قرر وزراء منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبيك أمس، تخفيض إنتاج بلدانهم من النفط الخام ب1,5مليون برميل في اليوم، بداية من الفاتح نوفمبر المقبل، وذلك كإجراء يهدف إلى وقف التدهور المتواصل لأسعار النفط في الآونة الاخيرة. وقد أعلن عن القرار بالعاصمة النمساوية فيينا وزير النفط السعودي السيد علي النعيمي في اعقاب الإجتماع الإستثنائي الذي عقدته منظمة أوبيك في "فيينا"، للنظر في إمكانية مواجهة تقهقر أسعار النفط التي فقدت ما يفوق نصف قيمتها منذ شهر جويلية المنصرم، حيث وصلت إلى 64 دولار للبرميل وهو أدنى مستوى لها منذ ماي 2007، وذلك بسبب الأزمة المالية العالمية وما تبعها من تدني الطلب على الخام لدى الدول الأكثر استهلاكا. وأوضح الوزير السعودي أن "أوبيك" قررت خفض انتاجها الحالي ب1,5مليون برميل يوميا، بحيث يصبح الحجم الإجمالي للإنتاج 27,3 مليون برميل بعدما كان 28,8 مليون برميل، مع توزيع نسبي للكمية المخفضة بين اعضاء المنظمة بحسب سقف انتاج كل عضو فيها، مستبعدا في سياق متصل خفضا ثانيا في وقت لاحق. وجاء في البيان الختامي للإجتماع أن الأزمة المالية لها تأثير سيئ على الاقتصاد العالمي، حيث قلصت الطلب على الطاقة بصفة عامة وعلى النفط بصفة خاصة، "وذلك في سوق مون بما فيه الكفاية"، وأكد البيان أن الأوبيب وقفت على انهيار مذهل للأسعار لم يسبق له مثيل، وهو ما يعرض للخطر مستقبل العديد من المشاريع النفطية ويؤدي إلى إلغاء مشاريع أخرى، مما قد يسبب حالات ندرة في العرض على المدى المتوسط. من جهته أعلن السيد شكيب خليل وزير الطاقة والمناجم، الرئيس الحالي لمنظمة الأوبيك خلال ندوة صحفية أعقبت الاجتماع الاستثنائي أن الأسعار تحددها السوق، مذكرا بأنه حين ناهز سعر النفط في جويلية الماضي 147 دولارا لم يؤثر هذا الأمر في التضخم ولا في النمو، واعتبر أن "ما حصل سببه الإدارة السيئة للاقتصادات وأزمة الرهون العقارية الهالكة وتداعيات هذه الازمات"، كما لفت السيد خليل إلى أن قرار خفض الإنتاج لم يكن فقط بسبب الأزمة المالية الحالية، موضحا بأن الأمر يتعلق أيضا بوجود فائض في إمدادات النفط، وبدول لا تستطيع إيجاد أسواق لتسويق إنتاجها، وكذا شركات ليس بمقدورها أن تدفع ثمن النفط، وبالتالي فإن عملية خفض الإنتاج ليست بسبب ما يحصل في الأسواق المالية، "بل هي نتيجة لما يجري في سوق تمويل إمدادات النفط"،على حد تاكيده. وأشار السيد خليل من جانب آخر إلى أن قرار التقليص في إنتاج المنظمة قد يشكل بداية مسار للقيام بعمليات تقليص للحصص، قائلا في هذا الصدد "إذا كان يستلزم إتخاذ قرار جديد فسوف يكون ولن ننتظر حتما اجتماع الجزائر المقرر بوهران في 17 ديسمبر المقبل، "كما أوضح بأن حجم التخفيض المقرر لم يكن فقط بواقع 1,5 مليون برميل يوميا، وإنما بحجم 1,8 مليون برميل يوميا، بداية من نهار أمس، وإلى غاية نهاية السنة، على اعتبار أن البلدان الأعضاء بصدد سحب 300 ألف برميل يوميا من السوق، مؤكدا بأن أعضاء الأوبيك الخاضعين لنظام الحصص سيتحلون بالإنضباط ويطبقون التقليص الذي تم التعهد به وإن كان ذلك سيقلص في الوقت الراهن مداخيلهم النفطية. وكان السيد خليل الذي أجرى قبل بداية الإجتماع مشاورات مكثفة بفينيا، مع نظرائه بالدول الأعضاء بالمنظمة قصد التوصل الى اتفاق ملموس حول تقليص الإنتاج، أيد قبل الاجتماع خفضا معتدلا لانتاج المنظمة لتفادي تصاعد الأزمة المالية الدولية، مؤكدا بأن تخفيضا متواضعا للإنتاج لن يؤدي إلى احتواء التراجع الحاد في الأسعار. ويبدوا أن قرار المنظمة أمس، بتخفيض 1,5مليون برميل في اليوم لم يكن له تأثيرا ملموسا على أسعار الخام، حيث استمرت هذه الأخير صبيحة أمس، الجمعة في التراجع، وانخفضت الأسعار بسوقي لندن ونيويورك في المعاملات الآجلة، ليتدنى مزيج البرنت بسوق لندن إلى61 دولارا، بينما هبط سعر برميل النفط الأمريكى الخفيف بنيويورك إلى 62,85 دولار. وأرجع المحللون أسباب هذا الانخفاض في السعر إلى الوضع الهش في الأسواق العالمية بسبب الأزمة المالية، وإلى تحسن قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، الأمر الذي يثير مخاوف في أوساط الدول العضوة في منظمة الأوبيك، من أن قرار هذه الأخيرة بخفض الإنتاج لن يكون كافيا للسيطرة على انخفاض الأسعار في ظل تباطؤ النمو الاقتصادى وانخفاض الطلب على شراء الوقود، وبرأي الخبير ديفيد كيرش فإن منظمة الدولة المصدرة للنفط، تواجه حاليا أكبر تحد لها منذ الأزمة الاسيوية قبل عشرة أعوام، "لأن عليها وقف تراجع أسعار النفط من دون أن تزيد تداعيات الأزمة المالية الراهنة على زبائنها من الدول المستهلكة للنفط، "غير أن رئيس منظمة الأوبيك السيد شكيب خليل أكد بأنه لا يشعر بالقلق لاستمرار أسعار النفط في الانخفاض أمس، حتى بعد القرار الذي اتخذته المنظمة بخفض الانتاج، مشيرا إلى أنه من السابق لأوانه قياس أثر الخفض. وفي ردها على نتائج اجتماع اوبيك انتقدت كل من بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية قرار المنظمة بتخفيض الإنتاج، حيث وصف متحدث باسم الوزير الاول البريطاني غوردن براون القرار ب"المخيب للآمال"، لأنه يتعين على منظمة الأوبيك حسب تقديره، أن تأخذ في الحسبان تأثير قرارها على الإقتصاد العالمي، وأشار في هذا الإطار إلى أن الأزمة الإقتصادية الحالية لها تداعيات على كل دول العالم، "ولذلك ينبغي على الجميع تحمل مسؤولية عدم التأثير على الجهود التي بذلت لحد الآن من أجل إعادة الإستقرار للإقتصاد العالمي"، كما دعا وزير الإقتصاد مايكل غلوس الدول المنتجة للنفط على تحمل مسؤوليتها، والعمل على تجنيب الإقتصاد العالمي إضطرابات أخرى، من خلال رفع الأسعار، ومن جانبها اعتبرت الإدارة الأمريكية أن قرار منظمة "الاوبيك" مناوئا للسوق، وقال توني فراتو المتحدث باسم البيت الأبيض "رأينا على الدوام، هو أن قيمة السلع الأولية بما فيها النفط، يجب أن تتحدد في أسواق مفتوحة تتسم بحرية المنافسة وليس من خلال قرارات تتعلق بالانتاج، مثل تلك القرارات المناوئة للسوق" في حين أعلنت النرويج أنها لن تخفض انتاجها من النفط في ظل الظروف المتردية التي يمر بها الإقتصاد العالمي، رافضة بذلك دعوة منظمة الأوبيك التي نادت الدول المنتجة للنفط، غير المنخرطة في المنظمة إلى الإسهام في تحقيق استقرارا في الأسعار.