تتحدث الدكتورة في علم الاجتماع صباح عياشي رئيسة مخبر الأسرة، التنمية والوقاية من الانحراف والإجرام في هذا الحوار عن الأبعاد الثقافية والاجتماعية لظاهرة الإدمان على المخدرات، وتشير إلى أن للظاهرة جوانب متعددة اجتماعية واقتصادية أدت إلى انتشارها أكثر في المجتمع، مؤكدة على أهمية دور المختص في علم الاجتماع العائلي، الطفولة والعمل الاجتماعي في التوعية والتحسيس من العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية. يقال عادة أن الجو السائد داخل الأسرة يلعب دورا مهما في الدفع إلى تعاطي المخدرات فما مدى صحة هذا القول؟ بداية أقول بأن إدمان المخدرات ظاهرة آخذة في التوسع نظرا لأننا إلى حد الآن، لم نجد علاجات وقائية عملية تتفاعل فيها كل الأطراف أساسا، من مختصين في علم الاجتماع العائلي والطفولة والعمل الاجتماعي ونفسانيين ومن الجمعيات، كما أن منها فتح مراكز لمعالجة المدمنين على هذه الآفة، بالإضافة إلى ضعف التكامل بين مختلف المؤسسات والهيئات الرسمية مما يجعلنا كمختصين في علم الاجتماع ندق نواقيس الخطر على مستقبل الشباب في الجزائر، فمهما قمنا ببعض الحلول فيما يخص امتصاص البطالة وغيرها، فإن توعية الأسرة الجزائرية ضرورية من خلال تفعيل آليات عملية يشترك فيها الجميع. وبالعودة إلى سؤالك، فإنني أشير إلى أن الأسرة هي ”المحضن” الأول للطفل، بالتالي فإن الظروف المتداخلة التي ينشأ فيها هذا الأخير، إضافة إلى عدة عوامل منها اللامبالاة بالطفل والمراهق في الأسرة مع غياب التواصل بين الأطراف، إلى جانب ضعف الوازع الديني وتدني المعاملات بين الأزواج أنفسهم، إلى جانب اختلاف المستوى الثقافي بين الزوجين ووسائل التكنولوجيا الحديثة التي جعلت الشاب يتقوقع على نفسه وهو داخل أسرته، فتزداد الهوة بين الأفراد.. كلها عوامل تحفز إدمان الشباب، لذلك نؤكد على التوعية الأسرية التي تزداد أهمية، والقصد بها تعاون الأسرة كلها في وقاية أبنائها من خطر الانحراف بكل أشكاله، كما يظهر أهمية الاستشارة المتخصصة التي يمكن أن تفيد الأسرة في هذا الأمر، أو حتى في احتضان المدمن بعد العلاج، نحن هنا نتحدث عن دور المختص الاجتماعي العائلي الذي نرتقب في 2015 تخرج أول دفعة منه تتكون من 60 مختصا، وينتظر منهم سد الفراغ من مجال الوقاية والتوعية الأسرية من كل الظواهر الاجتماعية المتربصة بها.
هل ينتظر من هذا الاختصاص احتواء الظواهر والأمراض الأخلاقية أو العمل في الجانب الوقائي لا غير؟ الأصل أن عمل المختص في علم الاجتماعي العائلي والطفولة والعمل الاجتماعي هو الوقاية والتوعية الأسرية، فهو بمثابة استثمار للمختصين المتكونين في هذا الاختصاص وتوظيفهم في أغلب المؤسسات للتقليل على الأقل من الظواهر الاجتماعية السلبية، صحيح أن فيه مختصون في علم النفس في دور استقبال وتوجيه الشباب، لكن نادرا ما يوجد بها مختصون في علم الاجتماع الذي توكل إليه مهمة إعادة بناء المدمن أو المنحرف، فالظواهر الاجتماعية موجودة ولا يمكن إنكارها لكن العلم بوجودها يعني العمل على الحد منها، وأحد أهم طرق العلاج احتواء المدمن وإعادة دمجه في مجتمعه مجددا حتى يكون من جهته طرفا آخر في القضاء على الظاهرة بشكل أو بآخر. فما نلاحظه الآن هو تهميش العائلة نفسها للمدمن، فهل يقبل بالعلاج؟ أحيانا يرفضه لأنه بالنسبة إليه مخرج من مشكلات اجتماعية كثيرة يعاني منها. هذا إلى جانب معضلات أخرى متعددة الجوانب يعاني منها كامل المجتمع لابد من العمل وبشكل جاد على حلها من سكن وتوفير العمل المناسب والحريات وغيرها، لتنقية الأجواء وتخليصها من الشوائب التي تشجع على الكثير من الظواهر والأمراض الأخلاقية والسلوكية السيئة، ومن ضمنها ظاهرة تعاطي المخدرات.
قبل الحديث عن الوقاية، هل ترون أن البحوث المتخصصة أعطت ظاهرة إدمان المخدرات حقها، وهل يتم تفعيل توصياتها؟ البحوث موجودة حقيقة، لكن الإشكال يطرح في عدم التنسيق بين الجهات، هذا من جهة، ويظهر من جهة أخرى في تفعيل دور الأخصائي في علم الاجتماع العائلي والطفولة التي تحدثت عنه سابقا، صحيح أن التخصص تم استحداثه في عام 2011 ونحن ندعو الجهات المعنية إلى الاعتراف بهذا الأخصائي، مع أنه أساسي في الوقاية من الأمراض الاجتماعية داخل الأسرة وخارجها. هؤلاء المختصون يحملون مهارات علمية عالية في مجال الترشيد الأسري والتنسيق بين الأسرة ومختلف المؤسسات. وانطلاقا من دراسة الظروف الاجتماعية للأسر سيكون للمختص تنبؤ بما قد يحدث للأفراد في المستقبل القريب بحكم احتكاكه الكبير بالأسر وأفرادها، للتحذير والوقاية وأخذ التدابير اللازمة لمواجهة كافة أشكال الظواهر الاجتماعية السلبية الممكن أن تتربص بالأسر.
لكن هذا لا يعني أننا سننتظر إلى حين تخرج أولئك المختصين لتفعيل آليات الوقاية! صحيح الآليات موجودة، فقط لا بد من التنسيق المتكامل والجدي بين مختلف القطاعات، اليوم الجزائر لديها استراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات سطرها مختصون وخبراء، كذلك هناك استراتيجية وزارة التضامن الوطني 2013-2015 التي عمل عليها مختصون وخبراء وتهتم بمحاور رئيسية، منها حماية الطفولة، ترقية المرأة وحمايتها من العنف، الاهتمام بذوي الإعاقة وكذا مساعدة كبار السن..الخ، وهي محاور مهمة جدا تعنى بحماية الأفراد والأسر والمجتمع بأكمله من كل أشكال الظواهر السلبية التي قد تهدد استقراره، لكن الإشكال يطرح دائما في عدم التنسيق، كما يطرح على مستوى عدم الاعتراف بدور المختص في علم الاجتماع العائلي والطفولة والعمل الاجتماعي لحد الآن. نعتقد أنه قبل التحسيس لدى المجتمع بأهمية هذا المختص، لا بد أولا من تحسيس السلطات بأهمية دوره وتفعيله خاصة في المؤسسات التربوية، المستشفيات، مراكز الرعاية ومراكز إعادة التربية. الترويج لهذا المختص من شأنه العمل على تقبل دوره، بالتالي استشارته خاصة من طرف الأسر لتسطير ‘العلاج' لأي مشكلة اجتماعية قبل حدوثها. لكن نؤكد على أهمية التنسيق بين كافة الجهات الرسمية والمجتمع المدني، ومن ذلك القطاعات الصحية، الاجتماعية، الاقتصادية، حقوقيون، مفكرون، الجمعيات المهنية والنسائية ..الخ، للمشاركة في الكشف عن الأسباب الحقيقية للمشكلة وفي وضع الحلول بشكل جماعي، بحيث يتم تناول مختلف جوانب الظاهرة مع الدراسات العلمية للظاهرة، حتى يمكن القضاء النهائي عليها بما يحمي الشباب والمجتمع ككل.
هل تؤكدون القول بأن الأسرة قد تدفع أبناءها بطريقة أو بأخرى نحو الإدمان؟ إلى حد ما، والمعنى أن الأسرة قد تعطي المثل السيئ لأفرادها، من ذلك إرسال الأب ابنه لشراء سيجارة، وثبت ميدانيا أن هذه الأخيرة أول طريق نحو المخدرات، من أماكن بيعها، ومن المعروف أن الأطفال سريعو التأثر بآبائهم وتقليد أفعالهم، وهو ما يؤدي بالطفل إلى تجربة التدخين خاصة إذا اشترى لوالده السجائر بالتفرقة، ومع بعض التأثيرات من المحيط، مثلا ترويج مخدرات أو مهلوسات في المدرسة للحصول على المال السريع، كلها عوامل تؤثر كثيرا على تعاطي المخدرات. هناك أيضا تأثير نمط العلاقات بين الزوجين في الجنوح نحو الإدمان، فقد يكثر الشجار بين الوالدين، مما يفقد الطفل الشعور بالأمان، أو يتحول الشجار إليه فيضربه أبواه أو يقسوان عليه، ويصبح في وضع متأرجح يملأه الخوف على مصيره والقلق والإحساس بالضياع، وقد يؤدى ذلك إلى تعاطيه المخدرات في سن مبكرة، إلى جانب تأخره الدراسي.
أين الحل بين هذا وذاك من وجهة نظركم كمختصة في علم الاجتماع؟ هناك عدد من الخطوات العامة التي يمكن الاسترشاد بها في تنفيذ الحلول المتعلقة بمكافحة ظاهرة المخدرات، ومن ذلك تنبيه عام للآباء والأمهات والإخوة الكبار بالعمل على أن يتخذهم الأطفال الصغار قدوة لهم في سلوكاتهم، ومعرفة أنهم يلحقون الضرر بالأجيال إذا أدمنوا على التدخين أمامهم، كما أنه من المهم تنمية الوعي لدى الناس بإمكانية تغلبهم على مشكلاتهم كيفما كانت ومقاومة الضغوط النفسية والاجتماعية بأشياء أخرى، بعيدا عن المخدرات، فالحياة حافلة بالعراقيل، لكن الإرادة وقوة التحمل عاملان يخدمان الشخص، ومن المهم أيضا توجيه البرامج التربوية حول المخدرات لزيادة معرفة الطلاب بها من الناحية العلمية وتغيير اتجاهاتهم نحوها، والأهم على الإطلاق ضرورة تكامل الجهود بين كافة قطاعات المجتمع لبيان آثار المخدرات وشرح أخطارها وآثارها للابتعاد عنها.