أحدثت الانتكاسة الانتخابية التي مني بها حزب المحافظين البريطاني حالة استنفار قصوى في مختلف العواصم الأوروبية عشية بدء المفاوضات الخاصة بانسحاب المملكة المتحدة من عضوية الاتحاد الأوروبي يوم 19 جوان الجاري. ورغم أن حزب المحافظين كان إلى غاية مساء الأربعاء يحوز على أغلبية ب17 مقعدا في الهيئة التشريعية البريطانية إلا أن تريزا ماي فضلت المغامرة بانتخابات قبل الأوان لتحقيق أغلبية مطلقة تمكنها من التفاوض مع رئاسة الاتحاد الأوروبي يوم 19 جوان الجاري من موقع قوة ولكن كل حساباتها سقطت في الماء كما يقال الى الحد الذي جعل مستقبلها السياسي على المحك. ورغم ذلك، فإن تريزا ماي التمست أمس من الملكة اليزابيث الثانية إعطاءها الضوء الأخضر لتشكيل حكومة جديدة رغم مخاطر خوضها لمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي من موقع ضعف على اعتبار أنها ستقود حكومة أقلية يجعلها محل تجاذبات سياسية قد تعصف بها في أية لحظة. وكانت خيبة رئيسة حزب المحافظين مزدوجة ليس لأنها خسرت 12 مقعدا برلمانيا وستقود مفاوضات ال»بريكسايت» من موقع ضعف ولكن بسبب الاكتساح الذي حققه غريمها زعيم الحزب العمالي جريمي كوربين الذي حصد 29 مقعدا نيابيا وهو مؤشر على تراجع حزب المحافظين في المشهد السياسي البريطاني. وإذا كانت ماي من أنصار فكرة القطيعة العنيفة مع الاتحاد الأوروبي، يذهب منافسها العمالي إلى خروج سلس على الأقل من حيث المحافظة على مناصب الشغل وتكون هذه المقاربة هي التي جعلته يكتسح البرلمان البريطاني في نتيجة لم يكن يتوقعها. وهو الانتصار هو الذي جعله يطالب الوزيرة الأولى بتقديم استقالتها بعد أن فقدت كما قال «مقاعد النواب المحافظين وأصوات من داخل حزبها مما افقدها كل دعم وثقة في شخصها» وهي كلها عوامل تجعل من مصلحتها المغادرة وترك المجال لتشكيل حكومة موسعة. وهو ما أكدت عليه نيكولا ستيرجيون زعيمة الانفصاليين الاسكتلنديين وقالت إن تريزا ماي فقدت سلطتها معتبرة أن مخطط القطيعة القوية مع الاتحاد الأوروبي الذي يدافع عنه المحافظون يشكل خطرا على بريطانيا بما يستدعي التخلي عنه في تلميح الى ضرورة رحيل ماي من على رأس الحكومة البريطانية. وكانت نتيجة الانتخابات بمثابة صدمة قوية للاتحاد الأوروبي الذي أبدى مخاوف من تأخر مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد بل وحتى فشلها بالنتيجة المخيبة التي حصل عليها حزب الوزيرة ماي. وحذر رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك من كل تأخير في موعد إجراء المفاوضات أو حتى التوصل إلى اتفاق بخصوص البدء الفعلي للمفاوضات. يذكر أن غالبية البريطانيين صوتوا شهر جوان من العام الماضي لفكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي والذي سيكون فعليا ونهائيا سنة 2019 بعد أن يتم التفاوض مع الدول الأعضاء على كل الترتيبات الخاصة بهذا الخروج الذي شكل شرخا قويا في جسد الاتحاد الأوروبي.