهذه الظاهرة تكثر خاصة بالمساجد الواقعة بالأحياء الشعبية وتضيف المتحدثة أن المرشدات اليوم يقمن بعمل الشرطيات داخل المساجد خاصة اتجاه الفتيات المراهقات من اللواتي بتن يتذرعن بالمسجد للخروج من المنازل بغية التنزه مع أصدقائهن بعد أداء صلاة العشاء، وبعد العودة من النزهة يدخلن المساجد لغاية انتهاء صلاة التراويح لخداع أهلهن، ولهذا الغرض تضيف المرشدة، اتبعنا إجراءات رادعة منها إقفال باب المسجد بعد الشروع في الصلاة وإطفاء كل الهواتف النقالة التي تنظم المواعيد عن طريقها، ومع هذا تكشف المتحدثة أن هذه الإجراءات دفعت ببعضهن إلى تغيير المسجد.