يعاني الشخص المعاق من الكثير من الصعوبات التي تحد من عزيمته، والتي جعلت مختلف الجمعيات المختصة بهذه الفئة تطرحها في العديد من المناسبات لوضع حد لها، حتى يتمكن الشخص المعاق من مواصلة حياته بصورة طبيعية. هي فئة لم تختر لنفسها الوضع الذي تعيشه وإنما هو وضع ولدوا به أو أنهم تعرضوا لحادث أو مرض سبب لهم الإعاقة التي يعملون جاهدين على التعايش معها، ولكن العراقيل التي تواجههم في حياتهم اليومية تحد من عزيمة الكثيرين وهو ما دفع ببعض ذوي الإحتياجات الخاصة، وحتى أوليائهم ممن حضروا الندوة التي نظمها الاتحاد الوطني للمعاقين الجزائريين بداية الأسبوع، حول حماية حقوق الأشخاص المعاقين والتي تهدف لتعديل قانون ترقية وحماية حقوق المعاق الصادر قبل عشر سنوات، للتعبير عن التجربة التي مروا بها والتي كانت سببا في سوء حالتهم. وكانت السيدة ليلى أول من تحدثنا إليها والتي تحملت حملا ثقيلا بمفردها بعد أن مر زوجها بتجربة مريرة كانت سببا في إصابته بإعاقة حركية، حيث تقول في هذا الشأن «بعد أن قام مدير زوجي في العمل بطرده وأحيل على التقاعد قبل أن يصل إلى السن المحدد لم يتقبل هذا الأمر، وهذا ما أدى إلى ارتفاع ضغطه وكان سببا في إصابته بإعاقة حركية وقد عجزت عن توفير حاجياته اليومية بسبب حالتي المادية السيئة، وبالرغم من أني طلبت المساعدة من جمعيات خيرية، إلا أن هذه المساعدات لا تكفي حتى لشراء الدواء». وتعتبر حوادث المرور من بين الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى إصابة أشخاص كانوا يوما في كامل عافيتهم وأصبحوا بعد تعرضهم لحوادث مرور أليمة تسبب لهم إعاقات مختلفة، وهذا ما حدثتنا عنه سلمى التي كان تعرضها لحادث مرور سببا في إعاقتها وضياع مستقبلها التي جعلتها حبيسة المعاناة التي تحدثت عنها بأسى، حيث تقول «بعد أن تعرضت لحادث مرور تغيرت معاملة صديقاتي تجاهي وحتى أن معلمتي وجهت لي كلاما جارحا تسبب في التقليل من قيمتي، وهذا ما كوّن لديّ عقدة نفسية دفعتني للتخلي عن دراستي بسبب تعليقاتهم التي أحبطت معنوياتي». وتتغير طريقة معاملة بعض العائلات تجاه أقرب الناس إليها بمجرد إصابته بإعاقة، فيجد نفسه وحيدا يطلب المساعدة من الغرباء بالرغم من أن لديه أقرباء، وهذا نفس ما مر به السيد «عمار» الذي طرد من منزله من قبل زوجته بعد إصابته بإعاقة «تغيرت معاملة زوجتي معي بعد تعرضي لحادث أثناء عملي كان سببا في عجزي عن المشي، وما زاد من معاناتي أن صاحب العمل بدون ضمير، فقد قام بطردي وهو الأمر الذي لم تتقبله زوجتي ولم تقم حتى بمساعدتي أو تشجعني على تخطي صعوبات عجزي، بل وصل بها الأمر إلى طردي من المنزل وقد اضطررت إلى التسول لتوفير حاجياتي اليومية». قد يكون المرض سببا في تعرض أحد الأشخاص لإعاقة تدمر العلاقة الزوجية، وهذا ما حدثتنا عنه السيدة «مليكة» التي بترت رجلها اليمنى بعد إصابتها بالسكري، وهذا ما لم يتقبله زوجها الذي قالت إنه لم يقف إلى جانبها بل أنهى علاقته الزوجية بالطلاق وهي في أمس الحاجة لمن يساعدها في محنتها ما زاد حالتها النفسية سوءا. ولا تقتصر الإصابة بالإعاقة على الحوادث والأمراض فقط، وإنما هناك من يولد بمشاكل صحية قد تكون سببا في إعاقتهم، إلا أن بعض الآباء لا يتقبلون هذا الأمر ويتخلون عن فلذات أكبادهم، وهذا ما مرت به والدة «عمر» التي تحملت مسؤولية ابنها المعاق حركيا بمفردها، وحسب قولها إن زوجها لم يتقبل أن يكون ابنه معاقا وهذا ما جعله يهجرهم. هذا ويعاني الكثير من المعاقين من صعوبة كبيرة في اندماجهم داخل المجتمع بشكل طبيعي نتيجة طريقة التعامل السيئة التي يتعرضون لها، وحتى النظرات الجارحة التي توجه لهم من المحيطين بهم، وهذا ما أكده جل من تحدثنا إليهم من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين شكلت لديهم هذه المضايقات وحتى التعليقات الجارحة من بعض الأشخاص عقدا نفسية، جعلتهم ينعزلون داخل منازلهم ويرفضون الخروج خوفا من نظرات بعض أفراد المجتمع لهم، والتي كانت سببا في شعورهم بالخجل من حالتهم. ضرورة تعديل قانون المعاق لحماية حقوقه الشرعية يقول محمود خلو نائب رئيس الإتحاد الوطني المكلف بالجمعيات، إنه بالرغم من المجهودات التي بذلها الاتحاد من خلال تقديم أفكار وبرامج ومذكرة خاصة للتكفل بهذه الشريحة، إلا أنهم لم يجدوا آذانا صاغية لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة بالرغم بعد مرور 10 سنوات على صدور قانون 09 /02 المتعلق بحماية وترقية الأشخاص المعاقين. ويضيف «لقد توالت القوانين منذ الإستقلال بغية تحسين وضعية المعاق والاستجابة لمتغيرات المسايرة لتغير المجتمع إلى حين صدور قانون خاص بذوي الاحتياجات الخاصة، علما أنه يحتوي على 17 مادة خاضعة للتنظيم، زيادة على هذا يرى بعض المهتمين أن المشرع اهتم بجوانب وأهمل أخرى ويرى آخرون أن قضية الأشخاص المعوقين تمس كل القطاعات، ولهذا فنحن لا نستطيع أن نحصر قضية المعاق في قانون موحد وخاص، بل يجب أن تتضافر جهود جميع القطاعات لترقية الأشخاص المعوقين وأخذ انشغالاتهم وحاجياتهم بعين الاعتبار». أما عن أهداف الاتحاد فيقول «من بين أهداف هذا الإتحاد هو وضع توصيات والعمل على إجراء تعديل بهذا القانون يضمن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن بينها ضرورة إنشاء معهد وطني للإعاقة يشرف على فئة المعوقين لضمان حق المساواة بين المعوقين وغيرهم في المواطنين، استنادا إلى مبدأ المساواة المضمون دستوريا سواء في التشغيل أو السكن أو التعليم والتكوين، وتفعيل البرنامج الوطني للكشف المبكر عن الإعاقة والوقاية منها». ويضيف محمود خلو أنه يجب إعادة النظر في منظومة التمدرس والتكوين في أوساط المعوقين وضرورة إعداد مخطط وطني بمساهمة جميع القطاعات التي تعنى بشؤون المعاق من أجل ضمان التهيئة العمرانية الملائمة والمناسبة للأشخاص المعاقين وإعداد برامج ومخططات تشغيلية استعجالية، وجعل المعاق يستفيد من آليات التشغيل المقترحة من طرف الدولة ولا يقصى منها أحد بسبب الإعاقة. رئيس الاتحاد الوطني للمعاقين محمد أمين رزاق ل»السلام» مختصة في علم النفس الاجتماعي تؤكد «ذوو الاحتياجات الخاصة يواجهون صعوبات تحدُّ من إبراز إمكاناتهم» أكد محمد أمين رزاق رئيس الإتحاد الوطني للمعاقين، خلال حديثه مع يومية «السلام»، أن فئة ذوي الإحتياجات الخاصة تواجه جملة من المشاكل التي تعيقهم عن ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، حيث يقول «بالرغم من أني مصاب بإعاقة حركية إلا أنني قررت مواجهة جميع الصعوبات وأكملت مشواري الدراسي لأتحصل على شهادة جامعية، وأتقنت لغات لأبرهن للمجتمع أن المعاق قادر على فعل ما عجز عن تحقيقه الإنسان الطبيعي، وتقلدت هذا المنصب للدفاع عن حقوق المعاقين الذين بالرغم من أنهم يملكون قانونا خاصا بهم إلا أن أغلب مواده غير مطبقة، ونجد عدة نقائص في كل المجالات والأصعدة التي تخص خدمة المعاق، كما أنه من بين المشاكل التي تواجه فئة ذوي الاحتياجات الخاصة هي عزل المعاق وإبعاده عن دوره الحقيقي، ليكون شخصا مستهلكا لا منتجا، بالإضافة إلى غياب المركز الوطني للدراسات الخاص بالمعاقين وقلة المراعاة والعناية الصحية بالمعاق عناية خاصة لمتابعة وضعه الصحي، كما أن هناك تهميش للمعاق بالنسبة للتمدرس أو التكوين ولا يوجد متابعة جيدة لهم داخل أقسام المدرسة، كما أنه لا يوجد تكييف للأقسام التي تلائم وضعيتهم فنجد أن الأشخاص المعاقين حركيا يتواجدون في الطوابق العلوية للأقسام، مما يعيقهم عن التنقل بشكل جيد أو الصعود على السلالم، كما أن عدم تكييف بعض العمارات مع وضعية المعاق قد تعيقه عن صعود السلالم ونزولها ما يجعل البعض يتجنبون الخروج». ويضيف ذات المتحدث أنه ما يعاب على المراكز التكوينية هو نقصها إضافة إلى قلة التخصصات المتاحة للمعاقين، فيجد المعاق نفسه مجبرا على اختيار تخصص قد يكون غير مطابق لطبيعة الإعاقة التي يعاني منها، زيادة على بعد المسافات بين المراكز مع زيادة عدد المعاقين في سن التكوين ناهيك عن محدودية السن، إذ نجد أن معظم المراكز المتخصصة لاستقبال المعاقين تكون قصد التكوين البيداغوجي، وهذا التكوين موجه للمعوقين الذين لم يسعفهم الحظ للتمدرس، إذ يرفض استقبال المعاق الذي يفوق سنه 18 سنة»، أضف إلى ذلك كون بعض مراكز التكوين المهني لا تستطيع استيعاب إعاقتي الصم والبكم والمكفوفين نظرا لنقص المؤطرين المتخصصين في لغة الإشارة والتعليم بلغة براي، حتى يتمكن المعاق من اكتساب حرفة مهما كان نوع إعاقته، وهذا ما يسبب معاناة للمعوق وأوليائه الذين يتساءلون دوما عن مصير المعاق بعد بلوغه سن 18سنة، واكتسابه شهادة تكوينية قد تنعت بالهشة نتيجة التكوين الذي تلقاه. كما يعاني المعاق من عدم تهيئة المرافق الترفيهية لهم ومن النقص في خدمات النقل، حيث لا تعطى له الأولوية في الصعود لحافلات النقل إضافة إلى أنه بالرغم من أن المادة 27 من القانون تلزم المؤسسات بتشغيل المعوقين، والتي ترغمهم على دفع غرامة مالية في حال المخالفة، إلا أن بعض الشركات ترفض تشغيل الشخص المعاق لتفكيرهم الخاطئ بأنه غير قادر على العمل بشكل طبيعي مثل غيره». صعوبة اندماج المعاق داخل المجتمع تمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي يتلقى المعاق معاملة سيئة من قبل بعض المحيطين به وحتى من طرف أفراد أسرته قد تتسبب في عجزه عن الاندماج بشكل طبيعي في المجتمع، وهذا ما أكدته هجيرة آيت مهدي مختصة في علم النفس الاجتماعي والتي تقول في هذا الشأن، إن أول ما يصادف المعاق عند انتقاله من محيطه الداخلي والمتمثل في الأسرة إلى محيطه الخارجي، المتمثل في المجتمع برمته، هو عدم تقبله لهذا المعاق والتعامل معه على أساس أنه فرد غير عادي، مما يجعله يشعر بأنه شخص غير مرغوب به ويحبط من معنوياته. وتضيف «كما أنه قد يشعر بالتقليل من قيمته وعدم ثقته بنفسه مما قد يؤثر على حالته النفسية سلبا، فيشعر بنوع من العزلة والانطواء نتيجة للعادات السيئة التي ينتهجها بعض المحيطين به تجاهه والنظرة السلبية التي ينظر بها بعض أفراد المجتمع للمعاق، ورفض التعامل معه نتيجة للثقافة السلبية المتفشية في المجتمع والمبنية على حتمية التبعية للغير، ويتكون لدى المعاق خوف من مواجهة هذا المحيط بكل ما يحمله من أفكار وذهنيات، فيجد نفسه مجبرا على مضاعفة جهوده وإبراز قدراته بغية تحدي المجتمع حتى يفرض نفسه، فيصبح الجهد جهدين الأول خاص بفرض الذات والثاني متعلق بتغيير نظرة المجتمع له والتفاعل إيجابيا معه وتمكينه من فرض وجوده، وبهذا نكون قد قضينا على الخلل الموجود في التعاطي بين المعاق ومحيطه الخارجي، وهذا يعود حتما بالإيجاب على المعاق والمجتمع في أن واحد».