الطبعة ال3 للدورة الوطنية للكرات الحديدية: تتويج ثلاثي تلمسان بولاية الوادي    حزب العمال يسجل نقاطا إيجابية    صورة تنصيب ترامب تثير الجدل!    90 مؤسسة في برنامج دزاير لدعم المصدّرين    نحو 23 ألف سائح أجنبي زاروا الجنوب    الجزائر تتحرّك من أجل أطفال غزّة    نشاط قوي للدبلوماسية الجزائرية    حماس: نقترب من التحرير    التأكيد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار والانسحاب الصهيوني الكامل من قطاع غزة    الصليب الأحمر يعلن التحضير لتنفيذ عملية تبادل الأسرى وتكثيف الاستجابة الإنسانية في غزة    شايب: نهدف إلى تحسين خدمة المواطن    أين الإشكال يا سيال ؟    نسيج وجلود: تنظيم المتعاملين في تجمعات وتكتلات لتلبية احتياجات السوق الوطنية    جيدو/البطولة الوطنية فردي- أكابر: تتويج مولودية الجزائر باللقب الوطني    الأمم المتحدة تكثف جهودها الإنسانية في غزة مع بدء تنفيذ وقف إطلاق النار    تجارة: عدم التساهل مع كل أشكال المضاربة والاحتكار للحفاظ على استقرار السوق    خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    فتح تحقيقات محايدة لمساءلة الاحتلال الصهيوني على جرائمه    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    تمديد أجل اكتتاب التصريح النهائي للضريبة الجزافية الوحيدة    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    اليوم الوطني للبلدية: سنة 2025 ستشهد إرساء نظام جديد لتسيير الجماعات المحلية تجسيدا للديمقراطية الحقيقية    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    35 % نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني    رحلة بحث عن أوانٍ جديدة لشهر رمضان    ربات البيوت ينعشن حرفة صناعة المربى    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    أمطار وثلوج في 26 ولاية    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آلة الاستيراد تكرّس تبعية غذائية مخيفة في الجزائر
6.5 ملايين طن من واردات الحبوب خلال 21 شهرا!
نشر في السلام اليوم يوم 14 - 09 - 2012

لا تزال آلة الاستيراد تهيمن بشكل مخيف على الميزان التجاري للجزائر، بمتوسط واردات سنوية تبتلع ما يربو عن 50 مليار دولار بينها 2.7 مليار دولار تصرف على شراء القمح لوحده، وأتى إعلان رشيد بن عيسى، وزير الفلاحة والتنمية الريفية، عن إمكانية إقدام الجزائر على استيراد البطاطا مجددا، ليكرّس توجها يطرح أكثر من تساؤل في ظرف حساس يُفترض فيه تطبيق التقشف المُعلن عنه قبل شهرين، ودفع آلة الانتاج الوطنية بدل التمادي في إغراق الأسواق بسلع ما وراء البحار.
يكرّس تنامي الواردات بحسب من تحدثوا “للسلام” تبعية مخيفة بفعل ما ينجرّ عنها من لا توازن يطبع الخارطة الغذائية في الجزائر، مع أنّه يمكن لولاية زراعية واحدة بحجم منطقة معسكر أو عين الدفلى، أن تسدّ حاجات كل الجزائريين من البطاطا على سبيل المثال لا الحصر.
وتبيّن “السلام” عبر هذه الورقة تفصيلات المنظومة الغذائية في الجزائر، وتغلّب المستورد على المنتج، بجانب تعاطي السلطات مع الاحتياج الاستهلاكي للمواطنين، ومختلف الاجراءات التنظيمية التي أقرتها على هذا الصعيد، ناهيك عن السيناريوهات المستقبلية لخارطة الغذاء في الجزائر. وتفيد إحصائيات رسمية توافرت “للسلام” أنّ الواردات سجلت ارتفاعا محسوسا، وكانت التجهيزات الزراعية الأكثر ارتفاعا (95ر144 بالمائة)، بدورها، عرفت المواد الغذائية ارتفاعا بنسبة 66.85 بالمائة أي ما يعادل 7.29 مليار دولار والمواد الخام 1.34 مليار دولار (+23ر30 بالمائة) والمواد نصف المصنعة ب7.92 مليار دولار (+54ر17 بالمائة) والمواد الاستهلاك غير الغذائية ب5.18 مليار دولار بارتفاع (+38ر13 بالمئة). واستنادا إلى البيانات الآنفة الذكر، تعدّ الولايات المتحدة أول زبون للجزائر خلال النصف الأول من السنة الجارية (27ر4 مليار دولار) متبوعة بإيطاليا (56ر6 مليار دولار) ثمّ اسبانيا (61ر4 مليار دولار)، فرنسا (22ر4 مليار دولار) وهولندا (59ر3 مليار دولار).
بالمقابل، تأتي فرنسا في صدارة مموني الجزائر (15ر5 مليار دولار) متبوعة بإيطاليا (62ر3 مليار دولار)، الصين (36ر3 مليار دولار)، اسبانيا (44ر2 مليار دولار) ثم ألمانيا (96ر1 مليار دولار)، ولا تزال دول الاتحاد الأوروبي هي أهم شركاء الجزائر خلال الفترة نفسها بما يزيد عن 52 بالمائة من الواردات و50 بالمائة من الصادرات، حيث اطردت الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي ب18.9 بالمائة، حيث انتقلت من 15.35 مليار دولار إلى 18.25 مليار دولار، فيما عرفت الصادرات نحو هذه البلدان ارتفاعا ب4.35 مليار دولار أي ما يزيد عن 20 بالمئة.
مفارقات المنتج/المٌستورد
أفرزت هذه التبعية الغذائية عديد التقلبات التي طبعت ولا تزال سوق المواد الغذائية على مستويات عديدة، في صورة مسلسل الارتفاع “الفاحش” و«المخيف” لأسعار المواد الأكثر استهلاكا، واللافت أنّ القطاع الغذائي قائم في كلياته على تبعية كبيرة للأسواق الدولية، حيث تقوم الحكومة كل عام بضخ أغلفة ضخمة للوفاء بحاجيات البلاد من سائر الأغذية بنسبة تصل إلى حدود 70 بالمئة، تبعا للعجز عن تحقيق الحد المطلوب من الاكتفاء الذاتي من الأغذية، ما أورث عبئا هائلا يثقل كاهل الخزينة العمومية منذ عشريتين.
وتعدّ الجزائر من أكبر المستوردين عالميا لمادة القمح الاستراتيجية ب2.5 مليون طن من القمح اللين و2.6 مليون طن من القمح الصلب، تماما مثل السكر، كما تتموقع الجزائر في مقدمة الدول المستوردة للسكر في العالم ب267.9 مليون دولار كل عام، ويبلغ الطلب المحلي على السكر الأبيض نحو 1.5 مليون طن سنويا، وأسهم “انسحاب” الدولة من منظومة الانتاج، وبقاء الساحة رهينة قطاع خاص غير منظم، في إشاعة جو من الفوضى بسبب الضغوطات الممارسة من قبل المستوردين المحليين، رغم الحديث عن امكانات لتصدير 900 ألف طن من السكر إلى أسواق خارجية. ورغم بلوغ فاتورة الواردات مستوا قياسيا، إلاّ أنّ ذلك لم يف بالمطلوب وانجرت عنها “ندرة” و«غلاء”، في صورة الحليب الذي تنتجه الجزائر بمعدل 2.2 مليار لتر سنويا، بينما يبلغ إجمالي الاستهلاك ثلاثة ملايين لتر من الحليب، ما يمثل عجزا ضخما يتم معه إنفاق 600 مليون دولار سنويا للوفاء بالطلبات المتزايدة على هذه المادة الحيوية.
لغز الحبوب
استنادا إلى كشوفات رسمية اطلعت “السلام” على نسخة منها، فإنّ الجزائر استوردت خلال ال21 شهرا المنقضية، في حدود 6.5 ملايين طن من الحبوب، بينها 4.9 ملايين طن خلال العام 2010، وبلغة الأرقام، أفيد أنّ الجزائر استوردت 4.9 ملايين طن من القمح بنوعيه، و2.4 مليون طن من الذرة، غالبيتها من فرنسا المصدّر الأول للحبوب إلى الجزائر، مع الإشارة إلى أنّ المركز الوطني للإحصاء التابع للجمارك، كشف عن زيادة نسبة عمليات شراء الحبوب بأكثر من 99 % لتتعدى عارضة الملياري دولار. وأكّد جان بيار لوغلوا بارتيلوت، رئيس جمعية فرنسا لتصدير الحبوب، التهافت الجزائري على إنتاج بلاده من القمح بصنفيه الصلب والليّن، فضلا عن الذرة بشكل مكّن الطرف الفرنسي من جني أرباح معتبرة، وأبعد شبح الكساد عن حبوب باريس.
ومن شأن بقاء أسعار السوق العالمية للحبوب متقلبة لاسيما القمح والشعير والذرة في العام 2012، أن ترفع فاتورة الحبوب الجزائرية، وتبقيها كثاني بلد مستورد للحبوب عالميا، حيث تقتني 60 بالمائة من حاجياتها كل عام. ويقول خبراء أنّ الجزائر ليست محصنّة بتاتا ضدّ القلاقل التي تعرفها سوق القمح الدولية حاليا، ويعزو مدّاس اتجاهه إلى استيراد الجزائر لنحو 60 بالمائة من احتياجاتها من مادة القمح بنوعيه، ومع ارتفاع سعر الأخير عالميا، فإنّ الجزائر ستكون مدعوة لدفع ثمن باهظ للحصول على الكمية المطلوبة، علما أنّ مراجع مطلعة تحدثت عن عرض إيراني لتصدير الحبوب إلى الجزائر لقاء قيمة تقلّ بثلاث مرات عن السعر الفرنسي، إلاّ أنّ الجزائر رفضت عرض طهران لأسباب تظلّ مجهولة.
وردا عن أرقام السلطات وموجة التطمين الرسمية بشأن ما سماه رشيد بن عيسى، المسؤول الأول عن القطاع، نجاح الجزائر في تقليص فاتورة استيراد القمح، يشير متعاملون بلهجة العارفين بخفايا الأمور، أنّ الأرقام المُعلنة غير دقيقة وحتى تباهي المسؤولين بخمسين مليون دولار كصادرات زراعية، قيمة محدودة برأيهم. ويستغرب محمد عليوي، رئيس اتحاد الفلاحين، كيف للحكومة أن تزعم عدم استيرادها القمح مع أنها تمارس ذلك فعليا، ويستدل محدثنا بما يسميها (فضيحة) استيراد الحبوب قبل فترة في صفقة اشترك فيها كل من ديوان الحبوب ومجمع “سيم”، حيث جرى بحسبه استيراد كمية هائلة بكلفة عالية، قبل أن يتم معاودة تصديرها بأقل كلفة في حادثة تختصر الفوضى السائدة في قطاع جرى التخلي فيه نهائيا عن نظام اقتصاد السوق، والعودة إلى النمط الذي ظلّ متبعا خلال سبعينيات القرن الماضي. وتعليقا عن التفاؤل المفرط لوزارة الزراعة ومسؤوليها بشأن تواجد الجزائر في منأى عن أي أزمة للحبوب، يذهب مدّاس إلى أنّه يستحيل استنادا إلى حجم الأراضي المسقية في البلاد والتي لا تتعدّى على حد قوله 4 بالمائة، إضافة إلى الظروف المناخية الكارثية أن تتموقع الجزائر كبلد منتج وتغطي حاجياتها بعيدا عن الحل السهل وهو الاستيراد، حتى وإن كانت تلوّح ظاهريا بمضاعفتها قيمة الرسوم على مستوردي الحبوب. بالمقابل، يشدد مسؤولون على أنّ الجزائر محصنّة بشكل تام ضدّ أي تقلبات محتملة بحكم الإنتاج الحالي الذي يقارب 4 ملايين طن سنويا، بهذا الصدد، يستبعد نور الدين كحّال، المدير العام لديوان الحبوب، أي تأثير لطوارئ سوق القمح العالمية على الجزائر، ويستدل كحّال بكون بلادنا حافظت على معدل مرتفع من الإنتاج خلال السنة الأخيرة تماما مثل السنة الحالية، بواقع 6.1 مليون طن في كل موسم، وهو حجم لا يعفي الحكومة من اللجوء إلى الاستيراد فحسب بل يسمح لها بالتصدير أيضا، ما يجعلها في منأى عن أي مفاجآت سيئة، على حد تعبيره. على المنوال ذاته، بدوره يجزم رشيد بن عيسى، وزير الزراعة والتنمية الريفية، أنّ لا خوف مطلقا، احتكاما لإنتاج الجزائر النوعي والضخم من القمح، على حد وصفه، وتحقيقها بحسبه فوائض سمحت لها بالتطلع للالتحاق بركب الدول المصدرة للحبوب، غداة تحقيقها تحدي امتناعها عن استيراد الشعير والقمح الصلب منذ أفريل 2009، وهو ما يعتبره الوزير تتويجا لاعتماد الجزائر سلسلة تدابير تحفيزية لتحقيق مستوى إنتاج يفي بحاجيات السوق، مع تدعيم إنتاج الحبوب في جنوب البلاد.
الأخطر قادم والمطلوب استثمار زراعي أكبر
في سياق متصل، يشدد فؤاد شحاط، المدير العام للمعهد الوطني للبحث الزراعي، على أن فاتورة الواردات الجزائرية مرشحة للارتفاع أكثر، كون أسعار الغذاء في الأسواق الدولية سترتفع بشكل مستمر على مدى 20 سنة المقبلة، ما يمثل حافزا على تطوير القطاع الفلاحي في الجزائر.
وأشار شحاط أنّ العالم مقبل على أزمة غذاء سترفع من أسعاره في الأسواق الدولية. وأن مواصلة الاعتماد على الواردات لتغطية الطلب المحلي سيرفع من الأسعار سنصل إلى مرحلة لا يمكن الحصول على تلك السلع رغم الوفرة المالية في البلاد. وذكر بخصوص القمح الذي يعد أحد أهم المواد الإستراتيجية في البلاد، أن الجزائر أصبحت تدفع أكثر للحصول عليه في الأسواق الدولية، وعليه فإن الواجب هو تطوير القدرات التي تمكن من تقليص الفاتورة. وعلى اعتبار أن الجزائر لها قدرات في تطوير القمح الصلب، فإن هذا المنتوج يجب أن ينال الأولوية على القمح اللين المستورد خاصة من فرنسا، ويكلف البلاد أموالا هائلة، فمن بين 10 خبزات منتجة محليا، 7 منها تنتج من القمح اللين المستورد. ويبرز شحاط محدودية الوعاء البشري في القطاع الفلاحي الذي لا يستوعب أكثر من 29 ألف شخص، في حين أن المرافقين التقنيين للفلاحين يصلون نحو ألفي تقني، وأن عدد المعاهد الفلاحية النشطة في الجزائر هو 14 معهدا، ويعتبر شحّاط أنّ هذه القدرات البشرية والعلمية غير قادرة على ضمان اكتفاء ذاتي يمر حتما عبر استغلال عقلاني لخمسين مليون هكتار كأراض فلاحية، يتواجد 42 مليون هكتار منها في الهضاب العليا، وبالتالي تحتاج إلى مرافقة تقنية وكفاءة عالية للخبراء وعدد كاف من الفلاحين لتنميتها. وقال إن الجزائر قد ضمنت الأمن الغذائي منذ الاستقلال لسكانها بمضاعفة معدل الحريرات لكل فرد من 1800 حريرة في 1962، ليصل سنة 2000 نحو 3400 حريرة، متجاوزة الحد الأدنى العالمي المقدر ب2400 حريرة الواجب مواصلة ضمانه.
خارطة متذبذبة
تستوعب الخارطة الغذائية في الجزائر عديد المواد الواسعة الاستهلاك في صورة الحبوب بنوعيها، البطاطا، الطماطم، الجزر، البصل، الأرز، الخبز، البن، السكر، الملح، الثوم والبقول الجافة (العدس- اللوبيا)، ناهيك عن الحليب ومشتقاته والزيوت ومشتقاتها، لكنّ أكثر العناصر الغذائية رواجا هناك، هي البطاطا والطماطم والجزر وكذا الحليب، تعاني من تذبذبات اضطرت معها الحكومة إلى تكثيف الواردات لضمان الاكتفاء الذاتي وتجاوز تباينات قاطرة الانتاج الوطنية.
وتنتج الجزائر سنويا 570 ألف طن من الزيوت النباتية، وهو ما يمثل 140 بالمائة من الحاجيات المحلية، إلاّ أنّه وبسبب الإصرار على جلب المواد الأولية من أسواق دولية، جعل أسعار تلك الزيوت ليست في المتناول غداة تضاعفها إلى ثلاثة مرات خلال العامين الأخيرين، مع الإشارة أنّ الجزائر تحتل المركز الثالث عربيًا في قائمة الدول المنتجة للزيوت بعد تونس والمغرب، بإنتاجها 40 ألف طن من مادة “زيت الزيتون” سنويا، علمًا أنّ الجزائر التي تتوفر على حوالي 12 مليون شجرة زيتون، مؤهلة لإنتاج 90 ألف طن كل عام. على طرف نقيض، تعدّ الجزائر بلدا منتجا للجزر والبصل والطماطم بنوعيها، ما يجعلها في متناول المواطنين رغم ما تتسبب به رياح المضاربة، وتعتبر الجزائر أكثر الدول العربية زراعة للجزر والبصل بمساحة تربو عن العشرة آلاف هكتار. في تعاطيها مع الملف الغذائي، اعتمدت الحكومة على مواصلة الدعم بالتزامن مع تكثيف الواردات، حيث دأبت على رصد 2.6 مليار دولار سنويًا، أي ما يمثل 5 في المئة من عائدات المحروقات سنويًا، لدعم المواد الأساسية الواسعة الاستهلاك، وقامت أيضا بإلغاء القيمة المضافة على استيراد بعض المواد الواسعة الاستهلاك سيما البطاطس، لكنها رفضت إعفاء الضريبة على القيمة المضافة لجميع المواد الغذائية بسبب الانعكاسات السلبية التي يمكن أن يتسبب فيها هذا الاجراء على الاقتصاد الجزائري، بالمقابل، تعهدت الوزارة الأولى بمواصلة دعم الحبوب والحليب، في صورة القمح الليّن، والأمر نفسه ينطبق على الحليب، لكن من دون كبير تغيير حقيقي.
مسلسل البطاطا ونسف جيوب الفقراء
تمثل البطاطا في الجزائر غذاء رئيسيالكنها وبرغم إنتاجها بكميات ضخمة تفوق حجم الطلب المحلي، إلاّ أنها تعاني من ندرة غريبة وارتفاع فاحش، ويرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول، أنّ اللاتنظيم هو الذي جعل البلاد لا تحقق اكتفاءها الذاتي من البطاطا، بما اضطرها إلى الاستنجاد بالاستيراد، ويبرر توجهه في تصريح خص به “السلام”، بإتلاف مليون قنطار من البطاطا قبل فترة، بجانب إقدام عدد من المنتجين على تخزين كميات هامة من البطاطا خارج مخازن التبريد لافتقادهم الأخيرة، علما أنّ استمرار الوضع على منواله لما يزيد عن الستة أشهر، يجعل ربع احتياطي البلاد من البطاطا قاب قوسين أو أدنى من الفساد.
واحتكاما إلى الأدوار التي ينهض بها عموم المزارعين والتجار وما يُعرف بفئة الوسطاء، يتوقع خبراء أن تبقى مادة البطاطا عرضة للاستيراد مجددا، سيما بعد إقدام السلطات على منع تسويق الأسمدة المستخدمة في استزراعها لدواع أمنية (على خلفية استخدامها المكثف في تفجيرات سابقة هزّت البلاد)، وهو ما يعني شحا محتملا في الانتاج، سيلقي بظلاله على الأسعار التي قد تستعيد منحناها المخيف الفترة الماضية. وتقدّر مراجع على صلة بملف البطاطا، استمرار نسف مافيا”البطاطا” لجيوب الفقراء رغم وفرة هذه المادة الأساسية، حيث ارتفع سعر البطاطا إلى 80 دينارا للكيلوغرام الواحد، في الوقت الذي كانت تباع فيه البطاطا ما بين 40 و45 دينارا.
ويعدّد منتجو البطاطا بمغنية جملة من الصعوبات والمشاكل، وسط تراجع الفلاحين المتخصصين في إنتاج البطاطا خلال تسعينيات القرن الماضي، وتقلّص المساحات المزروعة حاليا من 50 هكتارا إلى خمس هكتارات فحسب. ويقول عبد الحميد بوحسون، رئيس منتجي البطاطا أنه في بداية الستينيات كانت هذه المادة تغرس في الساقية وتقسم على حصتين، حيث لا تتجاوز 4 قناطير، وكانت تسقى بمياه الساقية، أمام انعدام الأسمدة الكيماوية في تلك الفترة، حيث كان يعتمد على مادة روث الحيوانات (الغبار)، ومع السبعينيات وصل الفلاحون إلى غرس 60 قنطارا، مع إدخال أجهزة ومعدات حديثة على الإنتاج آنذاك، كالسقي بالرش. كما تمّ بداية استعمال الأسمدة الكيماوية للبطاطا لتتطور العملية بعده إلى السقي بالتقطير مما ساعد على وفرة الإنتاج، وذلك مع الثمانينيات ليتم تحويل المخزون بالغابات نظرا لانعدام غرف التبريد في ذلك الوقت، واختيرت هذه الغابة لبرودتها وخوفا من فساد المحاصيل. ومع مرور السنوات وبداية التسعينيات، تطوّر إنتاج مادة البطاطا، ليصل المحصول إلى 300 قنطار في الهكتار، حتى انّ أحد الفلاحين غرس قرابة 400 قنطار من بذور هذه المادة، التي جعلت مغنية في الصدارة وطنيا مع ولاية معسكر. ومع بداية الألفية الثالثة، بدأ الإنتاج يتدحرج شيئا فشيئا وعرفت مدينة مغنية تراجعا في مرتبتها على مستوى الوطن، ويرجع السبب في ذلك إلى عزوف عدد كبير من الفلاحين في الأعوام الأخيرة عن زراعة البطاطا التي كانت تعتبر فيما مضى نشاطا بارزا لهذه المدينة.
لكن التذبذب عاد ليطبع انتاج البطاطا في مغنية اعتبارا من سنة 2002، حيث عزف عدد كبير من الفلاحين عن زراعتها رغم عمليات التحسيس والتوعية التي تقوم بها الجمعيات ذات الطابع الفلاحي بغية الحفاظ على نمط الإنتاج والاكتفاء الذاتي في المادة. ويحصي ممارسون عوائق ما انفكت تعترض الطبقة الفلاحية يوميا وكل موسم فلاحي، نتيجة قلة الإمكانات التي يتطلبها النشاط الفلاحي، ولعل العائق الأكبر لدى الفلاحين خاصة في هذه المادة، هو التخزين وقلة غرف التبريد، لذا يطالب هؤلاء السلطات المعنية قصد التدخل العاجل وإعادة غرف التبريد الموجودة بالعقيد لطفي، والمقدر عددها بحوالي 20 غرفة بعد أن بلغت تكلفتها المالية أزيد من 36 مليار سنتيم بسعة 6000 طن لمختلف المنتوجات. وتقول مصادرنا إنّ هذه الغرف ظلت تتعرض إلى التخريب وكسر الأبواب، وكذا سرقة الكوابل الكهربائية المتواجدة بها، ما فرض تحويلها بعد ذلك إلى حظيرة للسيارات المحجوزة من طرف مختلف أسلاك الأمن خاصة مفتشية الجمارك.
وتشكو مدن غربية بروز ظاهرة الجفاف ما ضاعف من متاعب الفلاحين ودفعهم للاعتماد على البطاطا البورية أي المسقية، أمام منع حفر الآبار وهو المشكل الذي طرحه جل الفلاحين بحكم عدم تسوية ملفاتهم المودعة منذ سنة 99، وعدم استفادتهم من رخص الحفر، ما أرغم الفلاحين على اختيار زراعات أخرى لا تتطلب كمية كبيرة من المياه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.