لم يتأخر الوزير الأول الجديد السيد عبد المجيد تبون، فور تعيينه على رأس الهيئة التنفيذية في تحديد أولوياته والكشف عن خارطة عمله بشأن بعض الملفات التي شهدت انسدادت كبيرة في عهد سلفه، لاسيما فيما يتعلق بالمستحقات العالقة لشركات الإنجاز وتمويل البرامج السكنية بمختلف الصيغ. واعتبر أن هذا المشكل سيسوى نهائيا بتخصيص 60 مليار دج قبل نهاية الأسبوع، فضلا عن إعطاء دفع لوتيرة استكمال البرنامج السكني بمختلف الصيغ الذي يعد أولوية في برنامج رئيس الجمهورية، إلى جانب قطاعي التربية والصحة. بدا واضحا من خلال تصريح الوافد الجديد على مبنى الدكتور سعدان، تمسك الدولة بالاستجابة للانشغالات الاجتماعية للمواطن (السكن والصحة والتربية)، وهو الثالوث الذي أخذ حيزا كبيرا من برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، منذ اعتلائه سدة الحكم باعتبارها أولويات قصوى بعد مسألة استعادة الأمن الذي يعد شرطا أساسيا لتحقيق أي نهضة اقتصادية للبلاد. تبون ترجم مبكرا قرارات رئيس الجمهورية، من خلال تجديد التأكيد على حل معضلة السكن التي عانت منها البلاد لسنوات، والتي تعد ركيزة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي من خلال الالتزام بإنهائها إلى الأبد أواخر سنة 2018، فبعد الجمود الذي اعترى برنامج عدل 1 الذي أطلقه تبون، خلال فترة شغله المنصب لأول مرة سنة 1999، التزم بتدارك الجمود عندما عاد إلى المنصب للمرة الثانية وشغله لمدة 4 سنوات، ليعين أيضا في منصب وزير للتجارة بالنيابة خلال العام الجاري. التزام بإنهاء ملف السكن بكافة صيغه لم يتوان في هذا الصدد في بعث رسائل تطمينية للمواطنين بالتأكيد على أنه سيشرف شخصيا على متابعة الملف والتمسك بوعود التسليم بالنسبة لبرنامج عدل 1 في نهاية جوان الداخل، في حين أشار إلى أنه سيتم طي ملف عدل 2 بنهاية 2018، بالإضافة إلى بعث البرنامج الاجتماعي والريفي والقضاء على الأحياء القصديرية بعد إنهاء الانسدادات التي كانت تقف عائقا أمام إنجاز السكنات بسبب عدم دفع مستحقات الشركات المقاولاتية. شكاوى وزير السكن السابق بررت التأخر في الإنجاز، إذ لم يتردد في توجيه اتهامات بهذا الخصوص لقطاعات معينة في حكومة سابقه، محمّلا إياها تعطيل مشاريع الرئيس. وبلا شك فإن تبون، المعروف عنه بحسن إدارة الملفات الشائكة، سيجد نفسه في أريحية كاملة في تنفيذ البرنامج كونه لن يصطدم بسياسات التنظير داخل طاقمه بعد أن أبعدت كل الأسماء التي شكلت في حكومة سابقه مصادر اختلاف وصدامات خرجت إلى العلن وأسالت الكثير من الحبر في وسائل الإعلام. كما أن الثقة التي منحها الرئيس بوتفليقة، لتبون ستكون قوة دعم واسناد ومساندة يبرزها الميدان لاحقا من خلال إنجاز غالبية برنامج قطاع السكن، في حين أن الباقي في طور الإنجاز، بل تبرز هذه النجاعة أيضا من خلال انخفاض نسبة معدل شغل السكن على المستوى الوطني من 7 أفراد سنة 1999 إلى 8ر4 فردا سنة 2016، ويصل إلى 7ر3 ببعض الولايات كولاية بشار. أما مدة إنجاز السكنات فقد تقلصت هي الآخرى مثلما صرح تبون، سابقا من 7 سنوات إلى 30 شهرا، فيما بلغت نسبة إنجاز بعض المشاريع السكنية الاستثنائية لمدة 12 شهرا على غرار مشروع ببلدية الرغاية بالجزائر العاصمة. الأولويات على حساب الكماليات الوزير الأول حرص على شرح الرسالة للمواطنين بالقول إن الدولة لن تخلف وعودها من خلال إعادة توجيهات لبعض الموارد المالية لصالح الأولويات المسطرة من طرف رئيس الجمهورية، والمتمثلة في القطاعات الحيوية بالموازاة مع مواكبة التحول الاقتصادي حتى لا يبقى وضع الجزائر مرهونا بتقلبات أسعار المحروقات. مهمة الوزير الأول الجديد ستكون تنفيذية بامتياز من خلال ضمان المتابعة الدائمة للقطاعات ذات الأولوية، وهو الذي سبق أن توعد بنزع الاعتماد من المرقين العقاريين الذين يتقاعسون في إنجاز البرامج الموكلة إليهم ووضعهم في الخانة السوداء للوزارة. قطاعا الصحة والتربية يحظيان بدورهما باهتمام السيد تبون، فإذا كان إبقاء وزيرة التربية الوطنية السيدة نورية بن غبريط، يشكل بحد ذاته اعترافا بالنقلة «الإصلاحية النوعية» التي أحدثتها منذ تعيينها على رأس الوزارة، ومن ثم ضمان سير الأهداف المسطرة دون تشويش في قطاع حساس، فإن تعيين البروفيسور مختار حزبلاوي، وزيرا للصحة والسكان وإصلاح المستشفيات خلفا لعبد المالك بوضياف ، هو إشارة واضحة لعدم التسامح مع الأخطاء المقصودة أو غير المقصودة. عملية «ليفتينغ «في قطاع التجارة فضلا عن ذلك فإن قطاع التجارة الذي شغله تبون، كوزير بالنيابة لأشهر سمح له بالاطلاع على خباياه، معلنا لدى توليه منصب الوزير الأول أنه سيعمل على تطهيره وإعادة تنظيمه من خلال تقليص فاتورة الواردات التي تجاوزت 60 مليار دولار وتخفيضها ب10 ملايير دولار في أقرب الآجال وهذا بالاكتفاء بالأساسيات، على غرار البقول والحبوب والزيت والسكر في إطار ترشيد وعقلنة الاستيراد، لأنه من غير المنطقي أن تذهب 18 مليون دولار مثلا في مهب الريح باستيراد اللبان والمايونيز والصلصات. يبرز من خلال التوجه الجديد للحكومة طغيان الطابع الاقتصادي والاجتماعي في سياق التجاوب مع التحديات الصعبة المتميزة بانخفاض أسعار النفط، موازاة مع التفكير في بدائل اقتصادية جديدة تعطى فيها الأولوية للقطاع الخاص في سياق ضمان اقتصاد متوازن.. وهو توجه ترافع من أجله كافة الدول عند تشكيل حكوماتها على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا، حيث لا يقبل المواطن المساس بحقوقه الاجتماعية. بهذا يمكن القول إن خطاب الرئيس بوتفليقة في 15 أفريل 2011، والذي استبق محاولات التلاعب بالورقة الاجتماعية على ضوء ما كانت تعيشه بعض الدول العربية من أحداث مضطربة في سياق ما سمي بالربيع العربي، قد صد أي محاولة لزعزعة الاستقرار الاجتماعي من خلال التزامه بحل كافة المعضلات «الاجتماعية» التي تعد كقنبلة موقوتة تستدعي الكثير من الرفق والثبات في نزع فتيلها.