يشارك وزير المالية، السيد كريم جودي، في أشغال الجلسات السنوية للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي التي انطلقت في بداية الأسبوع الجاري، وكانت فرصة للوزير الجزائري لعرض آخر التطورات المالية والاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد الوطني ومختلف الجهود المبذولة من أجل إعادة التوازن في العديد من القطاعات. وكان من الطبيعي أن تخيم الأزمة المالية العالمية بظلالها على أشغال الاجتماعات ومدى انعكاساتها المباشرة على اقتصاديات الدول بما فيها الجزائر، حيث أكد وزير المالية أن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي يعتبران أن وقع الأزمة سيكون ضعيفا على الجزائر نظرا للجهود المبذولة في إطار التقليص الكبير للديون الخارجية الذي جنّب الجزائر تسديد المزيد من الأموال كمستحقات على الفوائد. ويؤكد جودي في نفس السياق أن الإنعكاسات السلبية الضعيفة على الاقتصاد تعود إلى وجود ضبط الإيرادات الذي سمح بتخزين مبالغ مالية معتبرة ناجمة عن الفرق بين السعر المرجعي للبترول المعتمد في إعداد الميزانيات السنوية والسعر الحقيقي في السوق الدولية الذي كثيرا ما كان هذا الفرق شاسعا. هذه المبالغ المكنزة ستسمح باستمرار تمويل المشاريع وفق المخططات المرسومة في إطار البرامج الكبرى التي تنفذ حاليا وتغطي كافة القطاعات الحيوية. ورغم التطمينات الموضوعية لوزير المالية حول تداعيات الأزمة المالية على الاقتصاد الوطني، إلا أن تقارير سابقة صدرت عن البنك الدولي، أشارت إلى تعرّض اقتصاديات دول المشرق العربي وشمال إفريقيا لهزات محتملة إذا استمر تراجع أسعار النفط وذلك بالنسبة لتلك التي تعتمد على عائدات النفط لتمويل نشاطاتها الاقتصادية، فضلا على أن التوقعات الاقتصادية العالمية تشير إلى احتمال انخفاض النموّ في منطقة الأورو والولايات المتحدةالأمريكية والهند، وهو قد يؤثر سلبا على اقتصاديات الدول الأخرى ولاسيما الهشة منها. وإن كان السيد جودي يعترف بالتأثيرات السلبية المباشرة لتراجع أسعار النفط إلى ما يقارب النصف سعره المسجل قبل ثلاثة أشهر فقط، إلا أنه يبدي نوعا من التفاؤل بشأن ما سماه بالتعويض الجزئي الذي قد يتحقق مع ارتفاع قيمة الدولار وانخفاض المواد الأساسية. وسبق لصندوق النقد الدولي، أن أصدر تقريرا في نهاية الأسبوع الماضي حول الآفاق الاقتصادية العالمية، أكد فيه أن أهم مكونات الاقتصاد الكلي الجزائري كالنموّ الاقتصادي والتضخم وميزان المدفوعات تتعزز باستمرار، مشيرا إلى أنه يتوقع نمو ب9,4٪ خلال السنة الجارية و5,4٪ السنة القادمة. بينما من المنتظر أن يسجل تطور التضخم نسبة تقارب 3,4٪ لهذه السنة، وهي نسبة عرفت ارتفاعا مقارنة بالسنوات الماضية، وذلك على غرار ما حدث في العديد من دول العالم المتأثرة بارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية، وحتى الدول الصناعية الكبرى لم تنجو من خطر ارتفاع معدلات التضخم فيها. ومن الطبيعي أن يعتبر صندوق النقد الدولي أن الجزائر تعدّ من الدول الرائدة والنادرة في التكفل بديونها الخارجية التي تخلصت من أعباءها مستفيدة بأموال البترول لتحقيق سياسة التسديد المسبق للديون. وقد تجد الجزائر نفسها في مركز يؤهلها بأن تكون أكثر حظا من دول عديدة بالنظر إلى الأزمة المالية العالمية التي عصفت ولا تزال تعصف باقتصاديات دول فقيرة وغنية أيضا، ذلك لأنها ستواصل تجسيد مشاريعها التنموية الطموحة، لكن الإفراط في التفاؤل وعدم التكيف مع التطورات السريعة الحالية أو أخذ احتياطات احترازية في الوقت المناسب قد يؤدي إلى عدم التحكم في أية تداعيات قد تنجر عن استمرار الأزمة المالية العالمية أو تراجع متواصل في أسعار النفط. ------------------------------------------------------------------------