لا يزال موضوع التجارة الموازية في الجزائر العاصمة مشكلا مطروحا بمختلف البلديات، رغم جهود الحكومة والسلطات المحلية الرامية إلى القضاء على هذه الفضاءات التجارية الفوضوية، بالتالي التحكم وإعادة ضبط النشاط التجاري بما يسمح بتحصيل مداخيل مالية هامة تعزّز خزينة الجماعات المحليّة. ويواصل هذا النشاط التجاري غير المقنّن فرض نفسه في ظل انعدام المتابعة وغياب البديل، حيث يجمع المتتبعون لهذا الملف على أن فتح أسواق جوارية جديدة والعودة إلى أسواق الفلاح والأروقة التجارية الكبرى يبقى أكثر من ضرورة. رغم الحملات الواسعة التي شنّتها السلطات المحلية على مستوى بلديات العاصمة من أجل إزالة مختلف النقاط التجارية الفوضوية، كما هو الحال بالحراش وبئر مراد رايس وبئر خادم والقبة..، والتي كان محلّ ترحيب البعض وامتعاض البعض الآخر المطالبين بالبديل، إلا أن هذه الأخيرة عرفت توقفا دون مبرر، حيث يرجع المختصون سبب ذلك إلى عدم مرافقة السلطات المعنية للأماكن المطهّرة من هذا النوع من التجارة، في ظل تجاهل مطالب التجار الفوضويين باحتوائهم في أماكن مقنّنة. بولنوار: التجارة الموازية تكلف الخزينة 500 مليار دينار أكد رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار، أن الأسواق الموازية تكلّف الخزينة العمومية خسارة مالية كبيرة تقدر ب500 مليار دينار سنويا، بسبب التهرّب الضريبي، وهو ما يدعو حسبه- إلى التفكير الجدي في وضع حد لهذا النزيف المالي. وأوضح بولنوار في هذا السياق أن 80 بالمائة من المنتوجات المقلدة والمواد الغذائية منتهية الصلاحية تمر عبر هذه الفضاءات غير المنظمة، مشيرا إلى أن القطاع التجاري على المستوى الوطني بحاجة إلى 100 سوق جوارية لتدارك العجز المسجل في هذا الإطار، فيما تحتاج الجزائر العاصمة وحدها إلى 40 سوقا، داعيا إلى وجوب استعادة المساحات والفضاءات التجارية المغلقة التي تقدر على المستوى الوطني ب30 ألف مساحة مغلقة، بينما تقدر على مستوى العاصمة بأكثر من 1000 مساحة غير مستغلة. واعتبر رئيس الجمعية أن الأسواق غير المنظمة أصبحت مكانا لترويج السلع غير المفوترة سواء المحلية أو المستوردة، إلى جانب استخدامها في ترويج المخدرات والإجرام بشتى أنواعه، مذكرا بأن السلطات العمومية نجحت في القضاء على 50 بالمائة من هذه الفضاءات، فيما لا يزال العمل يتطلّب المزيد من الجهود. 72 نقطة بيع فوضوية ومليوني تاجر غير شرعي يرى الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، أن النشاط التجاري الموازي يبقى أحد الانشغالات الكبرى التي لم تتمكّن الحكومة من القضاء عليها بشكل نهائي، وهذا رغم مساعيها المتكرّرة لاحتواء هذا النشاط، التي كلّلت بالقضاء على عدة نقاط وأسواق فوضوية، مثلما كان في سوق الحراش والقبّة وبئر خادم..، إلا أن عدة نقاط أخرى عادت إلى الظهور من جديد، بسبب عدم توفير بدائل تستجيب للنصوص والقوانين التجارية المعمول بها. أكد عبد القادر بو شريط، أمين وطني على مستوى الاتحاد مكلّف بالإدارة ل«المساء»، أن عدم الاستمرار في عملية إزالة الأسواق الفوضوية، شجّع على عودة 72 نقطة بيع عشوائية على مستوى إقليم الجزائر العاصمة وما جاورها، يستغلها التجار بشكل محتوم بسبب تجاهل مطالبهم بإعادة تنظيمهم في فضاءات قانونية، معتبرا أن ذلك سيشجّع على بروز نقاط وأماكن أخرى في ظل عدم التحرك العاجل لتدارك الوضع. أوضح بوشريط في هذا الإطار، أن الاتحاد برئاسة الأمين العام للاتحاد السيد صالح صويلح، يثمّن بقوة إعادة تنظيم الأسواق التجارية، حيث دعا في عدة مناسبات إلى ضرورة الاستمرار في العملية وعدم جعلها مناسباتية، مشددا على ضرورة التكفّل الجاد بالتجار الناشطين على مستوى هذه الأسواق والمقدر عددهم بمليوني تاجر، علما أن المصالح المختصة تحصي مليون و800 تاجر ينشطون بشكل قانوني، وهو انشغال لابد من أخذه بعين الاعتبار. ولابد من التعجيل في فتح أسواق جوارية. ومن جهته، يرى لرقط رحماوي أمين وطني مسؤول التنظيم على مستوى الجزائر العاصمة، أنّه يتعين على السلطات الولائية بالتنسيق مع البلديات، التعجيل في فتح أسواق جوارية لامتصاص النشاط التجاري الموازي، خاصة في بعض البلديات التي تفتقر لمثل هذه المرافق، على غرار بئر خادم ودرارية وبئر مراد رايس.. لتجنيب المواطنين من التنقّل للأسواق بالمدن المجاورة، مشددا على ضرورة فرض رقابة صارمة على القطاع والالتزام بالشفافية في استغلال هذه الأسواق. وأوضح السيد لرقط أن بلدية تقصرايين لاتزال منذ سنة 2007 تسعى إلى وضع حد للتجارة الموازية والقضاء على 104 طاولات تجارية فوضوية، بسبب عدم التوصّل مع مصالح الولاية إلى تحديد الجهة التي ستتكفّل باعادة تنظيم التجار على مستوى السوق الجديدة. الأحياء الجديدة بحاجة إلى أسواق نظامية لم تتمركز الأسواق الفوضوية في البلديات والمدن الكبرى بالعاصمة فقط، بل انتقلت حتى إلى الأحياء السكنية الجديدة، حيث أصبحت هذه الأخيرة تشهد ظهور بعض النقاط غير القانونية، في وقت يطالب سكان هذه الأحياء بأسواق تمارس فيها التجارة بشكل منظّم، على غرار الحي السكني الجديد بسيدي حمّاد الذي يضم حوالي 04 آلاف عائلة، إلى جانب أحياء كوريفة بالحراش وبئر توتة وبرج الكيفان...وغيرها، حيث دعا جمال جعدون أمين وطني مكلّف بالتضامن، إلى أنه لابد من تعزيز هذه الأحياء السكينة الجديدة والتجمعات السكنية الأخرى بالمرافق التجارية الجوارية، لوضع حد نهائي للتجارة الموازية التي كثيرا ما كانت سببا في نشوب مناوشات ومواجهات عنيفة بين سكان هذه الأحياء والمرحلّين الجدد إليها، كما حصل في الحي السكني بسيدي حمّاد خلال العام الماضي. وأشار السيد جعدون بالمناسبة، إلى مشكل آخر ساهم في إعادة انتشار أشكال التجارة الفوضوية بالعاصمة وضواحيها، يتمثّل في التماطل الكبير في توزيع أو تسليم الأسواق الجديدة التي تم إنشاؤها ببعض البلديات، مثلما هو الحال ببومرداس التي سجّلت عدة أسواق جوارية لم توضع تحت تصرّف التجار لأسباب لا تزال مجهولة، في وقت يرفض العديد منهم استغلالها لمزاولة نشاطهم بحكم عدم اكتمال بعض أشغال تهيئتها الداخلية من جهة، وبعدها عن النسيج العمراني من جهة أخرى. التجارة الموازية خطر على الصحّة العمومية بدورها، تبقى الأسواق الموازية والممارسات التجارية غير القانونية مصدر تهديد للصحة العمومية وسلامة المواطنين والمستهلكين بصفة عامة، بالنظر إلى ما توفّره من مواد غذائية وسلع ومنتجات مشكوك في صحتها ومصدرها ومدة صلاحيتها، وحتى شروط حفظها خاصة فيما يتعلّق بالمواد الغذائية سريعة التلف، كالأجبان ومشتقات اللحوم والألبان.. وغيرها، حيث ترى جمعيات حماية المستهلك أنّه لابد على المستهلك التحرّي أكثر في هذه الأمور عند اقتناء هذه المواد والمنتجات، والتقيّد بشرائها من الأسواق أو المحلات القانونية، للتمكّن من متابعة التجار المخالفين لقواعد الحفظ في حال تسجيل أية تسممات أو فساد للمنتوج، بالتالي الحصول على تعويض عند رفع شكاوى ضدهم. مديرية التجارة ترفض التصريح وسعيا منا لإثراء الموضوع أكثر، اتصلنا بمديرية التجارة للجزائر العاصمة بغية الحصول على معلومات وأرقام رسمية حول واقع الأسواق الموازية بالعاصمة، إلا أن الناطق الرسمي للمديرية رفض الإدلاء بأي تصريح، مبرّرا بأنه ليس المخوّل للحديث في هذا الموضوع، وأن هذا الملف يتجاوزه -على حد تعبيره-!!.