حلت الصحراء ضيفة على الشمال، بعد أن انتظرت زيارته طويلا، وحملت معها جوانب من ثقافتها العريقة وتركت بعض الأسرار التي لا يمكن كشفها إلا في عين المكان، وهكذا أثبتت كرمها المتعارف عليه في انتظار أن تجود أكثر، حينما تحتضن ضيفها الذي تأمل في قدومه قريبا، خاصة في هذه الفترة، حيث يعتدل طقسها.. في هذا السياق، يحتضن مركز الفنون والثقافة بقصر «رياس البحر» تظاهرة «لصحراء، تُلهم» إلى غاية العاشر من الشهر الجاري، حيث تضم معارض مختلفة تبرز مدى تنوع التراث الصحراوي وجماله أيضا. أوضح جمال سعداوي، رئيس مصلحة الاتصال والتبادل بمركز الفنون والثقافة بقصر «رياس البحر» ل«المساء»، أنه تم اختيار الفترة الممتدة بين الثاني والعاشر فيفري، لتنظيم هذه الفعاليات الخاصة بالصحراء، لأنّها تعتبر من أفضل الفترات لزيارتها واكتشافها، وكذا بغية إثارة فضول المواطن للتنقل إلى هذه المنطقة. وأشار إلى أن هذه التظاهرة تبرز الصحراء كفضاء سياحي وعمراني وثقافي، من خلال معارض تقدم نظرة عن أهم المواقع السياحية التي يمكن أن تزار، مثل القصور القديمة والبنايات والمواقع الأثرية. كما تبرز أيضا الصناعات التقليدية لأهل الصحراء من حلي وزراب وغيرها، إضافة إلى طبيعة عمران المنطقة والتأكيد على قدرة سكانها في ترويض الطبيعة من خلال تشييد مساكن ملائمة. وأضاف سعداوي أنّ التظاهرة لها جانب أدبي، حيث قدّمت محاضرة أمس بعنوان «الصحراء، حيوية الممتلئ والفارغ»، من تنشيط فريد إيغيل أحريز، فاطمة بعدون، رشيد بليل وإيدير عمارة، إلى جانب أمسية شعرية مع الشاعر عبد الرحمن جلفاوي الذي نظم ديوانا عن الصحراء، مع حفل لفرقة «فيبراسيون» حول الطابع القناوي. من جهته، كشف المصمم المشارك في هذه التظاهرة، لمين ابراهيم ل«المساء»، عن تخصصه في تصميم حلي منبثقة من ثقافة تمنراست. مضيفا أنه يعتمد على رموز وخصوصيات عاصمة الأهقار، مثل الخميسة والمفتاح وتيغنين (أوشام). في المقابل يقوم المتحدث رفقة أفراد من عائلته باستخدام مواد من المنطقة، مثل الحجارة والحطب والفضة لصنع هذه الحلي وكذا صناعات تقليدية أخرى، مشيرا إلى استفادته من تكوين على أيدي برازيليين، مكّنه رفقة آخرين من استعمال حجارة المنطقة ووضعها في الحلي، مثل الخواتم وغيرها، ليؤكّد وراثته لعملية النحت عن جده النحات المعروف لمين إبراهيم. ودائما مع الحلي، لكن هذه المرة مع تونيا مراك التي كشفت ل«المساء»، عن حبها لأناس الصحراء، وأبعد من ذلك، فهي تشعر بأنها منهم لأنهم يعيشون من دون حدود، وهو ما ينطبق عليها. مضيفة أنّها تقوم بتركيب مواد لصنع قلادات ستجبر لاحقا على بيعها لأنها تملك الكثير منها. أما المصور فؤاد بسطنجي، فقال ل«المساء»، بأنّه أراد من خلال عرضه مجموعة من الصور عن الصحراء، التأكيد على وجود الحياة في هذه المنطقة التي تجذبك إليها ويجود سكانها عليك بكل ما يطيب نفسك، مضيفا أنه يحب إثارة فضول الناس كي يزوروا الصحراء، وأن أكثر ما شده في هذه المنطقة، سكون سكانها وتباطؤ مشيتهم وكأنهم يدفعون بك إلى التقاط صور لهم، ليؤكّد أهمية تبادل الزيارات بين سكان الشمال والجنوب. في المقابل، ارتأت الفنانة التشكيلية فرح لادي أن تشارك بأربع لوحات من مجموعتها الخاصة في كل مناطق الجزائر، ووقع اختيارها على لوحات رسمتها حول تيميمون وغرداية وطاسيلي وتندوف بنظرة خاصة للغاية، حيث ذكرت ل«المساء» أنّها ترسم التفاصيل أولا على ظهر اللوحة الزجاجية، ثم تديرها، وتضفي عليها ما يجب أن يكون، بالتالي تستعمل الزجاج خلف وأمام اللوحة. كما أكّدت اهتمامها بالألوان التي تعكس من خلالها جوانب من التراث الجزائري، وتضفي على أعمالها نسبة من الحلم، في جو مليئ بالسحر والجاذبية. أما الرئيس الأسبق للحظيرة الوطنية للأهقار، السيد فريد إيغيل احريز، فعبر ل«المساء» عن حبه للصحراء التي وإن غادرها، تبقى في قلبه إلى الأبد. كما دعا سكان الشمال إلى الافتخار بتينهنان واعتبارها رمزا لهم، نفس الشيء بالنسبة لفاطمة نسومر والكاهنة بالنسبة لسكان الجنوب. كما اعتبر المتحدث أن الجزائر بلد متنوع جغرافيا وثقافيا وعلى سكانه بناء جسور بين كل أطرافه. للإشارة، تختم فعاليات «الصحراء تلهم» في العاشر من فيفري الجاري، مع العلم أنّ وزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي أكد على هامش حضوره افتتاح المعرض، أن الصحراء فضاء ملهم لكلّ المبدعين، وأنها تحرك الأشياء الجميلة، كما تأخذنا إلى التأمل في عجائب هذا الكون، مضيفا أن الله حبا الجزائر بهذه الصحراء التي باطنها ثروة وظاهرها ثروة.