تتجلى في رمضان معاني الانتصار على النفس والشّر رغم ما يرافقه من جشع بعض التجار، فدائما هناك مَن لم يُصفّدوا من الشّياطين، فالشّيطنة تتكيّف حسب الزّمان والمكان، وهي ثقافة تحاول إفساد معاني الخير والصّبر. والصوم في بعض المجتمعات التي تقوم على قِيَم المقاومة وخوض الحروب هو امتحان للأطفال كي يتعودوا على الصوم، وفي أول بداية، تقام لهم الاحتفالات وتُهْدى لهم الهَدايا، وانتهاك حُرمته بالأكل والفجور هو تحد للجَماعة، ويصوم حتى الذي لا يؤدي الصلاة، فيمكن قبول تارك الصّلاة في بعض المجتمعات ورفض مُنتهِك حُرمة رمضان. ففيه يتجلى الإخلاص للقبيلة أو العائلة أو الجماعة وانتهاكه معناه الخروج منها، إنه التولي يوم الزحف "المعركة"، خيانة لا تُغتفر، فهو الشّهر الذي انتصَر فيه المسلمون في المعركة الأولى الفاصلة بين الإسلام والكفر "بدر"، إنهم الفئة القليلة التي كانت على الحق مثل الفِتية الذين آووا إلى الكهف وجماعة موسى عليه السلام، والتي نذرت للرحمن صوما لتنتصر على قومها. الصوم حاضر هنا كقوة نفسية من أجل البقاء بكل دلالته، إنه يذكرنا بمعركة حِطين التي انتصر فيها صلاح الدين الأيوبي على جيوش عاتية، وفي كل دولة عربية وإسلامية معارك جَرَت في هذا الشهر، منها معارك الجزائريين ضد الاحتلال، وتذكرها ذلك هو حالة حنين إلى زمن الانتصارات من أجل "الخير" و"الأرض" و"السّيادة"، هو تذكر للزمن الأول زمن "نزول الوحي" والأزمنة تكرّر هذا النّزول بكيفية جماعية رائعة - أي قراءة القرآن الكريم جماعيا أو في صلاة التّراويح، وكأنّنا نعيد بذلك عرضة الرسول عليه الصلاة والسلام أمام جبريل عليه السلام "ختمة القرآن". هذه الصلاة تنقلها اليوم وسائط اتّصال جديدة بقراءات فنّية تختلف من بلد لآخر، حسب خصوصية كل واحد، في النطق والقراءة (حفص، ورش وقالون)، لذلك حين نقاوم من أجل الخصوصية فلا يعني أنّها الأفضل ولكن للإبقاء على تراث الأجداد والتنوّع الجميل، وليكون التذكّر هو ذلك الحنين إلى الزمن الأول وأزمنة الأجداد، وبهذا يكون الانتصار على النفس والشر والمغْتَصِب للأرض والجهل والتّقليد والكسل والعصبية المقِيتة.