يصنف المعهد الوطني للفندقة والسياحة ببوسعادة من بين أكبر المعاهد عبر التراب الوطني، ويقترح تربصات وتكوينا خاصا في مجال إدارة الفندقة والمطبخ والحلويات. وقد تقرر تحويل هذا المرفق التكويني من مدرسة إلى معهد في ماي 2012؛ قصد تلبية طلبات المستثمرين السياحيين في مجال اليد العاملة المؤهلة لتحسين نوعية الخدمات. غير أن واقع المعهد جعله يتحول من هيكل تربوي إلى هيكل أثري بالنظر إلى غياب كل إمكانيات التكوين البيداغوجي، وذلك بسبب غياب الأموال الكافية لترميم أجنحة المعهد التي لم تعرف صيانة منذ افتتاحه في سبعينيات القرن الماضي. ورغم كل هذه النقائص خاصة بأقسام التكوين في فنون الطبخ والإطعام، إلا أن عدد طلبات الالتحاق بالمعهد في ارتفاع مستمر؛ حيث سجل بالنسبة لهذه السنة التربوية قرابة 100 طلب للالتحاق بالمعهد. غياب الدعم المالي أثر سلبا على مسار التكوين وحوّل المعهد إلى مبنى أثري ارتبط اسم مدينة بوسعادة على مر السنين بالسياحة والخدمات الفندقية في الإطعام، خاصة بالنسبة للأطباق التقليدية، وهو ما جعل السلطات الوصية تقرر فتح ملحقة تكوينية بالولاية تقع بالقرب من أفخم فندق بالمنطقة "القايد". وخصص لها مساحة كبيرة تضم حدائق و7 قاعات للتدريس وقاعة محاضرات، بالإضافة إلى مطبخ وفندق صغير مكون من ثلاثة غرف وجناحين ليكون تحت خدمة الطلبة عند تنفيذ الدروس النظرية. الزيارة الأخيرة التي قادتنا إلى مقر المعهد جعلتنا نتساءل عن طريقة تسيير هذا المرفق الذي تحوّل إلى معلم أثري بالنظر إلى نوعية الأثاث المهترئ، والتصدعات والتشققات بمختلف المرافق، ناهيك عن الوضعية الكارثية لقاعات المحاضرات التي لاتزال إلى غاية اليوم تضم العديد من اللقاءات رغم وضعيتها الكارثية. الوزير السابق اقترح إنقاذ المعهد بفتح الملحقة للأعراس والأفراح وقصد التعرف عن قرب على أسباب إهمال معهد وطني للفندقة والسياحة، وهو ما يعكس حقيقة واقع الخدمات الفندقية عبر الفنادق والمنتجعات السياحية، تقربنا من مدير المعهد السيد خياري العربي، الذي أعرب لنا عن أسفه لوضعية المعهد، مؤكدا أنه قدم أكثر من مرة استقالته لوزارة التهيئة العمرانية والسياحة والصناعات التقليدية، غير أن طلبه قوبل بالرفض، ليجد نفسه مجبرا على تسيير المعهد بإمكانيات أقل ما يقال عنها إنها بدائية. الوزارة الوصية همّشت المعهد من كل مشاريع العصرنة وأرجع المدير سبب مطالبته بالاستقالة إلى غياب كل أنواع الدعم المالي لإعادة إحياء هذا المرفق الحيوي، مشيرا إلى أنه بعد طرح الانشغال على الوزير السابق للسياحة (عمار غول) الذي قام بزيارة تفقّد للمعهد السنة الفارطة، اقترح الوزير فتح قاعة المحاضرات لاحتضان الأفراح والأعراس لتنويع مداخيل المعهد؛ من منطلق أن الوزارة عاجزة اليوم عن تخصيص غلاف مالي لترميم مرافق المعهد، غير أن القانون الداخلي للمؤسسة لا يسمح بتنظيم مثل هذه النشاطات، وهو ما تركنا في حيرة من أمرنا. وعن مسيرة المحارب التي قام بها السيد خياري العربي لإجبار الوزارة على تخصيص غلاف مالي لترميم مختلف أجنحة المعهد ورد الاعتبار لنشاطه التكويني، تطرق المتحدث للمراسلات العديدة للوصاية منذ تنصيبه سنة 2013، مشيرا إلى أنه ورث عن المسير السابق ديونا بقيمة 3,8 مليار سنتيم، وهو المبلغ الذي تم تسديده بعد الوصول إلى أروقة المحاكم على خلفية الدعوى القضائية التي رفعها مقاولون قاموا بترميم المبنى الإداري للمعهد. ومن منطلق أن المسير السابق كان متقاعدا ومديرا بالنيابة فلم يتمكن من صرف الغلاف المالي الذي خصصته الوزارة لترميم المعهد، ليتم تحويله إلى مديرية السياحة والصناعات التقليدية لولاية بوسعادة، على أن يقوم المدير بصرف المبلغ لصالح المعهد بعد الانتهاء من الانشغال، غير أن هذا الأخير، يقول خياري، رفض صرف المبلغ وقرر إعادته للوزارة، وهو ما جعل الإدارة مطالَبة بدفع تكاليف الأشغال وكل تكاليف المحاكمة للمقاولين. زرهوني تأسفت لحال المعهد وصرفت 4,45 ملايير سنتيم واتصل المدير بالوزيرة السابقة للسياحة السيدة نورية يمينة زرهوني لاستعراض الوضعية المالية الصعبة للمعهد، فقررت هذه الأخيرة تخصيص غلاف مالي مستعجل لتهيئته بقيمة 4,45 ملايير سنتيم؛ من منطلق أن المعهد لم يستفد من المبلغ الأول الذي كان مخصصا لصيانة وتهيئة المعاهد التابعة للوزارة، غير أن أزمة انخفاض أسعار النفط جعلت الوزارة تعدل عن قرار تخصيص هذه الأموال وتقوم بسحبها عشية الموعد الذي كان مخصصا لضخ الأموال في حساب المعهد، الذي لايزال يصارع من أجل البقاء. وارتكزت مداخيل الإدارة على احتضان بعض النشاطات الرسمية للسلطات المحلية بمدينة بوسعادة، واستقبال الوافدين على المدينة من وزراء وضيوف رسميين، وإرسال الطلبة لتوفير خدمة الإطعام خلال التظاهرات الرسمية على مستوى كل بلديات الولاية، وهو ما يُعتبر فرصة، يقول المدير، يتدرب من خلالها الطالب على طريقة التعامل مع السياح وتحضير الطاولات وإعداد مختلف أنواع الحلويات والإطعام، خاصة الأطباق التقليدية المحلية، على غرار الكسكسي والشخشوخة. تدنّي نوعية الخدمات له علاقة مباشرة بتدنّي التكوين التطبيقي وردا على سؤالنا حول ارتباط تدني نوعية الخدمات بنوعية التكوين الذي يتلقاه الطالب بالمعهد، خاصة وأن المدرسة تضمن تكوينا في تخصصات تقني وتقني سام في مهن إدارة الفندقة، مطعم ومقهى، مطبخ وحلويات، استقبال وتنظيم التظاهرات، إنتاج وتسويق سياحي ودليل سياحي، أكد المدير أن عدم توفير الإمكانيات البيداغوجية في التكوين وغياب معدات المطبخ بالنظر إلى التطور الحاصل في مجال التكوين، وعدم توفر الأموال الضرورية لاقتناء متطلبات المتربص بالنسبة للمواد الغذائية، يجعل الطالب بعيدا كل بعد عن حقيقة ما يجري في مطابخ أكبر الفنادق، بدليل أنهم يجدون صعوبة كبيرة في التأقلم مع مناصب عملهم الجديدة، وهذا العجز تتحمله السلطات الوصية، التي رقّت المدرسة إلى مستوى معهد وطني من دون التفكير في تخصيص غلاف مالي للتهيئة والعصرنة. أما فيما يخص المقترحات التي تقدم بها المدير إلى السلطات المحلية بالولاية، من منطلق أنها تلجأ في كل مرة إلى خدمات المعهد، فتطرق خياري لاقترح تخصيص غلاف مالي لإنجاز ملعب بالساحة الشاغرة وسط المعهد، يتم تخصيصه للأندية الرياضية مقابل مبلغ مالي، غير أن الوالي رفض الاقتراح؛ من منطلق أن المعهد تابع لوزارة السياحة المطالَبة بتمويل مثل هذا المشروع، وهو المقترح الذي تم رفضه جملة وتفصيلا من طرف الوصاية. الحرص على عصرنة البرامج البيداغوجية على صعيد آخر، تطرق السيد خياري لسعي إدارة المعهد لتطوير أنظمة وبرامج التكوين النظري بالتنسيق مع معاهد التكوين التونسية، وهو ما يدخل في إطار اتفاقية الشراكة الموقّعة بين وزارة السياحة الجزائرية ونظيرتها التونسية، وتمتد إلى سنة 2018، غير أنه في كل مرة يتم استقبال مؤطرين تونسيين، يقول خياري، يتم رفع انشغال تدهور وضعية مبنى المعهد وعدم ملائمته وسائل التكوين بما هو متوفر في المعاهد التونسية، لذلك فإن رسكلة وتكوين الأساتذة تتم عبر دروس نظرية فقط، وهو ما سمح بتحسين أداء المتربصين الذين فهموا وضعية المعهد، ويحاولون في كل مرة التأقلم مع ما هو متوفر من وسائل بيداغوجية، على غرار الحرص على حماية ما تبقّى من تجهيزات وعتاد المطبخ، والمشاركة في تنظيف وصيانة غرف الفندق التي تُعتبر مساحة للتدريب. ورغم هذه الوضعية الكارثية لأقسام التكوين إلا أن طلبات التكوين بالمعهد في ارتفاع مستمر، حيث سُجل بالنسبة لهذه السنة تربص 68 طالبا في السنة أولى تقني فندقة، وهناك 127 طالبا في السنة الثانية، بالإضافة إلى تسجيل 28 متربصا في فرع استقبال سنة أولى، و25 في تخصص مطعم ومقهى، و19 في فرع سياحة، و29 في فن الطبخ، وهم المتربصون الذين يؤطرهم 40 أستاذا في كل التخصصات، تلقوا تكوينا من طرف خبراء في الفندقة والإطعام من الاتحاد الأوروبي في إطار مشروع الشراكة "ديفيكو". وأكد السيد خياري أن طاقة استقبال المعهد في وضعيته الراهنة، تجعله غير قادر على تلبية كل طلبات التكوين التي تصله سواء من الراسبين في شهادة البكالوريا وحتى الناجحين منهم، وعليه فلا يمكن رفع عدد المتربصين في كل المستويات إلى أكثر من 200 طالب، علما أن قلة إمكانيات التكوين لم تؤثر على إمكانية الظفر بمنصب عمل قار لكل خريجي المعهد، الذي لايزال يحافظ على سمعته الطيبة وسط المؤسسات الفندقية عبر كامل التراب الوطني؛ بدليل أن كل المتخرجين يوقّعون عقود عمل فور تخرجهم. وبخصوص شروط الالتحاق بالمعهد، أشار المدير إلى أن التكوين مفتوح لكل الفئات الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 سنة للتدرج في تخصص تقني في الفندقة والسياحة شرط أن يكون المتربص حاملا لمستوى السنة الثانية ثانوي مع إجراء انتقاء كتابي وآخر شفهي، وتقني سام في نفس التخصصين لحاملي شهادة البكالوريا مع إجراء انتقاء كتابي وآخر شفهي لتحديد المستوي، مع العلم أن شهادة تقني تصل مدة التكوين فيها إلى 24 شهرا، يمر من خلالها المتربص خلال السنة الأولى عبر الجذع المشترك لمدة 03 أشهر نظري وتطبيقي لاكتساب المهارات الأولية لمهن الفندقة والتخصص، وستة أشهر نظري وتطبيقي في الاختصاص الموجه إليه على ضوء نتائج التكوين في الجذع المشترك، ليقوم لمدة شهرين بتربص تطبيقي بإحدى المؤسسات الفندقية والمركّبات الفندقية التي تقبل بتأطير المتربصين، وأغلبهم تابعون للقطاع العمومي. أما خلال السنة الثانية من التكوين فيتم تخصيص 09 أشهر للدروس النظرية والتطبيقية لاكتساب مهارات التأهيل، وشهرين للتربص داخل إحدى المؤسسات الفندقية لتختتم الدورة التكوينية بتلقّي شهادة تقني في التقنيات الفندقية والسياحة. في حين يتدرج حاملو شهادة البكالوريا في نفس مسار باقي المتربصين بالنسبة للجذع المشترك لمدة 03 أشهر، والدروس النظرية والتطبيقية بالإضافة إلى التكوين عبر أحد الفنادق لمدة 6 أشهر خلال 30 شهرا المخصصة لنيل شهادة تقني سام في التقنيات الفندقية والسياحية. وقصد تلبية طلبات المستثمرين السياحيين يتم الحرص على تلقين اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية للمتربصين، مع تخصيص دروس في مواد التاريخ والجغرافيا السياحية والرياضيات لتحسين معارفهم.