التقت «المساء» بالباحثة التربوية الأستاذة الجزائرية عائشة قاسمي الحسني، وهي عضو سابق في اللجنة الوطنية الجزائرية للتربية والثقافة والعلوم، أستاذة فلسفة وعضو بلدي منتخب، رئيسة لجنة التربية وعضو في لجنة الثقافة والبيئة والأسرة، وعضو في جمعية ترقية المرأة الريفية، على هامش تقديمها لمداخلتها تحت عنوان «مشروع إنشاء مركز تواصل بين ذوي الاحتياجات الخاصة ومؤسّسات التعليم عن بعد والتعليم المفتوح» خلال الملتقى الدولي حول «التعليم عن بعد بين النظرية والتطبيق، التجربة الجزائرية أنموذجا» الذي انتظم في الفترة الأخيرة بجامعة «مولود معمري» (تيزي وز) كلية الآداب واللغات - قسم اللغة العربية، مخبر الممارسات اللغوية في الجزائر، فكان هذا الحوار. ❊ أنشأت الدولة العديد من المراكز الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، فما الجديد الذي تقترحونه في هذه الدراسة؟ ❊❊ الجديد في هذه الدراسة أنّنا نسلّط الضوء على شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى وجه الخصوص تلك الفئة التي تعرّضت لظروف قهرية حالت بينها وبين تحصيلها العلمي والمعرفي في المؤسّسات التعليمية، وهو حقّ مكتسب شرعا وقانونا. لقد كثرت في حاضرنا مؤسّسات التعليم عن بعد المتطورة - أصلا - عن التعليم بالمراسلة، وأثبتت الدراسات نجاعته، وغدا تعليما ناجحا يعوّل عليه في إدارة مؤسسات الدولة، وبما أنّ ذوي الاحتياجات الخاصة هم جزء لا يتجزأ من المجتمع، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، أصبح لزاما علينا إدماجهم في جميع مؤسّسات الدولة، كل على حسب قدراته الذهنية والبدنية. لكن هناك حالات مستعصية جدا، من الصعوبة أن تخرج للمجتمع وتنصهر في بوتقته، حتى وإن كانت المؤسّسات التعليمية قريبة جدا منها، خلافا للناس العاديين الذين يلجؤون إلى التعليمية عن بعد بسبب صعوبة الوصول إلى المؤسّسات العلمية. وفي هذا السياق، يقول الباحث الدكتور كمال سالم بأنّ الاتّجاه القديم في التربية والتعليم وتأهيل المعاقين، اعتمد على العزل الكلي عن الطلبة العاديين، وتخصيص مدارس أو معاهد خاصة بهم، كما أنّ نسبة كبيرة من المعاقين جسميا كانت تتمّ رعايتهم في المستشفيات على أيدي متخصّصين طبيا. ❊ ماذا تقصدين بالمعاقين جسميا؟ ❊❊ يعرّف الدكتور كمال سالم المعاقين جسميا تعريفا تربويا قائلا «إنّ الإعاقات الجسمية عبارة عن عجز جسمي شديد يؤثّر على التحصيل الدراسي للفرد»، ويعرفه تعريفا عاما قائلا؛ «إنّ الإعاقات الجسمية عبارة عن عجز أو قصور يؤثّر على قدرة الفرد على الحركة والتنقّل أو يؤثّر على قدرته على تناسق في حركات الجسم، أو التخاطب أو التواصل مع الآخرين سواء باللغة المنطوقة أو المكتوبة، أو عدم القدرة على التعلّم أو التوافق الشخصي»، لكن دعيني أشرح لك وجهة نظري حول الإعاقة، كلّنا يعرف بأن هناك إعاقة ذهنية وإعاقة جسدية، أو كما يسميها بعض الباحثين بالإعاقة الجسمية، وكلّ إعاقة سواء كانت ذهنية أم جسدية تنقسم إلى قسمين، هناك إعاقة ذهنية تولد مع الفرد، وإعاقة ذهنية يتعرّض لها الفرد بعد الولادة، نتيجة سوء عناية أو إهمال لمرض ما أو حمى..، كما أن الإعاقة الجسدية تولد مع الشخص، وهناك إعاقة جسدية يتعرض لها الشخص بعد الولادة نتيجة الحوادث بأنواعها. ❊ ألا تقوم المراكز الجزائرية لذوي الاحتياجات الخاصة بمهامها؟ ❊❊ بلى، توجد مراكز مهتمة جدا، وقد وفّرت لها الدولة كلّ المستلزمات، وسخّرت لها كل الإمكانات، وتضم كوادر على درجة عالية من التخصصات؛ لكن الفكرة التي أرمي إليها هي إنشاء مركز أو وحدة أو جهاز ملحق بجامعة «مولود معمري» بتيزي وزو إداريا وفنيا وتقنيا، له غايات وأهداف وتصوّر مبدئي عن هيكلته الإدارية والعلمية وطبيعة عمله. ❊ ماذا عن أهداف هذا المركز والغاية من إنشائه؟ ❊❊ إنّ الغاية من إنشاء هذا المركز هي رصد الحالات المرضية صعبة الحركة في جميع الولايات والمستشفيات والسجون، ثم فرزها وتصنيفها على هيئة عيّنات فردية، وإعداد ملفات شخصية لكل عينة على حدة؛ لسهولة التواصل معها ومتابعتها لاسيما الحالات الحرجة فعلى المركز أن يعدّ فريق عمل ميداني متخصّص للمقابلات الشخصية، من مهامه تحليل الاحتياجات وتقديرها، وإعداد دراسة حالة لكلّ فرد من هذه العيّنة اجتماعيا وصحيا، كما أنّ الغاية من هذا المركز هي إنشاء قنوات إرسال واستقبال ناشطة للتعامل النفسي مع العيّنات واحتوائها والتقرّب منها نصحا وإرشادا ودعما. أمّا عن الأهداف؛ فيرمي هذا الجهاز إلى التواصل المباشر مع ذوي الاحتياجات الخاصة (صعبة الحركة الحالات الحرجة) ليقدّم لهم عملية تعليمية تربوية ملائمة لطبيعتهم الجسدية والعقلية؛ معمّقا بذلك قدراتهم ومهاراتهم وتحسينها ما أمكن، وفي الوقت نفسه، يشجّع ذوي الاحتياجات الخاصة على التغلّب على إعاقاتهم بعد أن يساعدهم على إزالة المعوقات النفسية للخروج من البيت والاندماج مع المجتمع، كما يقدم هذا الجهاز الحلول اللازمة، معيدا بذلك الأمل لذوي المعاقين في تعلّم أبنائهم وانصهارهم في المجتمع، ومن جانب آخر، فإنّ من أهداف هذا الجهاز تعزيز التعاون بين المؤسّسات المعنية بالتعليم عن بعد والمتخصّصة وبين الوحدات التربوية لذوي الاحتياجات الخاصة وبين المراكز الصحية، فهي شبكة متحدة ومتعاونة ومكملة لبعضها، يحرص هذا الجهاز على التواصل معها. ❊ هل تتميز هذه الوحدة بخصائص تنفرد بها عن بقية المراكز الموجودة في البلد؟ ❊❊ تمتاز هذه الوحدة بالمرونة في التعامل، ولها قدرة فائقة على التأثير والتأثّر، كما لها قدرة على تخطي الحواجز وتذليل العقبات وتقوم بتعبيد الطريق بين ذوي الاحتياجات الخاصة وبين مؤسّسات التعليم عن بعد. كما أنّ من مميزاتها اختصار الطريق وسرعة الإنجاز، وتكون بذلك قد وفّرت الوقت وقلّلت من الجهد. ولعلّ من خصائص هذه الوحدة أو هذا المركز أنه يراعي حالات الدارسين الصحية، ويقف على ظروفهم الاجتماعية، ويهتم بمراحلهم العمرية، وله أسلوب خاص في التعليم يختلف تماما عن أسلوب التعليم التقليدي، ومن خصائصه أيضا احتواء الدارسين والاهتمام بما يطرحونه أو يبتكرونه ويقوم بتفعيل أفكارهم حتى وإن كانت بسيطة، كما أن لديه القدرة على التفاعل مع مشكلات الدارسين من ذوي الاحتياجات الخاصة، مراعيا بذلك الفروق الفردية عند المعاقين. ❊ هل لكم أن تحدّدوا دور هذا المركز؟ ❊❊ للمركز دور هام ومهم في عملية الإرشاد والتوجيه، وبناء علاقات فردية وثنائية وجماعية، وربط المعاق دراسيا واجتماعيا بمؤسّسات التعليم عن بعد، وللمركز دور إشرافي أيضا؛ فهو يشرف على سير العملية التعليمية التي تتم عن بعد بين المؤسسة والمعاق، ويشرف على طريقة تلقين المواد التعليمية للمعاق، وكذا على ساعات عمل المعلم والتزامه بالمواعيد والمواقيت المحددة بدقة للمعاق، إضافة إلى اهتمامه بمناهج التعليم التي تدرس له. ❊ ما أهمية إنشاء هذا المركز؟ ❊❊ تكمن أهمية المركز في اهتمامه بفئة مستضعفة ومساندتها على الاندماج في المجتمع من خلال توفير سبل التعليم بشتى الطرق العلمية المدروسة. ومن جانب آخر فإن للمركز أهمية في إعداد الكوادر المهنية والحرص على تدريبهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وانخراطهم بسوق العمل من تفعيل التنمية. ❊ انتقلت من العمل في «اليونسكو» وتقلّد عدة مناصب في لجان مختلفة وتدريس الفلسفة، إلى مهمة تنسيق أعمال زوجك البروفيسور الكويتي فهد خليل سالم الراشد. حدثينا عن هذه النقلة، وما هو دورك الآن بعد هذا العطاء؟ ❊❊ مثلك يعرف بأنّ المرأة الجزائرية مهما تقلّدت من مناصب، ومهما تحصّلت على أعلى الشهادات، فهي تقدّس الحياة الزوجية، وتتفانى في خدمة زوجها، الزواج عقد مقدّس له ضوابط ومقاييس ومعايير، لنجاحه لابدّ من مبدأ التكافؤ، في السنّ والمستوى التعليمي والعائلة، ونحن ولله الحمد أنا وزوجي الكويتي، حقّقنا مبدأ التكافؤ، لا أخفي عنكم أنني عملت في أصعب مرحلة مرت علينا نحن – الجزائريين – ألا وهي العشرية السوداء، أذهب للأسر المعوزة والمعسرة حتى الأسر التي تخاف الخروج، وأعلم بأنني قد لا أرجع إلى داري، ولكن الجزائر تستحق الكثير، فلست أحسن من المليون ونصف المليون شهيد، الآن آن الأوان للأجيال الشابة للقيام بواجبها، فالجزائر ولاّدة وتزخر بالكفاءات، والجزائرية كلّ يوم تبهرنا بعطائها، فنحن اليوم عبّدنا الطريق لهن، ونعلم علم اليقين بأنّهن سوف يحملن الراية بأمانة وإخلاص، أما فيما يتعلق بزوجي، فنحن فريق عمل واحد، ونعمل في حقل متقارب جدا وهو الحقل الثقافي والتربوي والتعليمي؛ هو يستشيرني وأنا أستشيره في كل كبيرة وصغيرة، وأنا سعيدة جدا بأنني منسقة أعماله ومشرفة على نتاجه الثقافي والفكري، ومتابعة مؤلفاته منذ الكتابة مرورا بالطباعة حتى ترى النور بالنشر، وعلاقتي به علاوة على العلاقة الحميمية وعلاقة احتواء كزوج وزوجة، فهي أيضا علاقة تكاملية في العمل في الخارج، لدرجة أن الناس لا يستسيغون رؤية واحد منا منفردا، فلا يستحسنون إلا أن يرونا معا، ولعلك لمست ذلك. ❊ نعم.. هذا صحيح، هل من كلمة أخيرة تختمين بها؟ ❊❊ لا شك بأنه تعوزني كلمات كثيرة علها توفي جريدة «المساء» حقها بالشكر والثناء، لهذه المتابعة الحثيثة التي تبرز وجه الجزائر الثقافي والفكري والعلمي النير والمشرق للعالم بأسره، وأوجه تحية خاصة ودافئة لكل المشاركين في هذا الملتقى سواء كانوا من القطر الجزائري، أم من الدول العربية الشقيقة والدول الأجنبية الصديقة. وتحية، ثم تحية لدولة الكويت، متمنية أن يستمر مثل هذا التلاقح الثقافي بين الجزائر والدول الأخرى. ولا يفوتني أن أبدي إعجابي بما تتحلين به سيدي الفاضلة من مهنية صحافية رفيعة المستوى.