بقلم: تيسير أحمد مرت قبل أيام قليلة ذكرى معركة حطين الفاصلة، التي قادها صلاح الدين بحكمة وتدبر كبيرين، من دون أن يتذكرها أحد في هذا الزمن المليء بالكوارث والنكبات. وتصلح هذه المعركة لأن تكون درساً تاريخياً بليغاً، لأي باحث عن حلول ناجعة لحالة التشرذم والضياع، التي تعيشها أغلبية العرب هذه الأيام، فنصر حطين لم يكن نبتاً شيطانياً خارجاً عن المألوف، بقدر ما كان تتويجاً لمرحلة بناء استمرت أكثر من ربع قرن، بدأها نور الدين محمود بن زنكي، واستكملها صلاح الدين الأيوبي، فأتت أُكُلها كما كان يرجو ويتوقع. لقد أعاد نصر حطين الثقة للعرب والمسلمين، بعد أكثر من مئة عام من التشتت والفرقة والضعف، الذي أدى إلى تغلغل السرطان الصليبي في جسد الأمة، واحتلاله ساحل الشام، وفي القلب منه المسجد الأقصى بيت المقدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين، فكانت استعادتها بعد موقعة حطين، أشبه باستعادة الروح في جسد، ظن الكثيرون أنه ميت. وحين يقرأ المرء وثائق الصليبيين العائدة إلى تلك الفترة، يعجب من الفارق الكبير بينها وبين صورة اليوم، فصليبيو ذلك الزمن، كانوا يعيشون في الغيبيات، ويبررون هزائمهم باقترافهم المعاصي، ولا يخفون إعجابهم بصلاح الدين، وجيشه المنضبط، الذي مثل جميع القيم النبيلة، التي دعا إليها الإسلام، كالوفاء بالعهود، والعدل، وإكرام الإنسان حتى وإن كان أسيراً، والعفو عند المقدرة، وهو ما عبر عنه أحد الأسرى الصليبيين، ويدعى أرنول، الذي وضع مؤلفاً تاريخياً تغنى فيه بكل قيّم النبالة، التي لمسها عن كثب، أثناء مشاركته في المعركة ضد المسلمين، وأيضاً أثناء وقوعه في الأسر. ومثل هذه الشهادة وغيرها، هي التي صنعت أسطورة صلاح الدين في الغرب، كونه رمزاً من رموز الفروسية والنبالة، التي لم تزل تستعيدها الأدبيات الأوروبية حتى لحظتنا هذه.