ستكون سنة 2017 بمثابة امتحان صعب لمختلف الولايات عبر القطر الوطني، كونها مجبرة على تغيير نمط التسيير لمسايرة التوجهات الاقتصادية في ظل المعطيات والظروف الجديدة التي فرضتها التحولات الدولية بسبب الأزمات المالية التي تعصف بالعديد من البلدان، وستجد نفسها هذه المرة أمام تحدي "إثبات الذات" لتقديم إسهاماتها ومبادراتها للنهوض بالاقتصاد الوطني والاستجابة لتطلعات المواطنين، فضلا عن تقييم الإنجازات السابقة واستخلاص الدروس لتفادي أخطاء الماضي. عادة ما انصبت شكاوى المنتخبين الولائيين خلال السنوات الأخيرة على ضعف التمويلات لإنجاز المشاريع المحلية، فضلا عن عدم التوازن في منح هذه المخصصات بالنّظر إلى تباين الاحتياجات التنموية. وكانت الزيارات الماراطونية للوزير الأول السيد عبد المالك سلال، الذي يعد أول رئيس للهيئة التنفيذية يقوم بزيارة كافة ولايات الوطن ال48 فرصة للوقوف، عن قرب على مختلف هذه الانشغالات ومن ثم وضع تصورات لمجابهة التحديات التنموية بتوزيع الأغلفة المالية، لاستكمال المشاريع المجمّدة وإنشاء أخرى، علاوة على دخول الولايات المنتدبة الجديدة حيز التنفيذ سنة 2015. والتي تم بفضلها تحقيق حصائل ايجابية على مستوى الأداء وتعزيز لامركزية القرار في العديد من المجالات. البحبوحة المالية التي عرفتها الجزائر قبل انخفاض أسعار النّفط سدت مبررات شكاوى ضعف التمويلات المالية، كاشفة عن مكامن الخلل التي ارتبطت بسوء التسيير الذي طال أيضا المجالس الولائية، مما دفع بالسلطات العمومية إلى التشديد على التساوي في "مبدأ الأخذ والعطاء"، بمعنى أن دور الولايات لن يكون بمنأى عن أدوار المؤسسات الأخرى المجبرة على أن تسهم في الارتقاء بالمصلحة الاقتصادية للبلاد، على غرار ما هو قائم في المقاطعات الأوروبية التي أنشأت لنفسها أقطابا اقتصادية حقيقية قائمة بذاتها. هذا الاتجاه تجلى خلال لقاء وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي، شهر نوفمبر الماضي، مع الولاة عندما خاطب هؤلاء بالقول إنه من الآن فصاعدا لا يجب الاعتماد على الخزينة العمومية لإتمام المشاريع قيد الإنجاز كون الوضعية الاقتصادية والمالية للبلاد لا تسمح. هو تصريح كاف لجس نبض هذا التوجه الجديد لا سيما إذا علمنا بأن ميزانية وزارة الداخلية التي تحتل المرتبة الثالثة من حيث الاعتمادات المالية المخصصة لها بعد وزارتي الدفاع والتربية الوطنية، قد عرفت انخفاضا طفيفا في ميزانية 2016 تطبيقا لسياسة ترشيد النفقات التي اعتمدتها الدولة. التصور الجديد للسلطات العمومية نقله الوزير بتأكيده على وضع سياسة جديدة للتنمية المحلية، وتعزيز دور الجماعات المحلية في هذا المجال، فضلا عن ضرورة تكييف قانوني البلدية والولاية مع مفهوم المرفق العام بما يستجيب لتطوير الخدمات العمومية، مع منح صلاحيات أوسع للمنتخبين المحليين والولاة في تسيير الاستثمارات المحلية. الوزير شاطر في هذا السياق دعوة الوزير الأول، الذي دعا الولاة إلى الإسهام أكثر ولعب دور أكبر في جلب الاستثمار وخلق مشاريع الاستثمار، حيث شدد بدوي، من جهته على ضرورة "خلق الثروة" على المستوى المحلي بالبلديات بهدف "دعم الخزينة العمومية"، علاوة على تفعيل تنفيذ القرارات على المستوى المحلي، باقتراح إعطاء صلاحيات أوسع للولاة في تسيير الاستثمارات لاسيما الموافقة على المشاريع. فضلا عن بذل المزيد من الجهود لاسترجاع ملايين الهكتارات من العقار الصناعي غير المستغل لفائدة المتعاملين الاقتصاديين الراغبين في إنجاز استثمارات منتجة مع تسهيل منحه. يأتي ذلك في الوقت الذي يتضمن قانون الاستثمار صلاحيات كبيرة للولاة ورؤساء البلديات لجذب المستثمرين، فضلا عن الإيجابيات العديدة التي جاء بها الدستور الجديد في مجال الديمقراطية التشاركية. وأمام عجز غالبية الولاة عن التحصيل الجبائي المحلي، اقترحت وزارة الداخلية والجماعات المحلية إعداد قانون جديد مخصص للمالية والجباية المحليتين، بهدف تأطير وتحسين الموارد المالية للجماعات المحلية، إذ سيجمع القانون في وثيقة واحدة جميع الرسوم والضرائب التي يستفيد منها القطاع، كما سيمكن من توضيح أفضل للأوعية ومجالات التحصيل الخاصة بالجباية المحلية بهدف إشراك أكبر للبلديات في عمليات تحصيل الضرائب والرسوم وإلى ضمان شفافية أكبر في التسيير المالي للجماعات وكذا إلى تعزيز مواردها. الوزارة قدمت أيضا مقترحا لترخيص الجماعات المحلية لاكتتاب قروض بنكية بفوائد ميسرة من الخزينة العمومية، وكذا من صندوق الضمان والتضامن للجماعات المحلية. الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها الولايات على ضوء الملف الذي أعدته "المساء" يعطي الانطباع بأن ذهنية التسيير لدى المنتخبين المحليين بدأت تساير المفهوم الجديد لتصور الدولة، على ضوء التعليمات التي وجهها الوزير الأول ووزير الداخلية خلال لقاءات دورية مع الولاة والذين ستنصب مهمتهم بالدرجة الأولى مستقبلا على تحرير المبادرة الاقتصادية من منطلق أن عهد التحويلات المالية المركزية لسد نفقات التسيير التي عرفت تصاعدا مستمرا قد ولى، وأن عليهم البحث عن موارد الدخل لضمان استمرارية الإنفاق بالشكل المطلوب، مع السهر على ترشيد النفقات وجعلها مرجعا في كل قرار قد تترتب عليه آثار مالية خاصة نفقات تجهيز المصالح الإدارية وتفادي النفقات المتكررة غير المبررة وتصويبها وتثمين ممتلكات البلديات والولايات.