كثيرة ومختلفة هي المشاكل التي يعاني منها الصحفيون الجزائريون مهنيا واجتماعيا ومعنويا، لكن للأسف لا يوجد لغاية الآن إطار نقابي منظم وقوي يدافع عنهم ويرفع انشغالاتهم دون حسابات شخصية أو سياسية في ظل خلافات وانشقاقات واتهامات متبادلة فيما بينهم كلما تعلق الأمر بتأسيس نقابة وهو ما يزيد من همومهم سيما وأن أغلبهم يعانون من واقع معيشي صعب، بل يوجد عدد معتبر منهم لا يُحظى لا بأجر محترم ولا حتى بتأمين اجتماعي في ظل تسلط واضح لما يسمى ب"أرباب الإعلام". لم يتمكن لغاية الآن الصحفيون من تأسيس نقابة أو نقابات قوية ومنظمة تدافع عن حقوقهم الاجتماعية والمهنية بالرغم من كونهم يُساهمون بقوة في تحقيق مطالب الفئات الأخرى من العمال وبالرغم من كون المشاكل التي يعانون منها تفوق بكثير مشاكل فئات عديدة أخرى، وقد انتهت كل المحاولات التي قام بها الصحفيون بهدف تنظيم الصفوف إلى الفشل بما في ذلك النقابة الوطنية للصحفيين "أس أن جي" التي لم تتمكن من تبليغ الانشغالات بالشكل المطلوب واكتفائها بنشاطات محدودة قيل فيها الكثير، أو النقابة الوطنية للصحفيين الجزائريين التي فشلت سنة 2004 حتى في عقد جمعيتها العامة وهي اليوم تريد العودة تحت اسم الفدرالية الوطنية للصحفيين الجزائريين وتحت مظلة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، إضافة إلى محاولات أخرى قام بها صحفيون، لكنها لم تصمد في بداياتها سواء بسبب ما يسمى ب "الجهوية" أو بسبب إكثار الحديث عن كون هؤلاء مُعربون وأولئك مُفرنسون، وهي كلها خلافات ساعدت كثيرا السلطات التي لم تفصل بدورها في موقفها من قطاع الإعلام بحيث ساعدها كثيرا هذا الوضع. وإذا كانت الصحافة تسمى ب "مهنة المتاعب"، فإن متاعب الصحفيين الجزائريين لا تقتصر على البحث عن الخبر ولا على نقص التكوين أو نقص حرية التعبير التي أصبح يعاني منها الكل سواء في الوسائل الإعلامية العمومية أو الحزبية أو ما يُسمى بالوسائل الإعلامية الخاصة "المستقلة"، بل تتعدى إلى مشاكل أخرى اجتماعية قد لا يتصورها من يقرأ لهم، كالبحث عن إيواء في آخر النهار والعمل لمدة سنة أو سنتين دون أجر ودون تأمين اجتماعي خاصة في بدايات سنوات العمل، ناهيك عن وجود عدد كبير من الصحفيين لا يتعدى أجرهم الحد الأدنى المضمون، أي 12 ألف دج، وهم يترقبون بشغف الزيادات المرتقبة في لقاء الثلاثية، أو وجود البعض منذ التسعينيات في سكنات أمنية الواحدة منها تضم غرفة واحدة ولديهم اليوم أطفال تجاوز سنهم 15 عام. في ظل هذه المشاكل التي لا تُحصى، يصعب على أصحاب هذه المهنة مسايرة التطورات التكنولوجية في مجال الإعلام والاتصال أو تحسين المستوى ويستحيل على العديد منهم امتلاك جهاز كمبيوتر محمول باعتباره وسيلة ضرورية للعمل أو تخصيص مبلغ مالي من أجرهم الشهري لتكوين أنفسهم مع غياب تنظيمات نقابية تساعدهم على ذلك، بحيث أصبحت هذه الأخيرة ضرورة تستدعي تجاوز كل الخلافات للحفاظ على المكتسبات التي تحققت في مجال حرية التعبير خلال عشرية التسعينيات والتي هي اليوم مهددة بقوة، أو في المجال المهني والاجتماعي بصفة عامة. وبالرغم من كون عديد المتتبعين للقطاع يُرجعون فشل تأسيس نقابات قوية ومنظمة إلى سياسة ممنهجة من قبل السلطات، إلا أن هذا الطرح يبقى بعيد عن الحقيقة، فحتى ولو كانت السلطة تريد بقاء هذا القطاع مشتتا، إلا أن عملية إنشاء نقابة تعود في المقام الأول إلى الصحفيين أنفسهم ليأتي فيما بعد الحديث عن كون السلطة لم تستجب لمطالب هؤلاء، والغريب في الأمر أن عدد كبير من الجرائد اليومية مثلا لا تتوفر على نقابة أو حتى على لجنة متساوية الأعضاء تجمع العمال بالإدارة، ومنه فإن مجال تحرك هذه الأخيرة يكون واسعا ومن الصعب تجسيد حتى القوانين المعمول بها سيما مع تواطؤ المؤسسات الرسمية المكلفة بالمراقبة بحثا عن رضا "أرباب الإعلام" وتجنبا لأي انتقادات قد تتعرض لها هذه المؤسسات. ولا يوجد أمام الصحفيين اليوم إلا التكتل وتجاوز الخلافات وتبادل التهم في صمت، باعتبار أن المرحلة الحالية حساسة جدا وقد لا تتوفر في المستقبل إذا سار القطاع في اتجاه معاكس لما تم التضحية من أجله.