وجه رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، أمس، إلى الصحافيين الجزائريين والأسرة الإعلامية في بلادنا، عشية احتفالهم باليوم العالمي لحرية الصحافة، رسائل قوية جدد من خلالها رفضه لأية ضغوط على الصحافيين أثناء أداء مهامهم وكذا رفضه لأي شكل من أشكال الرقابة القبلية في أداء مهمتهم. الرئيس بوتفليقة ثمّن الدور الكبير الذي تؤديه الصحافة الجزائرية على اختلاف وسائلها وتنوعها وتعدد توجهاتها وانتماءاتها (مسموعة ومكتوبة ومرئية وإلكترونية)، في بناء الوطن وكذا تضحياتها الجسام خلال سنوات الجمر، معتبرا أنها تطورت بفضل ترسانة القوانين التي تمت دسترتها لحمايتها، موازاة مع فتح الأبواب على مصرعيها لتقوم بدورها الوطني غير المنقوص، مما أهّلها أن تتبوأ المكانة المشرفة عربيا وإفريقيا وإسلاميا. ومع ذلك، دعا الرئيس الأسرة الإعلامية والصحافيين إلى مزيد من الاحترافية والتبصر والتمسك بالقوانين التي تحكم وتضبط قواعد المهنة مع الالتزام بملاحظات وتوصيات كل من سلطة ضبط السمعي البصري وسلطة ضبط الصحافة المكتوبة حين يتم تنصيبها. رئيس الجمهورية اعتبر أن المشوار مازال يتطلب جهدا أكبر لبلوغ الاحترافية المنشودة. وأكد رئيس الجمهورية العزم على «مواصلة الجهود المادية والمعنوية الرامية إلى الارتقاء بدور الإعلام إلى مراتب أعلى بحيث يدلي بدلوه هو الآخر حسا ومعنى في التنمية الشاملة للبلاد، ولا يقتصر دوره على نقل الخبر ونشره فحسب، وإنما يتعداه إلى صنع الرأي العام بكل مسؤولية وإخلاص وتفان وتعميم الحس المدني وقيم المواطنة». وأضاف السيد بوتفليقة أنه «لزام أن يتسع أفق الإعلام الجزائري ويرتقي بحيث يصبح أكثر فأكثر إعلاما مواطنا يسهم في بناء سد منيع يصد كل خطر يتهدد الوطن والمواطن، وفي الحفاظ على المكتسبات السياسية والبناء الديمقراطي الذي دفعت الجزائر في سبيله الآلاف من الشهداء والضحايا». رئيس الجمهورية الذي دعا إلى أن يتسم الخطاب الإعلامي بالهدوء والرزانة والاتزان، ذكر بأن الدستور المعدل الذي تمت المصادقة عليه السنة الماضية ما هو إلا «شاهد على ذلك». وتنص المادة 50 من الدستور المعدل على أن «حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية مضمونة ولا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية»، كما أن «نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية مضمون في إطار القانون واحترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية»، فضلا عن أنه «لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية». وخلص رئيس الجمهورية إلى أن الظروف التي تعمل فيها أسرة الإعلام ما تزال في حاجة إلى التحسين لكي تصل إلى ما يضمنه القانون من حيث حقوقهم الاجتماعية. نص رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة وجّه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أمس، رسالة بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا نصّها الكامل: «بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أيّتها السيدات الفضليات أيّها السادة الأفاضل. في مثل هذه المناسبة لا يليق الخوض في الحديث إليكم دون الوقوف وقفة العرفان والامتنان لأولئك الصحفيين الجزائريين الذين رافقوا ثورتنا المظفّرة مناضلين بأقلامهم وبأصواتهم وأفلامهم التي شحذت عزيمة شعبنا طيلة كفاحه من أجل استقلاله عبر جريدة المجاهد التاريخية وجريدة المقاومة وصوت الثورة الجزائرية من إذاعات تونس والقاهرة والناظور بالمغرب الشقيق. لقد كانت مساهمة تلكم الأصوات وتلكم الأقلام وتلكم الأفلام في كفاحنا من أجل الاستقلال أداة قوية لجلب قدر من المؤازرة والتعاطف والدعم والمساندة لقضيتنا الوطنية تجاوز نطاقه البلدان الشقيقة والصديقة التي وقفت إلى جانبنا في كفاحنا بكل الوسائل. وعلى سنّة الرعيل الثوري من إعلاميينا ناضل رجال ونساء إعلام الجزائر المستقلة نضالا يستحقون عليه تحيّة التقدير والإكبار، إذ ساهموا بنصيبهم في بناء دولتنا المستقلة طوال عقود من الزمن. أجل، في جزائر اليوم التي تزخر بقرابة مائتي جريدة وشتى القنوات التلفزيونية يجب ألا ننسى ما كان مطلوبا من مهنيي الإعلام الذين كانوا قلائل في بلادنا لتشغيل الإذاعة والتلفزيون بعد رحيل المستعمر وإعطاء انطلاقة قوية لوكالة الأنباء الجزائرية. أجل يجب ألا ننسى اليوم كل ما كان مطلوبا من الإعلاميين رجالا ونساء من جهود وتضحيات في غضون السنوات الأولى بعد استقلالنا لكي يتكفّلوا بإيصال الأخبار واستنهاض الهمم عبر ربوع بلادنا المترامية الأطراف، وهي مساهمة كان لها على قلّة الإمكانيات المادية والبشرية مفعول له بال في إنجاح الشروع في إعمار البلاد في مختلف المجالات. أيّتها السيدات الفضليات أيّها السادة الأفاضل وأنا أخاطبكم حول المسيرة الحافلة التي قطعتها منظومتنا الإعلامية، أترحم بخشوع وإجلال على أرواح شهداء الواجب الوطني من رجال ونساء الإعلام الذين بلغ عددهم أكثر من مائة (100) شهيد راحوا ضحايا الإرهاب الهمجي المقيت لا لسبب سوى لقيامهم بمهمتهم الإعلامية، مهمة زرعت الأمل في انتصار الجزائر واستعادة عافيتها، مهمة أكدت للعالم أن الشعب الجزائري رغم أنه كان في شبه عزلة يكابد ويلات المأساة الوطنية، شعب حريص كل الحرص على أمن واستقرار بلاده وعلى إعمارها وتنميتها، شعب تمكن فعلا من تضميد جراحه ولم شمله بفضل المولى جل وعلا وبفضل جنوحه إلى سياسة الوئام والمصالحة الوطنية. يحق للجزائر أن تعتز اليوم بما قطعته من أشواط في مجال الإعلام وحرية التعبير. إنها أشواط نسجل فيها تواتر التخرج السنوي لدفعات من بنات وأبناء وطننا في سائر اختصاصات الإعلام. إنها أشواط تميّزت كذلك بوضع نصوص تسوغ حرية التعبير وحقوق الصحفيين والمواطنين في إعلام مهني، وما الدستور المعدّل الذي تمت المصادقة عليه السنة الماضية، إلا شاهدا على ذلك كما يشهد على نفس الاتجاه تعديل التشريع الجزائي ليصبح خاليا من أي حكم يعاقب مهنيي الإعلام بحرمانهم من الحرية. لا غرو أن مسؤولية الارتقاء بمهنة الصحافة إلى درجات أعلى من الاحترافية لا تقع على عاتق الدولة وحدها. ذلك أنه يتعين على المؤسسات العامة والخاصة المخول لها التي تشرف مباشرة على عمل الصحفيين أن توفر لهم المناخ المواتي بعيدا عن أي ضغط، كما عليها أن تعمل على مراعاة كل القوانين التي تحكم وتضبط قواعد المهنة مع الالتزام بملاحظات وتوصيات كل من سلطة ضبط السمعي البصري وسلطة ضبط الصحافة المكتوبة حين يتم تنصيبها. هاتان الهيئتان نراهن عليهما في متابعة الخطاب الإعلامي ومرافقته بما يحفظ البلاد من كل استغلال سياسي أو حزبي ضيّق وبالشكل الذي يضمن أن تبقى مكونات شخصية الشعب الجزائري رصيدا ثقافيا واجتماعيا مشتركا في منأى عن الصراعات والخلافات السياسية. ومن ثمة ما فتئنا نحبّذ أن يتّسم الخطاب الإعلامي بالهدوء والرزانة والاتزان خاصة ونحن في هذه المرحلة من تاريخ بلادنا نسعى إلى طي المسافة نحو تعزيز مكتسباتنا الديمقراطية من خلال تجديد تركيبة مجلسنا الشعبي الوطني، وبعده مجالسنا الشعبية المحلية. يحق للجزائريين والجزائريات أن يفتخروا بتنوع مشهد إعلامنا المكتوب و المرئي والمسموع والإلكتروني الذي وصلت إليه الجزائر، والذي يجعلنا رغم الانتقادات المجحفة التي تأتينا من بعض الأصوات المغرضة في الخارج جديرين بأن نكون حقا في طليعة الإعلام وحرية الإعلام في فضاءاتنا الإسلامية والعربية والإفريقية. ولكن هذا لا يسوغ لنا أن نغتر بالمشوار الذي قطعناه في مجال حرية الإعلام، وإن كنّا نعتز به أيما اعتزاز، بل لا مناص من مواصلة الجهود لامتلاك الخبرة العالية التي لا تأتي إلا بطول الممارسة والتجربة وبالمعرفة التي ليس لها حدود. فالذي اكتسبناه ما يزال في حاجة إلى المزيد من الإنضاج. كما أن الظروف التي تعمل فيها أسرة الإعلام ما تزال في حاجة إلى التحسين لكي تصل إلى ما يضمنه القانون من حيث حقوقهم الاجتماعية. أيّتها السيدات الفضليات أيّها السادة الأفاضل في مثل هذا اليوم يملي عليّ الواجب أن أخاطب أسرتنا الإعلامية من حيث أنها كانت ولا تزال شاهدة على النقلات السياسية والتحولات الديمقراطية التي حققتها الجزائر، وعليمة بما يدور حولنا ويتهدد أمننا واستقرارنا، وأهيب بها أن تكون على قدر عال من التبصر واليقظة وهي تسهم بنصيبها في مسعى استكمال بناء الجزائر الحديثة والوصول بالصرح الديمقراطي إلى مداه الأرقى على ضوء القيم والمثل والحقوق والواجبات التي جاء بها الدستور المعدل، ذلك أن المرافقة الإعلامية الحيادية الموضوعية النّزيهة التي يحدوها الوعي والضمير المهنيين من شأنها أن تعزز عمل المؤسسات المنتخبة التي تعتبر حجر أساس في كل عملية ديمقراطية سليمة القصد والممارسة. إن ميدان الإعلام والاتصال هو من أهم فضاءات المنافسة ومحاولة الهيمنة في عالمنا المعاصر، ومن ثمة فإن جهد الجزائر لترقية إعلامها إنما هو لإثبات وجودنا الحضاري والسياسي في عهد العولمة التي لا ترحم وخدمة لمصلحتنا الوطنية. من أجل ذلك ما انفكت الدولة الجزائرية تعمل على تمكين الصحافة من الاضطلاع بدور محوري في مسار تنميتنا بحيث تصبح فاعلة متفاعلة مع مختلف البرامج التنموية. ولذلك لا مناص من مواصلة الجهود المادية والمعنوية الرامية إلى الارتقاء بدور الإعلام إلى مراتب أعلى، بحيث يدلي بدلوه هو الآخر حسا ومعنى في التنمية الشاملة للبلاد، ولا يقتصر دوره على نقل الخبر ونشره فحسب، وإنما يتعداه إلى صنع الرأي العام بكل مسؤولية وإخلاص وتفان وتعميم الحس المدني وقيم المواطنة. إنه لزام أن يتسع أفق الإعلام الجزائري ويرتقي بحيث يصبح أكثر فأكثر إعلاما مواطنا يسهم في بناء سد منيع يصد كل خطر يتهدد الوطن والمواطن، وفي الحفاظ على المكتسبات السياسية والبناء الديمقراطي الذي دفعت الجزائر في سبيله الآلاف من الشهداء والضحايا. أيّتها السيدات الفضليات أيّها السادة الأفاضل إنني كلي ثقة في أنكم رجالا ونساء على اختلاف مشاربكم وتوجهاتكم السياسية تغارون مهما كانت الأحوال والظروف على وطنكم، وتحرصون على استقراره وتقدمه لأنه ما لكم من وطن سوى الجزائر، وليس لأي منكم مستقبل زاهر خارج الجزائر. من حقكم سياسيا أن تكونوا في صف الأغلبية أو من أنصار المعارضة وهو حق مشروع نص عليه دستورنا بصريح العبارة، حق وليد كفاحنا من أجل الاستقلال وجهدنا من أجل بناء ديمقراطية تعددية. ففي كنف هذا التنوع للآراء والأفكار الذي هو سمة العناوين ومصادر الخبر في بلادنا أستنهض حسّكم الوطني لكي تسخروا مهاراتكم واحترافيتكم من أجل تقديم خدمات نافعة مفيدة لشعبكم ودولتكم. أناشدكم أن تراعوا دوركم في الحفاظ على استقرار الجزائر ووحدتها والاستمرار في توعية المواطنين بمخاطر الإرهاب وحيال كل الأزمات التي تحيط بنا والمؤامرات التي قد تدبّر ضد بلادنا. وأهيب بكم أيضا أن تسهموا في الحفاظ على هويتنا الوطنية الإسلامية العربية الأمازيغية، هوية علينا جميعا أن نضعها في مأمن من أي محاولة لتلويثها أو استعمالها ضد وطنكم الجزائر الواحدة الموحدة. أهيب بكم أيضا معشر أعضاء أسرتنا الإعلامية الأفاضل أن تغذّوا النقاش حول الرهانات الاقتصادية التي تفرضها العولمة على جميع شعوب المعمورة. إن أي مجتمع مدرك للحقائق الاقتصادية والاجتماعية السائدة في بلاده، ومطلع على ما هي عليه في العالم هو مجتمع يمكن له التجند عن علم ودراية للعمل والبناء والتشييد لكي يلتحق بركب المجتمعات المتقدمة. وفي هذا اليوم المشهود اليوم العالمي لحرية الصحافة أهيب بكم بوجه خاص أن تتمسكوا بمثل مهنتكم السامية وقيمها وقواعدها، مهنتكم التي تظل حتى وإن كانت مهنة لا تخلو من المتاعب مهنة شريفة ما دامت متمسكة بوصف الحقيقة ونقلها بأمانة للنّاس، ولا أحسبكم إلا عند حسن ظن شعبكم أهل صدق وأمانة. هذا ولا أختم رسالتي هذه دون أن أهنّئكم بعيدكم العالمي هذا وأهنّئ الشعب الجزائري بإعلامه المتوثب إلى بلوغ أرقى مراتب الاحترافية وإلى جعل الجزائر تباهي به الأمم.