يتميّز فصل الصيف بارتفاع كبير في درجات الحرارة، ويمكن لهذا الارتفاع أن يخلق أخطارا على صحة الإنسان أو ما يُعرف بضربات الشمس أو ضربات الحر التي تُعتبر خطيرة، وتؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة. وفي كلّ سنة أثناء فصل الصيف تنشر أو تقدّم وزارة الصحة تعليمات تخصّ الوقاية من هذه الضربات أو موجة الحر التي تُعرف بالارتفاع الكبير في درجات الحرارة ليلا ونهارا لفترات طويلة قد تستمر لأيام متتالية. وما يجهله أغلب الناس هو أن مرض الحر خطير، يبدأ بأعراض خفيفة ويتفاقم إلى غاية الوفاة.. «المساء" اتصلت بطبيب الوقاية والأمراض الوبائية بمديرية الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات بولاية قالمة السيد عبد الفتاح بن شعبان، وكان هذا الحوار. أوّلا، ما الفرق بين ضربات الشمس وضربات الحر؟ — ضربات الشمس تتسبّب في حروق للجلد وكذا العينين سواء من الدرجة الأولى، الثانية أو الثالثة. ونجد هذه الحروق عادة على شواطئ البحر. أما ضربات الحر فهي متعلّقة بارتفاع درجات الحرارة التي تتعدى 35 درجة لتصل إلى غاية 50 درجة نهارا وليلا لا تنخفض عند 20 درجة لمدة أسبوع أو أكثر، مما ينجم عنها أخطار على صحة الإنسان . فيم تتمثّل خطورة ضربة الشمس؟ وما هي أخطار ضربة الحر؟ — فيما يخصّ ضربة الشمس، فإنّ خطورة أشعة الشمس يمكن أن تؤدي إلى الحروق خاصة على شاطئ البحر، فمثلا يكون الجوّ جميلا ودرجة الحرارة تصل إلى 20 درجة وأشعة الشمس البنفسجية تكون قوية، فتؤدي إلى حروق من الدرجة الأولى، الثانية أو الثالثة، وكذا حروق في العينين. ولهذا الوقاية منها عادة تكون عن طريق النظارات الشمسية والمظلات وأيضا الكريمات المضادة للشمس التي تحمي الجلد من الحروق. أمّا ضربة الحر فلها علاقة بجهاز تنظيم درجة الحرارة في جسم الإنسان، وهذا الجهاز هو من ينظم درجة الحرارة لتبقى ثابتة عند 37 درجة، ويعمل بالسوائل؛ أي الماء. وعند التعرّق يحافظ هذا الجهاز على درجة الحرارة في الجسم، ولهذا فالإنسان الذي لا يأخذ كمية كبيرة من الماء لا يعمل جهازه جيدا. يتمركز الجهاز في الدماغ لأنّه أكثر حساسية لارتفاع درجة الحرارة. وفي بعض الحالات يصبح الجهاز غير قادر على تنظيم درجة الحرارة وتخفيضها، وهنا تبدأ في الارتفاع أكثر من 37 درجة، وبذلك يتعرّض الإنسان للأخطار الناتجة عن هذا الارتفاع. أما الأخطار الأساسية فهي أولا الجفاف والإسهال الذي يؤثر على الجهاز العصبي والأجهزة الأخرى، مما يؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات. كما يتسبّب ارتفاع درجة الحرارة في تفاقم حالات الأمراض المزمنة والمضاعفات بمختلف أنواعها، مثل المصابين بمرض السكري، الضغط الدموي والجهاز التنفسي، وبالتالي فضربة الحر خطيرة وتهدّد حياة الإنسان. ولماذا لا يحافظ الجسم على درجة حرارته؟ — من بين العوامل الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة مع نسبة الرطوبة المرتفعة، بحيث يقوم الجهاز بتخفيض درجة الحرارة المرتفعة كثيرا، ولا يستطيع التأقلم معها خاصة عندما لا يأخذ الإنسان الكمية الكافية من الماء، فيصيبه الجفاف، وبالتالي يتوقّف الجهاز عن العمل، وترتفع درجة الحرارة أكثر. وللإشارة، فإنّ مسامات العرق لدى الأطفال الصغار قليلة، وبالتالي هم أكثر عرضة لارتفاع درجة الحرارة. ويجب على الأولياء أخذ الحيطة والحذر وإعطاء الماء للأطفال الصغار بكثرة، كذلك المصابون بالأمراض المزمنة الذين يتعاطون بعض الأدوية المدرّة للبول والمؤدية إلى الجفاف، وهو ما يؤثر، بالتالي، على عمل الجهاز، الذي يؤدي، بدوره، إلى خلل في الجسم. وكيف تؤثّر الرطوبة على الجسم؟ — المعروف أنّه عند تعرّق الإنسان يجب أن يجفّ هذا العرق، وعندما يكون الهواء مشبّعا بالرطوبة فإنّ العرق لا يجف، وبالتالي يغلق العرق المسامات، ويتوقّف الجهاز عن العمل وترتفع درجة الحرارة أكثر، وهو ما نلاحظه عندما تكون الرطوبة عالية، فينتابنا القلق حتى ولو كانت درجة الحرارة غير مرتفعة، مما يبيّن أنّ درجة الحرارة تواصل الارتفاع ولا يعمل الجهاز بالكفاءة اللازمة. من هم الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات ارتفاع درجات الحرارة؟ — هناك فئة كبار السن، ثم الأطفال والرضع بسبب قلة شرب الماء وكذا قلة المسامات نتيجة بعض الأدوية، مما يؤثّر على عمل الجهاز، فيصبحون أكثر عرضة لذلك. فئة أخرى، وهي أصحاب الأمراض المزمنة، وثالثة كذلك، وهي أصحاب الأمراض العقلية، بدون أن ننسى أصحاب المهن الشاقة الذين يبذلون جهدا كبيرا ويتعرّضون لدرجة الحرارة الكبيرة، مثل الفلاحين مع موسم الحصاد والرياضيين والعمال الذين يعملون في ورشات مفتوحة، وكذلك الذين يسكنون في بيوت هشة ومبنية بالقصدير. ما هي أعراض ضربة الحر؟ — ضربة الحر تبدأ بأعراض خفيفة وترتفع تدريجيا؛ في البداية يشعر الإنسان بالتعب ويكون الجلد جافا وأحمر اللون، كما يحسّ الإنسان بارتفاع في درجة الحرارة، وبعد ذلك تبدأ الأعراض بتشنّجات عضلية، الغثيان، القيء، آلام في الرأس ودوران، ويبدأ الإنسان في فقدان الوعي تدريجيا، ويستطيع أن يعرف الغيبوبة، وتتأثّر كلّ الأجهزة مثل القلب، الكليتين، الجهاز التنفسي وغيرها. ويمكن أن تكون هناك نوبة صرع، وينخفض الضغط الدموي، وبالتالي إذا لم يكن هناك تدخّل طبي في الوقت المناسب فقد تؤدي إلى الوفاة. ما هي أهم النصائح الوقائية التي تحمينا من ضربات الشمس والحر؟ — النصيحة الأولى موجّهة خاصة إلى ربات البيوت، وهي إغلاق نوافذ وستائر الغرف التي تطل على الشمس وإبقاؤها مغلقة مادامت درجات الحرارة مرتفعة، وتجنّب الخروج بقدر الإمكان في أوقات الذروة، خاصة من العاشرة صباحا إلى حوالي الرابعة مساء. وعند الخروج يجب حمل المظلة والمشي تحت الظل، وتجنّب الأنشطة الخارجية قدر الإمكان إلا أن يكون في الصباح الباكر أو في مساءً، وشرب كميات كبيرة من الماء؛ على الأقل لترين من الماء يوميا حتى ولو لم يحس الإنسان بالعطش، خاصة الأطفال الصغار وكبار السن والنساء الحوامل والمصابين بالأمراض المزمنة، وتجنّب المشروبات الغازية والعصائر الحلوة؛ لأنّها تسبّب العطش من ناحية، ومن ناحية أخرى تزيد في التبوّل، وعدم ترك الأطفال في سيارة مغلقة ولو لبضع دقائق، وارتداء الألبسة الخفيفة ذات اللون الفاتح التي لا تمتص أشعة الشمس. وعند التعرّض للشمس والحرّ طويلا يجب رش الرأس والجسم بالماء البارد من حين إلى آخر والاستحمام إن أمكن. وعندما يشكّ الإنسان في أنّه تعرّض لضربة حر يجب أولا إبعاده عن المكان الموجود به وأخذه إلى مكان بارد أو مكان فيه ظل لتهويته، وتُستعمل الكمادات على الرأس والرجلين إلى غاية انخفاض درجة الحرارة مع إعطائه كمية من الماء للشرب، وإذا كانت الحالة خطيرة فيجب تحويله إلى المستشفى. وما رأيكم في الطرق التقليدية لمعالجة ضربة الحر مثل الخل وماء الزهر؟ — استعمال ماء الزهر والخل ليس فيهما خطورة؛ على العكس؛ فعند استعمالهما يخفضّان من درجة الحرارة في الجسم. هل يمكن للأطباء الكشف عن ضربة الحر في المستشفى بسهولة؟ — عادة ضربة الحر ليس لها أعراض متميزة، والكثير من الأطباء لا ينتبهون لها، فالعملية تعتمد على استجواب المريض بدقة؛ لأنّ عدم الاهتمام والاستجواب الدقيق للمريض ولمحيطه يمكن أن يكشف عن أمراض أخرى، مثل التسمّمات الغذائية بينما هي ضربة حر، ولهذا وخاصة في هذه الفترة الصيفية، يجب على الأطباء الانتباه جيدا والتركيز على استجواب المريض لمعرفة هذه الحالة بدقة. وهنا تكون الوقاية والمعالجة معروفة؛ مثلا إعطاء المريض براسيتامول والأملاح الناقصة في الجسم وكذا مضادات للآلام وغير ذلك. للذين يعملون خارجا في الحقول، بماذا تنصحونهم؟ — عند الإعلان عن اقتراب موجة الحر من طرف مصالح الأرصاد الجوية، فمن الأحسن أن يكيّف الإنسان أوقات العمل مع هذه الموجة خاصة الفلاحين. وعندما يكون الأمر إجباريا فيجب اصطحاب مظلة وشرب المياه قدر الإمكان وعدم العمل بصفة مستمرة لفترات طويلة، بل لفترات متقطعة.