دعا مختصون في الفلاحة إلى وضع مخطط استعجالي يسمح بالقيام ببحوث أكاديمية وعلمية في المجال الفلاحي والزراعي لتحقيق تنمية مستدامة وكذا تحقيق الاكتفاء الذاتي للتقليل من فاتورة استيراد المنتوجات الغذائية الفلاحية التي تصل إلى 10 ملايير دولار سنويا. مؤكدين أهمية هذا الاكتفاء في ضمان الأمن الغذائي والحفاظ على سيادة الدولة التي لها الإمكانيات الطبيعية للنهوض بالفلاحة والتي لا زالت غير مستغلة في ظل غياب دراسات وبحوث تمكن من إنجاح المشاريع مع توفير الوسائل المادية المتطورة للانتقال من الفلاحة التقليدية إلى الفلاحة العصرية القادرة على اشباع حاجيات السوق الوطنية. شدد الدكتور مسعود عمر، أستاذ وباحث بمعهد الفلاحة المتوسطي بمونبوليي بفرنسا، خلال ندوة حول «الأمن الغذائي» نظمت بالمدرسة العليا للعلوم السياسية ببن عكنون بالجزائر على ضرورة الاسراع في إنجاز بحوث يشرف عليها المختصون في الفلاحة من خريجي الجامعات والمعاهد لما لها أهمية ونتائج إيجابية على الاقتصاد الوطني. مشيرا إلى ضرورة إشراك هؤلاء الباحثين في تطوير الفلاحة لإقامة مشاريع ناجحة تكون لها مردودية، للاستجابة لحاجيات السوق الوطنية التي تعد من بين أكبر الأسواق المستهلكة بتصنيفها ضمن نادي ال5 الذي يضم خمس دول تستورد سنويا أكثر من 5 ملايين طن من المواد الضرورية كالقمح والحليب. مضيفا أن 40 بالمائة من القمح الصلب المتداول في الأسواق العالمية تستورده الجزائر بمعدل استيراد يتجاوز 13 مليون دولار سنويا. وفي معرض حديثه عن عدم اهتمام الجزائر بتطوير البحث في المجال الفلاحي والاعتماد على الطرق التقليدية التي أثبتت فشلها في عدة مرات، صرح السيد مسعود أن الجزائر لا تخصص سوى 2 بالمائة من ميزانية قطاع الفلاحة للبحث والدراسات الأمر الذي جعلها تحتل المراتب الأخيرة في تصنيف الدول التي تولي أهمية لهذا البحث باحتلالها المرتبة ال38 إفريقيا قبل السودان واثيوبيا وقلة قليلة فقط من الدول الجنوبية ذات الاقليم الجاف التي تعاني من المجاعة بسبب إقليمها الذي لا يسمح بتطوير الفلاحة. وأشار المتحدث إلى أن تطوير البحث في المجال الفلاحي سيمكن من تشخيص الأراضي الزراعية لمعرفة المناطق الصالحة لزرع منتوج معين من عدمه تفاديا لإقامة مشاريع فاشلة خاصة في مجال زراعة القمح الذي تستورده الجزائر بكثرة، إذا علمنا أن 70 بالمائة من حاجيات السوق الوطنية للقمح حاليا مستوردة بسبب قلة المساحات الصالحة لزراعة هذا المنتوج والتي لا تتعدى 8.5 ملايين هكتار – يضيف المختص – الذي أفاد أنه بالرغم من شساعة مساحة البلاد فإن معظم الأراضي لا تصلح لزراعة القمح الذي يتطلب تساقط كميات هائلة من الأمطار التي تتساقط بكثرة للأسف بالمناطق الجبلية المرتفعة التي لا يمكن زراعة القمح بها كون زراعته تتطلب مساحات مسطحة مثل منطقة المتيجة. من جهته، ركز السيد عيسى عبد اللاوي وزير سابق للموارد المائية وخبير في الفلاحة على ضرورة الاهتمام بالموارد البشرية والاستعانة بخريجي معاهد الفلاحة لتطوير هذا القطاع القادر على تلبية حاجيات السوق الوطنية للتقليل من الاستيراد الذي عرف ارتفاعا كبيرا منذ سنة 2000، حيث انتقلت فاتورة استيراد المواد الفلاحية من 3 ملايير دولار إلى 10 ملايير دولار سنويا. مؤكدا أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي حفاظا على أمن واستقرار الدولة وضمانا لسيادتها، عن طريق استراتيجيات فعالة قادرة على التصدي للتهديدات التي تواجه الفلاحة بسبب التغيرات المناخية والجفاف الذي بات يقلص المساحات الزراعية. المتحدث أشار إلى أن الجزائر قادرة على تحقيق اكتفاء ذاتي في المجال الفلاحي إذا عرفت كيف تستغل إمكانياتها بالاستعانة بالمختصين وتوفير الوسائل المادية اللازمة للانتقال من الفلاحة التقليدية ذات الطابع العائلي إلى فلاحة عصرية ضخمة قادرة على خلق شبكة إنتاج وحتى خلق صناعة تحويلية باستغلال الخضر والفواكه في صناعة المواد الغذائية. موضحا أن النهوض بالفلاحة يتطلب استثمارات ودعما كبيرا للفلاحين مثلما تقوم به الدول الكبرى التي تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي كالولايات المتحدةالأمريكية التي تخصص نسبة تقدر ب300 بالمائة من الدعم الفلاحي للفلاحين.