أجمع الناشط والباحث في الحركة الأمازيغية سليم سوهالي والباحثان محمد ارزقي فراد وعبد الحميد بورايو، على أهمية ترسيم يناير عيدا وطنيا مثله مثل سائر الأعياد التي تحتفي بها الجزائر. كما دعوا إلى إعادة الاعتبار لهذا الجزء من هويتنا وعدم الاقتصار على الاحتفال به فلكلوريا. «المساء» اقتربت منهم ورصدت آراءهم حول ثلاثة أسئلة هي: هل يمكن ترسيم يناير عيدا وطنيا؟ ما هو راهن الاحتفال بيناير، بشكل آخر، ما تبقى من يناير اليوم؟ هل تناول الأدب والفن الجزائريين يناير، نفس الشيء بالنسبة للباحثين والجامعيين، أي هل درسوا وبحثوا حول يناير؟ الدكتور عبد الحميد بورايو: أرجو أن تستجيب السلطة لمطلب الشعب تمنى الدكتور بورايو أن تستجيب السلطة للمطلب الشعبي المتعلق باعتبار يوم يناير احتفالا رسميا ورمزيا مثل بقية الأيام والأعياد الوطنية، فهو يملأ فراغا يتعلق بالتذكير بالهوية الأمازيغية للجزائريين، وهو بعد علينا تأكيده إلى جانب البعدين الإسلامي والعربي والوطني (تاريخ المقاومة والحركة الوطنية والثورة)؛ فهي جميعا تشكل شخصية الإنسان الجزائري عبر التاريخ، مضيفا أنه لابد أن تنتقل دلالتها الرمزية للأجيال الجديدة كي تظل متمسكة بهويتها وتشرئب إلى المستقبل الذي يجعلنا مرتبطين بالعالم. في المقابل، أشار الدكتور بورايو إلى أن الحديث عن يناير بدأ في المجتمع الجزائري يوم فرض المطلب الهوياتي المتعلق بالثقافة الأمازيغية نفسه بإلحاح على المجتمع الجزائري واستجابت له الدوائر الرسمية وكذلك الجمعيات المدنية، خاصة منها الثقافية، وعرف الاحتفال به إقبالا خلال الأربعين سنة الأخيرة (منذ بداية الثمانينيات) وخاصة في المناطق التي مازال أهلها يستعملون اللهجات الأمازيغية. وأضاف أن مثل هذا الأمر غُيب تماما في العشرين سنة الأولى من الاستقلال. حيث كانت هناك احتفالات بسيطة في الأوساط الريفية وهي من عناصر التراث المستمر في بعض الأوساط، خاصة منها القروية. كل ذلك يدل على أن المسألة تتعلق بالهوية بالدرجة الأولى، خاصة أن العناية بها ظهرت في لحظة تأزم المجتمع الجزائري لما ظهر الاتجاه السلفي الوهابي الذي عمل على إلغاء البعد الهوياتي المتعلق بالتراث القديم البربري السابق على ظهور الإسلام. كما أكد المتحدث أن الاهتمام بيناير يظل مسألة عناية بالهوية، فشبابنا بحاجة إليها، لكن الأمر يحتاج إلى ترشيد واهتمام معمق ذي طبيعة ثقافية، وفرصة تواصل بين أعضاء المجتمع ومناسبة لتأكيد البعد الأمازيغي في حياتنا وثقافتنا، الذي يمثل تجسيدا رمزيا لتواصل الأجيال للتجذر في التاريخ. في إطار آخر، اعتبر الدكتور أن بعض الأبحاث المتعلقة بالتراث الشعبي تم تناولها في جامعات جزائرية، من بينها ظاهرة الاحتفال بيناير وبعض الطقوس المشابهة له مثل «أنزار» (في بلاد القبائل) وشايب عاشوراء (في الشرق الجزائري) والعيرادي (في خميس بني سنوس) الخ. وفي هذا السياق، ناقش الدكتور بورايو في تيزي وزو أطروحة دكتوراه حول هذه الاحتفالات منذ بضعة أشهر، وهي عبارة عن بحث ميداني قدمته طالبة من سطيف، أبرزت إمكانية القيام بمثل هذه الدراسات بغرض التعرف على التاريخ الثقافي وعلاقته بسلوك الأفراد والجماعات في الحياة العامة. وأضاف الدكتور أنه بالنسبة للفنون نجد معالجة مسرحية عرفتها مدينة تلمسان وقرية بني سنوس في أقصى الغرب الجزائر، اعتبرها من آثار جهد الفنان المسرحي علولة الذي دفع أفرادا من فرقته إلى العناية بهذا الأمر وتقديم أعمال فنية، وكان بعض المسرحيين الذين تكونوا على يديه يقيمون احتفالات يناير بإحياء طقوس الأداء التمثيلي واستخدام الأقنعة بطريقة حديثة مستمدة من الماضي، ليؤكد أن هناك حاجة ماسة بهذا الشأن لبحوث ميدانية في الأنثروبولوجيا وفق منهجية علمية، كما أن الكتاب والفنانين ورجال المسرح بإمكانهم أن يستوحوا هدا العنصر لإنتاج أعمال أدبية وفنية تصنع ثقافتنا المعاصرة. الباحث سليم سوهالي: ترسيم يناير اعتراف بالأمازيغية كثقافة وطنية قال الباحث سليم سوهالي بأن ترسيم يناير عيدا وطنيا مطلب مهم، لأن ذلك يدخل ضمن الاعتراف به ثقافيا بعدما تحقق مطلب الاعتراف باللغة الأمازيغية دستوريا، كما أنه جزء من هويتنا، مضيفا أنه من جيل كان يحرم عليهم الحديث باللغة الأمازيغية واليوم أصبحت هذه اللغة معترفا بها دستوريا، ليدعو إلى أهمية تثمينها من خلال وضع مؤسسات تساهم في ذلك، علاوة على فتح الباب أمام الباحثين في الأنثربولوجيا للغوص في الثقافات الشعبية والابتعاد عن التهريج الذي يصاحب المهرجانات الآلية التي بدورها تستعمل لأغراض سياسية. كما أكد سوهالي وجود وعي في المنطقة التي ينحدر منها في استرجاع وتثمين الموروث الشعبي الثقافي «يناير» والذي يعتبر جزءا من الميثولوجيا الأمازيغية، مضيفا أن هناك محاولة لاستغلاله في السياحة وتثبيته في الذاكرة الجماعية. في المقابل، أعاب تضييع الشباب الجزائري لمرجعياته، بفعل قصف إعلامي من طرف فضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي ضمن ما يسمى بالعولمة، وهو ما أثر بشكل سلبي للغاية على مقومات الثقافة الوطنية، ليضيف بأن الدولة بحاجة ماسة إلى مشروع مجتمع يرتكز على لحمة ثقافية متكاملة، كما يجب أن يكون هذا المجتمع متصالحا مع ذاته، إضافة إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار لكل الثقافات في الجزائر ولكن «لا حياة لمن تنادي» -يتحسر محافظ مهرجان المسرح الأمازيغي-، وهاهي النتيجة؛ شباب ضائع دون مرجعية ثقافية وتبني جهات سياسية لكل وعي ثقافي. وأضاف أن الأمور اختلطت على الفنان فلم يعد يعلم هل ما يمارسه فن أم سياسة. كما أشار إلى أن جمعيات تحوّلت مهامها فأصبحت تحتضن مهرجانات موسمية مناسباتية، وهو ما ينبذه الفنان الذي يؤكد على ضرورة الاهتمام بالموروث الأمازيغي بشكل متواصل وأن لا يقتصر ذلك على الجانب الاحتفالي، بل يمس أيضا الدراسات والبحوث الجامعية التي مع الأسف لا تهتم كثيرا بالمواضيع التراثية المهمة. أما عن تناول الأدب الجزائري أو حتى الفن ليناير، فقال الفنان التشكيلي بأن المبدع الحقيقي فقط من يهتم بخدمة الثقافة الوطنية، وهو ما كان عليه حينما قدم مسرحية غنائية ناجحة «تاسليت أن و أنزار» أو (عروس المطر) التي تحكي عن الموروث الأمازيغي «بوغنجا»، مضيفا أنه لأول مرة يتم تناول موضوع حول هذا التراث في المسرح ولم تكرر التجربة باعتبار أن المكلفين بالمسارح الجهوية موظفون وغير مبدعين، يضيف سوهالي. واعتبر ابن باتنة أن الكثير من المسرحيين يهتمون بالاقتباس من نصوص كلاسيكية إنجليزية، بحجة غياب الأدب الجزائري رغم أن هذا الأخير يضم أول رواية كتبت وهي «الحمار الذهبي» لأبوليوس، ليعود ويؤكد غياب مشروع مجتمع في الجزائر، معتبرا أن وزارة الثقافة لم تلعب دورها في هذا المجال، بل تهتم بتنظيم مهرجانات مناسباتية. الدكتور محمد أرزقي فراد: ترسيم يناير عيدا وطنيا تحصيل حاصل اعتبر الدكتور أرزقي فراد أن ترسيم يناير عيدا وطنيا، تحصيل حاصل كي تكتمل المصالحة، مضيفا أنه في سنة 2002 دخلت اللغة الأمازيغية في الدستور وفي سنة 2016 أصحبت لغة رسمية، لذلك حان الأوان أن تتحول إلى عيد وطني (أي عطلة مدفوعة الأجر)، مضيفا أن هذا الأمر لن يدمر الاقتصاد بما أنه يكمل حلقة المصالحة مع الذات ومع الهوية. أشار الدكتور إلى استعمالنا للغة العربية والحساب الهجري وكذا اللغات الأجنبية والسنة المدنية، لنعتمد أيضا على السنة الأمازيغية وتكتمل حلقة مصالحة، ليعود ويؤكد على عدم تسبب هذا الأمر بأضرار على الاقتصاد، مقترحا تعويض الاحتفال يوم 19 جوان، سابقا، بالاحتفال بعيد يناير. في المقابل، قال الدكتور بأن يناير مكون أساسي في الهوية الجزائرية، ويحمل أهدافا روحانية واجتماعية وغيرها، مشيرا إلى أن يناير افتقد مع مرور الزمن بعض مظاهر وثنية، وانتقال المجتمع من فلاحي مائة بالمائة إلى مجتمع معقد يعتمد على الصناعة وغيرها، أفقده أيضا بعض خصوصياته، ليؤكد أن ماتبقى منه يتمثل في مكونه الثقافي الأمازيغي الذي نعتز بالاحتفاظ به، فلم يعد لديه بعد روحي ولا ديني بل أصبحت له صبغة ثقافية لا غير. مضيفا أن يناير جزء من هويتنا في زمن انهيار البترول، حيث يمكن أن يكون مصدر ربح للبلد، فمثلا تقوم الفنادق الفخمة بتحضير وجبات أمازيغية في يناير وجذب السياح من خلال «كرنفال الأسد». في إطار آخر، أشار الدكتور إلى أن الأدب الأمازيغي شفوي في غالبيته، والكتابات حوله بدأت منذ ثلاثين سنة، كما أنه منحصر في عامته في القصة، وهو ما كتب عنه في مؤلفه «أزفون، تاريخ وثقافة».