يتوجه اليوم قرابة 47 مليون ناخب فرنسي إلى أكثر من 66 ألف مكتب اقتراع لاختيار اثنين من بين 11 مترشحا قرروا دخول سباق الرئاسيات الفرنسية، على أمل الحصول على المرتبتين الأولى أوالثانية المؤهلتين لخوض سباق الدور الثاني في السابع ماي القادم، والفوز بكرسي قصر الإليزي للخمس سنوات القادمة. ورغم هذه القائمة الواسعة فإن عمليات السبر المنجزة طيلة الحملة الانتخابية إلى غاية أمس، حصرت جميعها التنافس بين أربعة مرشحين وهم مارين لوبان، مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة والمرشح المستقل. ايمانويل ماكرون، وجان لوك ميلونشون، مرشح أقصى اليسار بالإضافة إلى مرشح اليمين فرانسوا فيون. وإلى غاية أمس، كانت حظوظ المترشحين متقاربة إلى الحد الذي ترك الترقب سيد الموقف في مشهد سياسي لم يسبق للفرنسيين أن عايشوه في الانتخابات الماضية التي كان التنافس فيها محصورا بين مرشحي الحزبين الاشتراكي وحزب وسط اليمين وبدرجة أقل مرشح الجبهة الوطنية جون ماري لوبان، الذي أزاحته ابنته وحجرت عليه سياسيا في داخل حزبه. وكانت آخر عملية سبر للآراء نشرت نتائجها ساعات قبل دخول المترشحين منعرج خط الوصول إلى القصر الرئاسي رشحت ايمانويل ماكرون، لتقدم السباق بحصوله على 24,5 بالمئة من أصوات الناخبين بينما وضعت مارين لوبان، ثانيا بحصولها على 22,5 بالمئة بفارق ضئيل عن المرشحين الثلاثة الآخرين. وهو ما يعني إذا صدقت مثل هذه التوقعات، أن الثنائي ماكرون ولوبان سيكون لهما شرف خوض الدور الثاني إلى قصر الإليزي في السابع ماي القادم مع احتمالات متزايدة لفوز الأول بكرسي الرئاسة الفرنسية بالنظر إلى التحالفات ونوايا التصويت التي عادة ما تفرزها الحملة الدعائية التي تسبق موعد الدور الثاني، وخاصة إذا سلّمنا أن عامة الفرنسيين رفضوا إلى حد الآن تولي الجبهة الوطنية قيادة بلادهم. ولكن ذلك لا يعني إقصاء المرشحين الآخرين إذا عملنا أن جان لوك ميلونشون، مرشح أقصى اليسار حصل هو الآخر على نسبة 19,5 بالمئة من أصوات الناخبين متقدما على مرشح اليمين فرانسوا فيون، الذي توقعت له الحصول على 18 بالمئة فقط. وهي نسب متقاربة «جدا» جعلت الترقب يطغى على مشهد سياسي فرنسي متذبذب حال دون التمكن من تحديد النوايا الانتخابية لربع عدد الناخبين الفرنسيين الذين يمثلون الأغلبية الصامتة (12 مليون ناخب) والمترددين الذين عادة ما يحسمون موقفهم ويختارون مرشحيهم في آخر لحظة وراء ستار العازل الانتخابي. ويتوجه الناخبون الفرنسيون إلى مكاتب التصويت ولأول مرة تحت طائلة حالة الطوارئ المفروضة منذ تفجيرات نوفمبر 2015 ميزتها إجراءات أمنية غير مسبوقة وخاصة في العاصمة باريس، وكبريات مدن البلاد على خلفية الهجوم المسلح الذي استهدف حافلة للشرطة في شارع «شانز اليزي» في قلب العاصمة باريس، حتم على حكومة برنارد كازنوف، تجنيد 50 ألف شرطي ودركي وأكثر من سبعة آلاف عسكري للاضطلاع بمهمة ضمان أمن العملية الانتخابية وتفادي أية مفاجآت غير سارة في موعد سياسي بأهمية الانتخابات الرئاسية. وبغض النظر عن رمزية المكان الذي نفذ فيه الهجوم الذي تبنّاه تنظيم «الدولة الإسلامية» الإرهابي فإن وقعه كان قويا على رأي عام فرنسي أتخمته وسائل الإعلام المختلفة بسيل المقالات المحذّرة من الإسلام والمسلمين والتطرف الإسلاموي، وهي كلها أوراق انتخابية حظيت بتركيز أكبر مقارنة بمشاكل البطالة والتشغيل ومستقبل علاقة فرنسا بالاتحاد الأوروبي، ومعضلة الخروج من دائرة الكساد الاقتصادي. وهي لغة التخويف التي طغت على خطاب مرشحي يمين الوسط واليمين المتطرف الذين سعوا من وراء خطاب الكراهية ضد الآخر، استقطاب رأي عام فرنسي وجد نفسه حائرا بين تجاذب مقاربات سياسية امتزج فيها التهويل بالوعود الوردية للقضاء على البطالة واستعادة مجد فرنسا الاقتصادي المتهاوي من سنة إلى أخرى. وزادت عملية الخميس الماضي، في تعزيز مقاربة التخويف وسط ابتهاج مارين لوبان، التي وضعت استراتيجيتها الانتخابية منذ البداية على هذا العامل مستغلة في ذلك الوضع الأمني في كل العالم وحالة الطوارئ المعمول بها في فرنسا منذ تفجيرات 2015. ونفخ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في رماد حادثة شارع شانز اليزي، عندما أكد قناعته أنه سيكون لها وقع ايجابي ومساعد لمرشحة أقصى اليمين في هذه الانتخابات، في تلميح واضح إلى تفضيله لها لقيادة فرنسا وخلافة الرئيس فرانسوا هولاند، يوم 14 ماي تاريخ تسليم واستلام المهام الرئاسية. يذكر أن الخطاب السياسي الذي انتهجته لوبان، طيلة أيام الحملة الانتخابية ساعدها لأن تتربع على نتائج عمليات السبر المنجزة، إلى غاية تمكن المرشح المستقل ايمانويل ماكرون، تغليب الكفة لصالحه منتفعا من الفضيحة السياسية والمالية التي عصفت بالمستقبل السياسي لأحد أشد منافسيه، مرشح اليمين فرانسوا فيون، وحصوله على تأييد الاشتراكيين الذين انقلبوا على مرشحهم بونوا امون، في آخر لحظة إلى الحد الذي جعل هذا الأخير يهدد بالانسحاب من السباق الرئاسي احتجاجا على الخذلان الذي لقيه من قيادات حزبه الذين أكد بعضهم تأييدهم لايمانويل ماكرون، واصفا ذلك بمثابة طعنة في الظهر وعدم التزام حزبي في موعد حاسم بأهمية الانتخابات الرئاسية.