الطفل أحمد خالدي من مواليد 27 نوفمبر 2003 بألمانيا، حافظ لكتاب الله، جمعته قصة جميلة مع القرآن الكريم رواها لنا والده السيد محمد خالدي، والشيخ الذي أتم الحفظ على يديه رفيق منصف بن داداة، في حفل الختام مؤخرا. قصته مع الذكر الحكيم بدأت ولم يكن قد أتم ربيعه الرابعة من عمره بعد، حيث تدرج في الحفظ وهو في بلاد الغربة بمتابعة من والده في البيت إلى أن أكمل عشرة أحزاب. لم يكن لتخلد في ذهنه نية الختم لولا توجيه والده وإلحاحه في تعلم القرآن وحفظه، فسجله بالمدرسة التركية وتتلمذ على ثلة من المشايخ ليتعلم على يديهم أحكام التلاوة والتجويد والحفظ، فأتم 45 حزبا حفظا متقنا. في العطلة الصيفية الفارطة، قدم أحمد إلى وهران مع عائلته، لزيارة أهله بمدينة أرزيو ضيفا عند عمه الذي عرض عليه التسجيل في مخيم القرآن الكريم لطبعته 2017، حيث يقام مخيم الفتيان في نفس المدينة، وفعلا انضم أحمد للمخيم وسرعان ما تأقلم مع باقي المشاركين من أقرانه والطاقم المؤطر. وقد لاحظ أعضاء الإدارة وطاقم التأطير القرآني اندماجه ونبوغه وإتقانه لتلاوة القرآن. وبالرغم من التحاقه بالمخيم متأخرا بيومين إلا أنه تمكن من حفظ ثلاثة أحزاب ومراجعة 21 حزبا، قبيل انتهاء الوحدة الأولى وبإلحاح من أصدقائه، بدأ خالد يفكر بجدية في البقاء للوحدة الثانية لختم القرآن. ولكن كانت أمامه التزامات عائلية أخرى، فالوحدة الثانية تختم في 29 جويلية الفارط وكان عليه المغادرة والعودة إلى إقامته بألمانيا بعدها بيومين فقط، ولن يسعفه الوقت لتأدية الزيارات العائلية والاستجمام في الشواطئ. كان قرار الترخيص له بالمكوث صعبا للغاية لدى إدارة المخيم ومن طرف والديه إشفاقا عليه. لكن العجيب في الأمر أن البرعم النجيب كان مصرا وحاسما لاختياره.. وبتوافق من الأولياء وإدارة المخيم سُمح لأحمد بتمديد إقامته في المخيم وإعطائه فرصة إضافية لاستكمال الحفظ وختم القرآن. دخل أحمد في سباق مع الزمن يصل حصص الحفظ بفترات الاستراحة، بل كان أحيانا يصل السحر بالشروق يحفظ ويراجع ويعرض على شيخه في المجموعة وكل شيخ يلقاه في أوقات الاستراحة، وعند ختام الوحدة الثانية في آخر ليلة من المخيم، كان أحمد قد جمع في صدره حفظا متقنا تسعة أحزاب ونصف الحزب وينقصه حزبان على الختم. كان إداريو المخيم وطاقم التعليم القرآني قد لاحظوا اجتهاده وإصراره في الحفظ، فتقرر اعتباره في سجل الخاتمين برسم الوحدة الثانية وتكريمه وفق ذلك، تشجيعا ومكافأة له على تلك العزيمة المتوقدة التي تفجرت فيه بشكل نشر الحماسة والإيجابية في المخيم لدى المشاركين والمؤطرين على السواء. كان حفل التكريم الختامي جد مؤثر بحضور أوليائه وجدته على منصة التتويج، تقدم الدكتور بورداش بكلمة ثناء وشرح لمسيرة البرعم في المخيم قبل أن يدعوه لترتيل آيات، مما يحفظه أمام الحضور، كان الجو خاشعا إيمانيا بامتياز، خاصة عند الاستماع إلى تلاوته الخاشعة المختلطة بصوت الطفل الندي المبحوح بعبرات التأثر والبكاء. لم يلبث بعدها أحمد أكثر من يومين ليغادر الجزائر في طريق العودة إلى ألمانيا، غير أنه واصل مسيرة الحفظ ليختم استظهار ما تبقى له من القرآن بعد 17 يوما على مسامع شيخه الشاب في المخيم رفيق منصف بن دادة، عبر بوابة التواصل الإلكتروني المباشر. ها هو ذلك الطفل الذي بدأ مسيرته مع القرآن الكريم في عامه الرابع يختم حفظه الأول، ولم يتم بعد ربيعه الرابع عشر ليقدم لنا مثالا للتنشئة الصالحة ونموذج المنبت الطيب والبيئة الإيجابية في المهجر وداخل الوطن، بفضل مثل هذه المخيمات التي تنمي الحافز والرغبة لدى الناشئة للإقبال على القرآن وتمثل آدابه والعمل به أينما حلوا وارتحلوا. أحمد روى اللحظة التي قرر فيها البقاء للوحدة الثانية من المخيم فقال: «دخلت هذه الفكرة في قلبي فاتصلت بأبي لكي أسأله في هذا الموضوع، فقال: لقد أتيت لكي تقضي عطلة لا لترهق نفسك. فقلت: هل في الخير تعب أو مرض؟ فلم يُكثر نقاشي، فسبحان الله والحمد لله الذي يسر لي دخول الوحدة الثانية لا لشيء إلا لختم القرآن. حفظت 9 أحزاب ونصف الحزب وشعرت في المخيم بحب شديد لحفظ وختم كتاب الله، أرجو من الله أن يثبت القرآن في صدري ويجعلني قرآنا يمشي على الأرض. فالحمد لله والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. لن أنسى أبدا من كان السبب في تعلقي بكتاب الله. جزاكم الله خيرا».