رياضة الدراجات الهوائية في وهران رهان صعب، لم يسبق لها أن عاشته من قبل، فهي تكابد مصاعب جمة منذ مدة، تحتاج فيها إلى وقفة رجولية معها، تبعث الحيوية فيها خدمة لهواة هذه اللعبة ذات التاريخ العريق. العودة لتصفح صفحات تاريخ رياضة الدراجات الهوائية بوهران، سيعيدنا إلى ارتباط وثيق بتاريخ اللعبة في الجزائر ككل، حيث عاشت فترات متباينة لأسباب اجتماعية وحتى أمنية، وتختلف كل واحدة عن الأخرى حسب النتائج والإمكانات دون نسيان بدايتها التي كانت خلال الاستعمار الفرنسي، حيث أنجبت هذه الرياضة دراجين جزائريين مرموقين مثلوا فرنسا أمثال الدراج زعاف، غير أن الفترات التي يحتفظ بها تاريخ اللعبة في الجزائر المستقلة هي أربع، الفترة التي تمتد من سنة 1962 إلى غاية 1982، وهي الفترة التي عرفت فيها رياضة الدراجات الهوائية ازدهارا كبيرا بفضل مشروع الإصلاح الرياضي الذي انعكس إيجابا على الرياضة الجزائرية عموما، وليس الدراجات الهوائية فقط، حيث تكفلت المؤسسات الاقتصادية بتبني الأندية الجزائرية وتقديم الدعمين المالي والمعنوي لها، بل وتعداه إلى توفير مناصب شغل للرياضيين، مما أمن مستقبلهم بعد الاعتزال من ممارسة الرياضة. هذا بالإضافة إلى تنظيم العديد من الدورات الدولية التي سمحت للمنتخب الوطني بانتزاع مكانة الرائد عربيا ودوليا، والاحتكاك بدراجين عالميين ذوي مستوى عال من دول كفرنسا، تشيكوسلوفاكيا آنذاك، إسبانيا، يوغسلافيا (سابقا)، إسبانيا وغيرها من البلدان، مما أتاح الفرصة لبروز أندية محلية وقوية كمولودية العاصمة، اتحاد بناء الجزائر، حمراء عنابة ومولودية وهران، وأسماء متميزة كمبارك سلامة، حجازي، عبد المالك ونزار، زحاف الطاهر، باياني، ومن وهران ابن الطيب وسايح محمد، غرابيو عبد الكريم، وخصوصا شعبان عبد القادر وبن بوزيان بومدين. بعد ذلك، جاءت فترة بداية تقهقر رياضة الدراجات الهوائية، والتي امتدت من سنة 1982 إلى غاية سنة 1990 وفيها تراجع الأداء جراء تخلي بعض الشركات الكبرى عن تدعيم الرياضة عموما، خاصة من الجانب المالي، مما قلل من الاحتكاك مع الدراجين الأجانب رغم بروز أسماء في عالم الدراجة الهوائية الجزائرية، في مقدمتهم بطل الجزائر والعرب مرابط شريف ابن الدراج المعروف والمدرب مرابط عبد القادر. أعقبتها فترة الركود التام والتي امتدت من سنة 1990 وإلى غاية سنة 2005، حيث تسببت العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر في خنق الرياضة الجزائرية، وخاصة الدراجات الهوائية، حيث حتمت الحالة الأمنية عدم اللجوء إلى تنظيم الدورات والسباقات خارج المدن، مما أثر على مستوى اللعبة الذي تدنى بشكل كبير، هذا بالإضافة إلى تزامن تلك الفترة مع الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية اللتين أثرتا على الرياضيين الجزائريين، إذ أن معظمهم بطالون، وخصوصا بعد تخلي المؤسسات الاقتصادية عن تمويل الأندية الوطنية بكل تخصصاتها، فنقصت الإمكانات الضرورية لممارسة اللعبة، وانقطعت معظم هذه الأندية عن المشاركة في المنافسات والدورات. وحاولت الدراجة الجزائرية ومعها الوهرانية تلمس أفق جميل بعد تلك هذه الفترة الصعبة بداية من سنة 2005، فتراصت الجهود من أجل إعادة هيكلة وتنظيم أمور الفرق إداريا وفنيا، وإيجاد الحلول لتلك المشاكل الكثيرة المثبطة التي أبقت على الرياضة في الصفوف الخلفية. وبالنسبة للدراجة الهوائية الجزائرية، تم التركيز على إيجاد خلف قادر على التواصل مع تلك الإنجازات التي دخلت التاريخ، وحفظها الأرشيف. فعادت الروح لدورة الجزائر الدولية في السنوات الأخيرة، ومعها عودة الدراجين الدوليين وبلدانهم إلى أحضان الجزائر، مع بداية 2011، فكان الهدف المنشود رياضيا وسياحيا. مع توالي الطبعات، جرى تسويق صورة جميلة مخالفة لما ارتسمت في أذهان الخارج، فزاد الإصرار على النهوض بهذه الرياضة من خلال تشكيل فريق وطني قوي بفكر احترافي، تعددت مشاركاته على الساحة الإفريقية على وجه الخصوص، في دول كإثيوبيا أو جنوب إفريقيا، المغرب، بوركينافاسو، أريتيريا، جزرموريس، تونس، مصر وغيرها، واقتحم البطولات الإفريقية وسباقات الاتحاد الدولي الخاصة بإفريقيا (أفريكا تور) بشكل لافت. وبالموازاة مع ذلك، واصلت فرق تألقها كنادي سوفاك والمجمع الرياضي البترولي، هذا الأخير الذي دخل التصنيف الإفريقي، فبرزت أسماء من أمثال لعقاب لدى الأكابر، ولدى الأواسط كل من محمد عسال، حمزة منصوري، مرج أيمن، عقبي ابراهيم، والي وأسامة بوشلاغم، هذا الأخير الذي تصدر المضمار قاريا بجنوب إفريقيا، وعلى الطريق بمصر السنة الجارية 2017. رغم هذا التطور وتأسيس أندية جديدة على غرار أسود الأطلس البليدي ونادي دراجات مستغانم، إلا أن الدراجة الوهرانية بقي مستواها متجمدا، وباتت فعلا عاجزة عن تكوين خلف للسلف الذهبي لثمانينيات القرن الماضي، وخلق فريق وهراني قوي بمقدوره مجاراة الأندية الجزائرية الأخرى، وخاصة العاصمية، واكتفاء الأندية الوهرانية بالتكوين والعناية بالفئات العمرية دون قطف الثمار، بسبب الفاقة المالية التي لحقت الأندية، ومعها الرابطة، واكتفائهما بانتظار العون فقط. تأسيس الرابطةالوهرانية يعود تأسيس الرابطة الوهرانية للدراجات الهوائية إلى بداية الاستقلال سنة 1962، وقتذاك كانت جهوية، تشرف على عدة ولايات في الجهة الغربية للبلاد إلى غاية سنة 1979 إذ كان بومعزة أول رئيس شرفي لها، وكانت الدراجة الهوائية في هذه الفترة في قمة عطائها بفضل نوادي متألقة على غرار مولودية وهران، فريق الأمن الوطني وأندية مغنية، حمام بوحجر، معسكر، المحمدية، جمعية وهران وغيرها. وجاء تألق هذه الأندية بفضل بروز دراجين في المستوى على غرار مرابط عبد القادر ونزار كمال، سلامة مبارك وغيرهم. وقد ظهر نشاط هذه الرابطة بتنظيمها لدورات معروفة منها الدولية ك«فلاش الجزائري»، وهي دورة تمتد من وهران إلى غاية مدينة عنابة، جلبت إليها دولا عديدة كفرنسا، بولونيا، الدانمارك، بلغاريا، المغرب وغيرها، لتأتي سنة 1979 حيث تحولت فيها الدراجة الوهرانية إلى رابطة ولائية فانبرت بتنظيم دورة دولية سنة 1986 برئاسة المرحوم بن الطيب مصطفى، وامتدت إلى غاية سنة 1990 مع تواصل العطاء السخي والنتائج الإيجابية من لدن الفرق الوهرانية كالمولودية والجمعية والبريد والحماية المدنية، ليبدأ انحدارها مع حلول سنة 1990، ومعها نقص المال والإمكانات فوجدت الدراجة الوهرانية نفسها في غرفة الإنعاش. الخروج من عنق الزجاجة ولكن .... حاول المسيرون اللاحقون، وفي مقدمتهم الرئيس الحالي عبد الكريم غرابيو تجاوز تلك الحقبة الصعبة التي مرت بها الدراجة الهوائية الوهرانية، وذلك ضمن وضع برنامج عام لمصلحة الدراجة الجزائرية التي استعادت حيويتها التي عروفت بها مع عودة تنظيم الطواف الدولي للجزائر بداية من سنة 2000، إضافة إلى تنظيم سباقات في عدد من المدن الجزائرية تحت مسمى الجائزة الكبرى كما هو جار بمدينة عنابة، قسنطينة، وهران، الجزائر العاصمة وغيرها. وقد تميزت هذه الفترة بانطلاقة واعدة للدراجة الوهرانية خاصة لدى الفئات الصغرى، باعتماد بعض الأندية كنفطال، بريد وهران، الحماية المدنية على التكوين القاعدي.. توجه نال به خريج نادي نفطال، الدراج عبد الرحمان بوشلاغم بطولة صنف الأصاغر موسم 2006-2007 ، وابن عمه بوشلاغم أسامة من نفس النادي لبطولة الجزائر لصنف الأشبال سنة 2008. كما برز دراجون آخرون كهدري إسحاق وحمزة رقيق، بطل العرب في البحرين. لكن للأسف وضع حدا لمشواره بسبب نقص العناية والاهتمام، وكلا الدراجين من مدرسة بريد وهران. وتواصل العمل الذي أفرز نوادي جديدة كطليعة سيدي الشحمي، الذي أُسس سنة 2009، ونصر وادي تليلات الذي عرف النور سنة 2013 بقيادة الدراج السابق والمدرب مرابط عبد القادر. آراء التقنيين تجمع آراء التقنيين الناشطين بالأندية الوهرانية على عدة أسباب في تدني مستوى الدراجة الهوائية الوهرانية، ومن بينها اندثار نادي مولودية وهران الذي كان بمثابة الضربة الموجعة لهذه الرياضة بوهران حسب عبد الكريم غرابيو، الدراج السابق بالفريق، والرئيس الحالي للرابطة الوهرانية للدراجات، وغلق «الفليدروم» الوحيد بغرب البلاد، وغياب أماكن للتدريبات، وتعويض الدراجين في حال الإصابة وغياب المنافسات الدولية، حسب الدراج الدولي السابق طبجي عبد الغني، وغياب التمويل أو ما يعرف ب«السبونسورينغ». وهو ما حتم على هذه الأندية الاكتفاء بالتكوين دونما ملامسة حلم تأسيس فريق وهراني قوي يعيد الأمجاد الضائعة وهجرة أبرز الدراجين الوهرانيين باتجاه فرق أخرى عندما يبلغون صنف الأكابر كحال أسامة بوشلاغم الذي التحق بنادي سوفاك وعبد الرحمان بوشلاغم الذي انضم بداية لنادي الأمن الوطني قبل أن يستقر به المقام بفريق الأمن الوطني. هذان الدراجان هما ثمرة تكوين نادي نفطال الذي يشرف عليه الدراج الدولي السابق سايح محمد، الذي يصر على القول أن الاكتفاء بالتكوين كان ضرورة ملحة في غياب الإمكانات اللازمة، وهي الإمكانيات التي يسعى مدرب نصر وادي تليلات مرابط عبد القادر استغلالها إلى أقصى حد لبعث فريق مهاب الجانب بولاية وهران، إذ لم يستصغ محبو هذه اللعبة إلى حد الآن غياب نادي وهراني يمثل الباهية وهران في سباقات الجائزة الكبرى للمدينة في السنوات الأخيرة، رغم تواجد 7 أندية، وهو السباق الذي يعد بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة. الرهان على الدراجات الجبلية وفي ظل بقاء الحال على حاله وتعدد الأسباب والشكاوى، قد يجد القائمون على شؤون رياضة الدراجات الهوائية، ومعهم هواة اللعبة في ولاية وهران مستأنسا بالنوع الجديد من سباقات هذه الرياضة المعروفة بالدراجات الجبلية، وتحويلها من اختصاص للترفيه والتسلية لتصبح رياضة تنافسية بعاصمة غرب البلاد، بعدما أصبحت مدرجة في برنامج الاتحادية الجزائرية، وتهافت هواة الدراجات على الانضمام إلى بعض الأندية، خاصة وأنهم يعدون بالآلاف عبر كامل التراب الوطني. وأكد عبد الكريم غرابيو رئيس الرابطة الوهرانية، أن اهتمام هيئته سيكون من الآن فصاعدا بالدراجات الجبلية تنظيميا، لأنها غير مكلفة مقارنة بالدراجات الهوائية. فالممارس ليس بحاجة للرابطة أوالنادي، فهو مكتف بعتاده بما في ذلك اللباس الخاص به، كما أن المسالك متوفرة وجيدة بمختلف أنحاء الولاية، موضحا أن الرابطة استحدثت لجنة خاصة لهذه اللعبة، وترمي إلى تكوين أبطال تحسبا لألعاب البحر الأبيض المتوسط التي ستجري بمدينة وهران عام 2021، ولحد الآن تتوفر الباهية على فريقين في اختصاص الدراجات الجبلية وهما: نادي كناستيل ودراجات نادي وهران.