اعتبر كل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي أن الأزمة المالية العالمية الحالية، لها وقع ضعيف ومحدود على الجزائر والاقتصاديات المماثلة لاقتصادها، وذلك لعدة عوامل ذات الصلة بالسياسة المالية المنتهجة، فيما يتوقع حسب وزير المالية السيد كريم جودي ان يعوض تأثير الانخفاض الذي بدأت تشهده أسعار النفط على المداخيل الخارجية للبلاد، بارتفاع قيمة الدولار وانخفاض أسعار المواد الأساسية. وأوضح وزير المالية أول امس بواشنطن على هامش مشاركته في الجلسات السنوية للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ان هاتين الهيئتين الماليتين الدوليتين، تبني تقييمها للجزائر على أساس عملها المباشر لتقليص ديونها الخارجية، والذي مكنها من تفادي تسديد مبالغ إضافية كانت ستنجر عن ارتفاع نسب الفوائد، مشيرا إلى أن العامل الثاني الذي يؤسس لهذا التقييم، يتمثل في وجود صندوق ضبط العائدات الذي يعطي رؤية على المدى المتوسط في مجال تمويل توازنات الميزانية، فضلا عن العوامل المشجعة التي مكنت الجزائر من تحقيق أرباح مالية معتبرة. ويضاف إلى هذه العناصر عامل إيجابي آخر يكمن في نوعية توظيف الإحتياطي الجزائري من العملة الصعبة، وتامينه من خلال أصول سيادية، تتمثل في الخزائن العمومية للولايات المتحدة وبلدان أوروبية، حيث تعتبر كل الأصول الخارجة عن إطارها غير مضمونة حسب الخبراء الدوليين. وقد جمعت وزير المالية بواشنطن عدة لقاءات ومحادثات مع مسؤولي هيئات مالية دولية، من بينهم نائب رئيس البنك العالمي، الذي تطرق معه إلى آفاق الاقتصاد العالمي في ظل الأزمة المالية والشكوك التي تحيط الأسواق المالية العالمية، حيث تم إبراز بعض عناصر التوقعات الاقتصادية العالمية، المصاحبة للوضع. وفي هذا السياق تمت الإشارة إلى حصول انخفاض النمو في المنطقة الاوروبية وفي الولاياتالمتحدة، مع احتمال استقرار النمو في الصين وانخفاض نسبي للنمو في الهند. وتم أيضا توقع انخفاض أسعار النفط إلى 78 دولار للبرميل، لكن في المقابل برتقب أن يتعزز الدولار مقابل الأورو، مما سيؤدي إلى ارتفاع القدرة الشرائية في الدول المصدرة للنفط على غرار الجزائر، باعتبار أن معظم الصادرات الجزائرية تتم بالدولار. كما أبرز المسؤولان خلال محادثاتهما ان الاحتمال الثالث المصاحب للوضع المالي المتردي، يتعلق بانخفاض تضخم المواد الأساسية. على صعيد آخر عبرت الجزائر عن انشغالاتها بخصوص الوضع الكارثي للاسواق المالية المترتب عن الازمة المالية التي تعود اسبابها الى كبرى الدول المصنعة، في حين تتحمل نتائجها الدول الناشئة، وركز السيد كريم جودي في مداخلة له خلال لقاء مجموعة ال24 مع المدير العام لصندوق النقد الدولي ورئيس البنك العالمي، على انعكاسات الأزمة المالية والتوترات حول المواد الغذائية على اقتصادات الدول ذات المداخيل الضعيفة التي تواجه أزمة في ميزان المدفوعات والميزانية، مؤكدا ضرورة وضع نظام نقدي ومالي دولي جديد على ضوء هذه التطورات، حيث ينبغي على صندوق النقد الدولي والبنك العالمي تكييف نظامهما واجراءاتهما ووسائلهما بما يسمح لهما بالتنبؤ بشكل افضل، ليصبحا قادرين على تقديم مساعدة فاعلة للدول على زيادة قدرتها على التصدي للأزمات، كما ينبغي لهما حسب الوزير مراجعة تصورهما في مجال الاصلاح المالي. ومن جهته محافظ بنك الجزائر السيد محمد لكصاسي الذي تدخل في أشغال اللجنة الدولية النقدية والمالية لصندوق النقد الدولي ،اسم مجموعة الدول التي تضم بالإضافة إلى الجزائر كل من أفغانستان وغانا وإيران والمغرب وباكستان وتونس، دعا صندوق النقد الدولي إلى الاضطلاع بدور أكثر فاعلية للحفاظ على استقرار النقد والمالية الدوليين، وتعزيز التنسيق وإسداء النصائح الناجعة، معتبرا بأن التصعيد الأخير للأزمة المالية وانتقالها السريع إلى بلدان أخرى بما فيها البلدان الناشئة لا يوحي بآفاق جيدة فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي العالمي. وفيما أكد أولوية الحفاظ على استقرار الأسواق واسترجاع الثقة مع المودعين، من خلال تعزير التعاون والتنسيق الدولي للسياسات، وضمان سيولة ملائمة، بإعادة تشكيل رأسمال المؤسسات المالية وتأمين ضمان مناسب للمودعين، اعتبر السيد لكصاسي أنه ينبغي في سياق الاتجاه نحو انخفاض الضغوط التضخمية توجيه السياسات النقدية والمالية نحو دعم الإنعاش الاقتصادي السريع مع الحفاظ على استقرار الميزانية على المدى المتوسط، ملحا على وجوب استعداد صندوق النقد الدولي لتوفير المساعدة اللازمة للبلدان الأعضاء من أجل احتواء آثار تفشي الأزمة، وارساء أداة جديدة للسيولة لفائدة البلدان التي تدخل الأسواق وتلك التي ترغب في اندماج أكبر في الاقتصاد العالمي، علاوة على ضرورة تعزيز أكبر لمهمة الصندوق الرئيسية في مراقبة الاقتصادات والأسواق المالية الهامة، وقدراته التحليلية، بما يمكنه من رصد مبكر للمخاطر التي تهدد الاستقرار وتقديم النصائح الناجعة في الوقت الملائم. وخلص محافظ بنك الجزائر إلى أنه بعد استرجاع الثقة واحتواء الأزمة، لابد من استخلاص الدروس بغية ضمان سير سليم ومستقر للنظام المالي الدولي.