عكست الإجراءات البوليسية التي فرضتها السلطات المغربية على مدن منطقة الريف المغربية عشية إحياء سكانها الذكرى الأولى لسحق الحوات محسن فكري بين فكي شاحنة جمع القمامة، عكست عجزها عن احتواء حراك شعبي مرشح لتصعيد قادم. مرت أمس سنة كاملة على مقتل هذا الحوات البائس، رمز حراك منطقة بأكملها داخل شاحنة أمام أعين عناصر الشرطة المغربية وهو يحاول استعادة كميات من السمك، شكلت قوت أفراد عائلته في ذلك اليوم المشؤوم. وكرّس مرور الذكرى الأولى لتلك المأساة واستمرار المظاهرات الشعبية الرافضة لسياسة «الكل بوليسي»، افتقار السلطات المغربية لأدنى حل يعيد السكينة المفقودة إلى منطقة معروفة بعدائها لنظام مخزني، همه تكريس الولاءات عبر انتفاع المتحلقين من حوله بدون مراعاة حقيقة معاناة سكان مختلف مناطق هذا البلد، مما جعلها لا تجد حرجا في اللجوء إلى وسيلة القمع ضمن محاولة يائسة لإسكات سكانها رغم أنه خيار فشل إلى حد الآن في تحقيق الهدف المتوخى. وضمن هذه الاستراتيجية القمعية فرضت السلطات المغربية منذ أيام، حصارا أمنيا مشددا على مختلف مدن المنطقة لمنع تنظيم مظاهرات احتجاجية؛ مخافة تحولها إلى عصيان شامل واستحالة التحكم فيها خاصة أن ذكرى مقتل بائع السمك جاءت يومين عن أول مثول لقيادات الحراك الثلاثاء الماضي أمام محكمة الجنايات الملكية المغربية، في انتظار إصدار أحكامها النهائية في حقهم. ومنعت السلطات الأمنية بمدينة الحسيمة عاصمة منطقة الريف في قرار استباقي، تنظيم أي مظاهرات خلال نهاية الأسبوع؛ ضمن محاولة لإفشال دعوات وُجهت عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتنظيم مسيرات احتجاجية رافضة الأمر الواقع الأمني المفروض على المنطقة، ولتأكيد أن الحراك لم يمت باعتقال قياداته الأوائل. وكانت عدة أحزاب سياسية وهيئات مدنية مغربية دعت هي الأخرى، إلى تنظيم وقفات احتجاجية في مختلف مدن البلاد أمس واليوم، للتضامن مع معتقلي «حراك الريف» و»انتفاضة العطش» بمدينة «زاكورة»، والضغط على السلطات المركزية في الرباط للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن حقيقة الجرائم المرتكبة ضد أبناء هذه المناطق خلال مسيرات الاحتجاج التي قاموا بها، للمطالبة ب «رفع المعاناة والتهميش الممارس في حقهم وتحقيق التنمية فيها». ويصر نشطاء حراك الريف وكل سكان المنطقة في هذه الذكرى، على إطلاق سراح كل المعتقلين وإلغاء المتابعات القضائية التي يخضعون لها، والاستجابة بدلا عن ذلك، لمطالبهم المشروعة والتي نظموا مسيراتهم لأجلها بالطرق السلمية. ويؤكد نشطاء الحراك أن السلطات المغربية وبدلا من الاستجابة للمطالب المشروعة للسكان، قامت بقمع المشاركين في الحراك الشعبي، واعتقال أكثر من 400 شخص، ومنعت الصحفيين من دخول المنطقة في نفس الوقت الذي لجأت الى استخدام لغة القوة بإرسالها تعزيزات أمنية لإخماد الاحتجاج. ورغم أن الملك محمد السادس اتخذ قرارات استعجالية بدعوى تنمية مناطق البلاد، إلا أن أوامره بقيت مجرد حبر على ورق، وتأكد بعد مرور عام أنها كانت قرارات لذر الرماد في الأعين بما فيها قراراته الأخيرة بإقالة ثلاثة وزراء في حكومة سعد الدين العثماني، وُجهت لهم تهمة الفشل في الاضطلاع بالمهام الموكلة لهم، بالإضافة إلى حملة تطهير غير مسبوقة في صفوف الجيش الملكي طالت أكثر من أربعين جنرال وعقيدا في مختلف الجيوش المغربية؛ في محاولة لإخماد نار الغضب الشعبي المتنامي من مخزن استحوذ على كل شيء وترك عامة الشعب يعانون الأمرّين مع ظروف معيشة لم تعد تُحتمل. وهي الحقيقة التي أكدتها وجوه بارزة في حراك الريف، الذين أكدوا أنه رغم مرور عام على اشتعال فتيل الأحداث إلا أن «الواقع لم يتغير»، وظروف المعيشة في الريف لم تتحسن، بل ازدادت سوءا لسكان خرجوا إلى الشارع، ليقولوا بصوت موحد: «لا للتهميش والحقرة» و»نعم لتوزيع عادل لخيرات البلاد بالتساوي وبدون تمييز».