وصف الأستاذ سمير فاضل، مختص في علم الاجتماع، ظاهرة البصاق والتبول في الشوارع وغيرها من التصرفات السلبية والمعاكسات وبعض الحركات الإيمائية التي تحمل دلالات غير مهذبة بالانحراف، وقال في حديث خاص ل "المساء"، بأن الانحراف لا ينحصر في الجريمة فقط، فلا تعد كل جريمة انحرافا، ومثل هذه التصرفات غير الحضارية تدخل في خانة الانحراف غير المعاقب عليه، مشيرا إلى أنها ليست جديدة وإنما قديمة وموجدة في كل المجتمعات العربية والغربية على حد سواء، لكن بنسب متفاوتة. أرجع محدثنا سبب تفشي مثل هذه التصرفات المعيبة في المجتمعات العربية وتحديدا الجزائر، إلى عدة أسباب أهمها: "زوال الأسرة الممتدة، حيث أصبحت مسألة التربية مقتصرة على الأب والأم، وبخروجهما إلى العمل بات الأبناء يتعلمون من مختلف القنوات، ولعل الشارع أولها، ومنه أصبح من الصعب التحكم في العملية التربوية، إلى جانب ظهور اللامعيارية التي يقصد بها زوال القيم والأخلاق الاجتماعية التي غيبها ضعف الوازع الديني، دون أن ننسى أهم أسباب التغيرات العالمية الجديدة الممثلة في العولمة والأنترنت التي أصبحت تضرب في عمق أخلاق المجتمع. يقترح الأستاذ سمير بعض الحلول التي يرى بأن من شأنها محاربة مثل هذه الظواهر السلبية، والممثلة في الرجوع إلى الوازع الديني الذي يلعب فيه الإمام دورا بارزا، ممثلا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاعتماد على الترهيب والترغيب، ولابد أيضا للأسرة أن تلعب دورها الأساسي في التربية، لأنها المصدر الأول في التنشئة والانحراف يبدأ منها. من جهتها، ترى الأستاذة ثريا تيجاني، مختصة في علم الاجتماع "أن ظاهرة البصاق والتبول في الشوارع، وبصورة عشوائية، مرجعها الإهمال التربوي، إذ تقول: "في اعتقادي الفرد الذي يتبول ويبصق لا يستطيع السيطرة على نفسه ويعلن عن عدم احترامه للآخر، لأنه ببساطة يعبر عن نزعته الانتقامية من المجتمع الذي يفترض أنه يرفض مثل هذه التصرفات". تقول المختصة الاجتماعية؛ "أعتقد أن تفشي مثل هذه الظواهر بهذه الطريقة غير اللائقة دليل على تضييع آدابنا الإسلامية التي يفترض أن تحفظ مجتمعنا والتي مرجعها ضعف الوازع الديني والادعاء بالديمقراطية التي تسمح له بفعل ما يشاء، وهي التي حولت في مجتمعنا للعيش في حالة فوضى، من أجل هذا أقترح على الأسرة أن تعود إلى أصول التربية الحقيقية المستمدة من الشريعة الإسلامية التي أكدت على حفظ آداب الطريق، وعلى الدولة أيضا التكفل بمعاقبة الذين يقومون بمثل هذه التصرفات على شكل غرامات جزافية. الدكتور في علم النفس يوسف قدوري: الإضرار بالبيئة تعبير عن رفض واقع معيّن اعتبر الدكتور يوسف قدوري، أستاذ في علم النفس بجامعة غرداية، أن مشكلات البيئة فرضت على الإنسان اليوم إعادة النظر وتصحيح سلوكاته الخاطئة اتجاه بيئته، من خلال تضافر الجهود بهدف حمايتها، موضحا في تصريح ل"المساء"، أن سلبية الفرد تجاه بيئته يفسر عموما برفض واقع معاش معين. يقول الدكتور قدوري في معرض تعليقه على المظاهر المعادية للبيئة بوجه عام، بأنه في خضم انعقاد قمم عالمية لنشر الوعي البيئي وترقية الثقافة البيئية، فإن التساؤل المطروح بإلحاح يتمحور حول واقع الحال في مجتمعنا! وماذا عن السلوكات الملاحظة يوميا تقريبا حول التجاهل التام لقواعد احترام البيئة لدى البعض من أفراد المجتمع الجزائري؟ يقول؛ الإجابة عن هكذا تساؤلات ليس أمرا هينا، بل يستدعي منا الوقوف بتمعن وبنظرة فاحصة لمجموع المسببات للوصول إلى حلول ميدانية للمعضلة، فعندما نتكلم عن البيئة والسلوك البيئي، يقودنا الحديث إلى ما يسمى بالثقافة البيئية، والذي يعكس محتوى القيم والمبادئ والمعايير السلوكية التي تحدد اتجاهات الفرد في تعاملاته السلوكية مع البيئة أو المحيط بغض النظر عن إيجابية هذا السلوك أو سلبياته، حيث أن هذا المفهوم مرتبط بالتربية والتعليم التي يتلقاه الفرد من مؤسسات التنشئة الاجتماعية. فالسلوك البيئي سلوك اجتماعي في سياق اجتماعي، يتضمن اتجاها إيجابيا، أي صديق للبيئة أو معاديا لها، وإذا حاولنا أن نسقط هذه المفاهيم على واقعنا المعاش نحتاج في تفسير مثل تلك السلوكات غير المرغوبة تناولا نسقيا متعددا لعلماء نفس واجتماع وقانون...الخ، بيد أن التفسير السيكولوجي لا يستطيع أن يخرج عن السياق الاجتماعي الذي يعيشه الفرد، فانهيار سلم القيم جعلنا نلاحظ مثل هذه السلوكيات حتى أصبحنا نرى بعض اللافتات التي تمنع رمي القمامات وعدم التبّول – أعزكم الله - وغيرها من السلوكيات السلبية تجاه البيئة، وقد يعتبر أحيانا أخرى نتيجة سلبية لتقدير الذات نظرا لغياب الوعي الثقافي، فقد يلجأ الفرد إلى إلحاق الضرر بالبيئة المحيطة تعبيرا عن رفضه للبطالة أو شيء غير مقبول بالنسبة له. فالنظرة لا بد أن تكون كلية، أي مقاربة كلية قانونية- اجتماعية- نفسية للوصول إلى تعديل سلوكات خاطئة من شأنها إلحاق الضرر بالجميع، دون أن ننسى دور الإعلام والحملات التحسيسية من خلال مؤسسات المجتمع المدني. يزيد معمري مسؤول الإعلام والاتصال بالكشافة الإسلامية: نلقن الشباب أساليب الحياة الحضارية أوضح السيد يزيد معمري المسؤول الوطني للإعلام والاتصال بالكشافة الإسلامية، أن الاستثمار في تعليم الشباب وتلقينهم أساليب الحياة الحضرية يستدعي تضافر جهود عديدة وتحالف مختلف الأطراف لتعليم الفرد منذ صغره أسس الحياة الاجتماعية الصحيحة، مشيرا إلى أن الكشافة الإسلامية لها دور أساسي في تلك التنمية، ولتحقيق ذلك، لابد من تبني ثقافة إدراج الأطفال ضمن برامج الفرق الكشفية. قال المكلف بالاعلام بأن للكشافة نظام تربوي خاص بكل مرحلة عمرية، الهدف منها إعداد كشاف ناضج، صالح ونافع يمتاز بحب الوطن ومفيد للمجتمع، كما تهدف إلى إعداد الفتى حتى يكون قائدا مستقبلا، ويضيف: "تثقيف الفرد هو تسهيل لعملية بناء مجتمع سليم، ولا يتم ذلك إلا بتلقينه أساليب وسلوكيات حضارية بعيدة عن السلبية، لأن الفكر السلبي يؤثر بشكل كبير على التنمية المجتمعية على جميع الأصعدة. وقضية التربية المجتمعية أصبحت في الوقت الراهن مطمحا تسعى إلى تحقيقه الدول النامية بعدما حققته واجتازت أشواطا كبيرة منه الدول المتقدمة. كما نبه إلى أهمية تنمية الوعي عند الأسر بالتربية الكشفية. وأشار بن معمري إلى أن الهدف من الاستثمار التربوي هو رفع مستوى معيشة الفرد على المدى البعيد، حتى يشعر بقيمته وقيمة ما ينتجه وما يعكسه من سلوكيات إيجابية حميدة.. وتحظى الكشافة الإسلامية، حسب المتحدث، بدور كبير وأساسي في التنمية الفردية والتعليم ولها دور متميز في إحداث التنمية واستمراريتها، وهنا يشمل معنى التربية داخل الكشافة جميع الأنشطة والممارسات التي لا تخرج عن تعاليم ديننا وأخلاقيات مجتمعنا المحافظ على قيمه وعاداته وتقاليده وأصوله المتعلقة بالتعليم والإعداد والتدريب. حدة وحيدة سايل مختصة في علم النفس: المظاهر السلبية سببها ضياع القيم الوطنية أرجعت الأستاذة حدة وحيدة سايل، مختصة في علم النفس بجامعة الجزائر "2"، تفشي بعض السلوكات المشينة بالمجتمع، كالبصاق والتبول والمعاكسات، وغيرها من السلوكات غير المسؤولة، إلى تضييع المجتمع لمعايير وطنيته وجملة من الفضائل التي يعمل علم النفس المعاصر اليوم على إعادة بعثها فيه. ربطت المختصة في علم النفس جملة التغيرات التي عرفها الفرد في الجزائر بالعشرية السوداء، حيث قالت في حديث خاص ل"المساء"؛ لا يمكن أن نفسر ما يحدث في مجتمعنا من تصرفات غير مسؤولة دون الرجوع إلى العشرية السوداء، فقبل هذه الفترة، كانت عندنا جملة من المعايير الاجتماعية والأخلاق التي كنا نحرص عليها وكانت تعكس الصحة الاجتماعية، غير أنها سرعان ما زالت بعد العشرية السوداء، بعد أن أصبح الكل يعطي لنفسه حق التصرف كما يشاء وبحرية مطلقة، الأمر الذي أفقدنا المعايير الحضارية، ولعل البصاق انطلاقا من التلميذ، وصولا إلى الأستاذ سواء في الشارع أو داخل الحرم الجامعي دليل على تضييعنا لسلوكياتنا الحضارية التي لم تعد تعني لنا شيئا". من ناحية أخرى، أرجعت المختصة في علم النفس تفشي ظاهرة البصاق والتبول وغيرها من التصرفات اللامسؤولة في المجتمع إلى التنشئة الاجتماعية التي لم تعد كما كانت عليه سابقا، بمعنى أن "الأولياء.. المدرسة...المساجد وغيرها من المؤسسات التربوية لم تعد تؤدي الدور المنوط بها، كل هذا انعكس سلبا على ما نسميه في علم النفس بالمواطن الصالح الذي يفترض أن ينشأ تنشئة اجتماعية سوية حتى يكون مواطنا صالحا لا يقوم طبعا بمثل هذه التصرفات غير الحضارية النابعة طبعا من مبدأ التصرف بحرية". اتجه علم النفس في الآونة الأخيرة، حسب محدثتنا، إلى التخلي عن أسلوبه التقليدي في علاج مختلف الأمراض النفسية، قصد إعادة الفرد إلى حالته الطبيعية بعد تخليصه من مختلف مشاكله وعقده، واهتم بما يسمى بعلم النفس المعاصر الذي اتجه إلى البحث في السبل التي تعيد تنمية مختلف الفضائل في الأفراد، بمعنى تضيف "أن علم النفس المعاصر، وهو التوجه الذي تبنيناه كمختصين، يركز على إشكالية كيفية تربية الأفراد على هذه الفضائل الممثلة في الأخلاق والتفاؤل والتصرف الحسن لنكون أشخاصا يعرفون ما معنى أن يكونوا حضاريين، وهذا التوجه في حقيقة الأمر فرضه تغير المجتمع، وفي اعتقادي تقول؛ "اليوم نحن بحاجة إلى محاربة مختلف هذه التصرفات غير الحضارية وتفعيل معايير المجتمع القانونية التي تعتمد على العقاب لمحاربة هذه التصرفات، وبعد أن يتعود عليها الأفراد نتجه إلى التأكيد على ضرورة إكسابهم مختلف الفضائل، لأن هذه الظواهر تفشت بشكل ملفت للانتباه وأساءت إلى صورة الجزائر الحضارية".