أكدت البروفيسور صباح عياشي، الخبيرة ب«اليونسيف» ومديرة مخبر الأسرة، التنمية والوقاية من الانحراف بجامعة بوزريعة، ورئيسة المجلس العلمي للمركز الوطني للدراسات والإعلام والتوثيق في الأسرة والمرأة والطفولة، أن إرهاب الطرق من أهم قضايا الساعة نظرا لتفاقم حوادث المرور، وإن علاج المشكل يكمن في التنشئة الاجتماعية للأسرة وغياب لغة الحوار والاتصال والممارسات الاجتماعية الخاطئة وعدم ضبط الوقت وإدراك قيمته، مشيرة إلى أهمية تضافر المجهودات بين القانوني والإعلامي والأخصائي الاجتماعي ورجال الأمن وكل ما له علاقة بمؤسسات الدولة للتوجيه والترشيد. تقول البروفيسور عياشي في وصف حوادث المرور، والسبب الرئيسي لما يحدث في طرقنا: «إرهاب الطرق لم يترك لا صغيرا ولا كبيرا، لا امرأة ولا رجلا ولا كهلا ولا شابا ولا طفلا، بالتالي نجد كل الفئات الاجتماعية مستهدفة في هذا الموضع لأنه يتطلب في نفس الوقت توعية كل هذه الفئات والأساس الذي نبدأ منه في رأينا هو الأسرة، لأنها تمثل القاعدة التربوية التي لا يمكن لأية مؤسسة أخرى أن تخلف مكانها، إلا إذا تم التخلي عنها، فإذا أردنا إنجاح مشروع أو إستراتجية وطنية أو تطبيق قانون وضعي، فعلينا الرجوع إلى الأسرة وإلى الممارسات الاجتماعية، فما نلاحظه انطلاقا من الواقع الاجتماعي أنه ليس هناك أسرة واحدة بل عدة أسر، فكل أسرة تحمل ثقافة فرعية وكل واحدة منها تعرف الانضباط، احترام الآخر، احترام القانون ولكن المعايير التي يمكنها أن تجسد هذه القيمة تختلف من أسرة لأخرى، حسب طبيعة التنشئة الاجتماعية التي قامت بها كل أسرة اتجاه أبنائها هذا من جهة. من جهة أخرى، نلاحظ أن حوادث المرور وتفاقمها له عدة أسباب، فهناك أسباب قاعدية وهي الأسرة ودورها وهناك أسباب أخرى مكملة لذلك، أو في قطيعة مع الأسرة، على غرار الأسباب التقنية للسيارات وطريقة إنجاز الطرق والمعايير التي أنجزت من خلالها، بالتالي نلاحظ أن هناك نسبية، وهي أحد الأسباب الرئيسية، فمن خلال بعض الاستجوابات التي قمنا مع الأفراد والأسر، لاحظنا أن المشكلة ليست في الأسر إنما في الطرق، هناك حفر كبيرة في الطرق السريعة التي نجد فيها عراقيل تقنية وهذا من الأسباب الرئيسية للحوادث. السبب الثاني يعود للأسرة والممارسات الاجتماعية، فالأسرة هي التي تعطي ابنها صلاحية قيادة السيارة دون إعطائه القيم السلوكية الصحيحة، لأن الهدف من قيادة السيارة هو أن نربطها بقيادة العقل والسلوك الاجتماعي الإيجابي، فالأب من أجل أن يرضي ابنه، يشتري له سيارة لكنه يهمل الجانب الاجتماعي السلوكي، أي أن يعلم ابنه كيف يحترم الآخر وكيف يقود السيارة بطريقة حضارية كسلوك تربوي تميزه اللباقة مع الآخر، نحن نسوق مع الآخرين ونسوق للآخرين. غياب النصح والإرشاد والتواصل أكدت المختصة الاجتماعية أن غياب التواصل والحوار والنصح والإرشاد وراء الكوارث، لأنه من بين السلوكات التي تعلم منذ الصغر أن حريتك تنتهي عند حرية الآخر، فهي قيم حضارية إنسانية تبدأ من الصغر. هناك المتهور والحاقد و«المسترجل» أضافت البروفيسور عياشي في شرح حالات السائقين قائلة: «فمع الآخرين نلاحظ وجود تنشئة اجتماعية، ولكل شخص ممن نراهم في الطرق مجموع صفات ترتبط أساسا بتكوين شخصيته، فهناك المتهور والرزين وهناك حامل الحقد ومن يحب إظهار رجولته ومن لا يحتمل سياقة المرأة للسيارة، وهناك من يريد إظهار أنه أحسن من الآخر، وهناك من له ظروف عائلية وأسرية صعبة وهناك من يقود وهو في حالة غضب وتوتر لأنه يمر بأزمات أسرية، وأضافت موضحة: «هناك مشكل كبير آخر يتمثل في الوقت، فنحن لم نتعرف بعد على ضبط الوقت، إذ تذهب أوقاتنا كلها في الطرق، نضيع وقتا كبيرا للوصول إلى مكان آخر بسبب كثرة الطابوهات والحواجز، وهي في صالح أمن المواطن، لكن لابد أن نجد سبلا أخرى لفتح طرق أخرى وتعزيزها بوسائل المواصلات، على غرار الترامواي والميترو اللذان ينقصان من الضغط والزحمة، وقد صرفت الدولة أموالا كبيرة في هذا المجال لتخفيف الضغط». تعاطي المخدرات أشارت البروفيسور إلى أن تعاطي الخمور والمخدرات وانتشارها في أوساط الشباب وراء الكوارث، مشيرة إلى أن الأسرة لا تراقب أبناءها ولا تتعرف على الأعراض السوسيولوجية للمخدر لديهم، غائبة بالتالي عن المسؤولية. السرعة مرتبطة بظروف اجتماعية تواصل البروفيسور بالشرح فيما يخص هذا الشق بالقول: «السرعة أساسا مرتبطة بظروف اجتماعية وأسرية وظروف قهرية، فلا يوجد شخص سوي يجري ويسرع ويغامر بنفسه، فإما لديه أطفال صغار ينتظرونه في مكان ما، كالروضة أو المدرسة ومع الزحام، مثلا، تصل الأم متأخرة وهي تقود السيارة متوترة طوال المسافة خشية من الظواهر التي عرفها مجتمعنا، على غرار اختطاف الأطفال. حلول علمية للظاهرة: عدم التمييز بين الذكر والأنثى، مراقبة الأسرة للأبناء، التنشئة الاجتماعية السليمة وقدمت البروفيسور عياشي جملة من الحلول العملية التي تحرص على وضع أسسها اجتماعيا قائلة: «نلاحظ أن الأساس في التنشئة الأسرية أنها تبدأ بتعليم القيم الحضارية، وقد حرصنا ووفقنا في إنشاء تخصص جديد في علم الاجتماع العائلي والطفولة والرعاية الاجتماعية، وهو على ثلاثة مستويات، ببرنامج متميز لا يوجد في دول أخرى، يهتم بكل الفئات الاجتماعية؛ المرأة، الرجل، الطفل، كبير السن وفئة ذوي الاحتياجات الخاصة. ففي الليسانس يعرف بعلم الاجتماع العائلي والطفولة، وفي الماستر يعرف بالعلم الاجتماعي العائلي والطفولة والرعاية الاجتماعية، وفي الدكتوراه هو مسار أكاديمي من ليسانس ماستر، دكتوراه، أطلقنا عليه اسم علم الاجتماع العائلي والعمل الاجتماعي والمراهقين والشباب، وهو اجتهاد شخصي، وحاليا على مستوى الدكتوراه والماستر في الدفعة الثالثة، نحن نقوم بعمليات تحسيسية بعد رصد المشاكل والأزمات التي تعانيها الأسرة ونعمل على توجيهها لتخدم نفسها والمجتمع ويكونا سليمين. فنحن نشجع الأسر التي تعلم أبناءها منذ الصغر كيف يقطع الطريق، كيف يحافظ على الآخر وكيف يقود السيارة إذا كان متوترا وكيف تقيه من المخدرات، فكلها قاعدية في بناء المجتمع والتقدم لأنها تساهم في بناء المجتمع وازدهاره، وأضافت المختصة قائلة: «لا ينبغي أن نميز بين ذكر وأنثى لأنهما مواطنان ينتميان إلى هذا الوطن العزيز، فينبغي أن يحصلا على حقوقهما ويقومان بواجباتهما تجاه الآخرين». الأخصائي الاجتماعي الحل الأمثل ومؤتمر دولي لعلاج الظاهرة في الأفق ترى البروفيسور عياشي أن تشجيع الأخصائي الاجتماعي على ممارسة مهامه وتضافر جهود الجميع، هو الحل الأمثل للحد من حوادث المرور وإرهاب الطرق والوقوف في وجه الآفات الاجتماعية، تشرح بالتفصيل: «لابد من تضافر الجهود مع كل المؤسسات الأمنية، الجيش الشرطة والدرك الوطني، فهم مشكورون على ما يقدمونه من أمن للمواطن، وأن يتم التنسيق مع الأخصائي الاجتماعي خاصة لأنه يحمل معارف عملية ومهارات تجعل النتائج إيجابية، إذ يمكنه العمل مع الحقوقي في سد وإيجاد بعض القوانين مع التغيرات التي تطرأ على المجتمع، مثل قانون التنقيط الذي يعتبر إيجابيا ومحفزا على الانضباط، كما يستوجب أيضا تضافر الجهود بين القانوني والإعلامي والأخصائي الاجتماعي ورجل الأمن وكل ما له علاقة بمؤسسات الدولة، فهي عوامل إذا استطعنا أن نقوم بالتنسيق فيما بينها والتوجيه والترشيد، يمكننا تقديم أشياء عملية للأسرة، ومنه الحد من الآفات، علما أننا بصدد التحضير لمؤتمر دولي للحد من حوادث الطرق، إذ سيحضره أخصائيون جزائريون وخبراء عالميون، وستعرض خلاله كل دولة تجربتها في محاربة إرهاب الطرق ونبحث فيما فعلته الدولة النموذج ومنه تبادل التجارب واستغلال خبرائنا، خاصة الأخصائيين الاجتماعيين في هذا المجال، وهم خبراؤنا 100 بالمائة.