فُتحت أول أوراق الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي، سهرة الأربعاء، بالمسرح البلدي بالعاصمة التونسية، إذ أشرف على مراسمها كل من وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين والأمين العام للهيئة العربية للمسرح، منظمة الحدث، إسماعيل عبد الله، وحضره ما يفوق عن 400 مسرحي عربي أتوا من كل فج عميق، لاكتشاف إبداعات الفن الرابع وهو يتجلى مع بلوغ المهرجان عقده الأول. أمتع الفنان التونسي الكبير زياد غرسة الحاضرين بباقة غنائية جادت بها حنجرته وعزفه من الطابع التونسي الأصيل، مرحبا بالمشتركين ترحيبا خاصا، وتوّج الحفل بتكريم 10 ممثلين وممثلات من تونس، نظير مسارهم الحافل في الفن الرابع، ويتعلق الأمر بكل من دليلة مفتاحي، سعيدة الحامي، فاتحة المهداوي، فوزية ثابت، صباح بزويتة، محمد نوير، صلاح مصدق، أنور الشعافي، البحري الرحالي، ونور الدين الورعي. في الكلمة الافتتاحية لإسماعيل عبد الله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، نقل تحيات الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، ومعها كل التهاني باليوم العربي للمسرح، المصادف ليوم 10 يناير من كل عام. قال الأمين العام، إن ما بين العاشر من يناير عام 2008، والعاشر من يناير 2018، تبدو السنون أكثر من عددها، وأقصر من الطموح، وما كان لذلك أن يكون لولا مساعيكم، فهذا البيت الذي أراده صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بيتاً لكل المسرحيين العرب، بيتكم، وصدر البيت لكم، بإرادتكم وعملكم، وإذ يعلوا هذا الصرح فإنما يعلو بكم، وإذ يشع نورا، فهذا نوركم، وإذ يقول للغد نحن قادمون لمسرح جديد ومتجدد، فإنما هو قولكم فالكلمة كلمتكم. وتابع يقول "هنا وفي عاشرة المهرجان، ينبض المشهد بدقات القلوب، تنفتح ستائر الروح، وتتوهج أنوار العيون، ونرفع راية السيد النبيل المسرح، لنعلن أن الحياة تزهو هنا، وتمضي للإمام من هنا، كجدول ماء يشق شريعته، يسقي ويروي تربته ويستنبت الزهر على حوافه، هذا هو مسرحنا، وهنا مداه الجديد في تونس الخضراء". من جهته، شكر وزير الشؤون الثقافية التونسي محمد زين العابدين الهيئة العربية للمسرح لاختيارها تونس فضاء لتنظيم الدورة العاشرة، وثمّن جهودها من أجل تقدم المسرح العربي، ورحب الوزير التونسي بالمبدعين العرب الذين جاؤوا لصنع الفرجة وتقسمها مع باقي المبدعين العرب الحاضرين بتونس. ونوه محمد زين العابدين بالنتائج المثمرة التي حققتها الوزارة مع الهيئة العربية للمسرح، والتي أثمرت تنظيم هذه التظاهرة المسرحية، وقال بأن الأمر يستدعي التفتح أكثر على الهيئات والجمعيات والمؤسسات الثقافية الحاملة لمشاريع إبداعية جادة. استهلت العروض المنافسة مباشرة بعد الافتتاح الرسمي، بعرض تونسي عنوانه "الخوف" للمخرج فاضل الجعايبي، ضمن المسار الأول، وشارك عرض "ما بقات هدرة" لمحمد شرشال في منافسة المسار الثاني التي تحمل جائزة سلطان بن محمد القاسمي لأحسن عرض مسرحي عربي. ❊مبعوثة "المساء" إلى تونس: دليلة مالك «ما بقات هدرة" لمحمد شرشال ... انتهى الكلام... في انتظار الفعل كسبت مسرحية "ما بقات هدرة" (انتهى الكلام)، التي كتبها وأخرجها محمد شرشال عن مسرح سكيكدة الجهوي، رهان الفرجة، بفضل الأداء المتماسك للممثلين والقصة التي حيكت بطريقة مشوقة، قدمت سهرة الخميس بالمسرح البلدي بتونس العاصمة، ضمن منافسة مهرجان المسرح العربي التي تحتضن وقائع دورته العاشرة تونس، إذ تنتقد المسرحية واقعا سياسيا واجتماعيا باستعمال الكثير من الرمزية والإيحاء. يقارب المخرج محمد شرشال عبر هذا العمل، فكرة أنّ المجتمعات العربية عبارة عن ظاهرة صوتية بامتياز، فيدين هذه الظاهرة التي كثيرا ما تتكلم دون أن تمر للخطوة الموالية المتمثلة منطقيا في الفعل أو العمل، وهو فعلا ما يعكسه الواقع العربي. استعمل المخرج تنويعات مسرحية وبتركيز عال، لضمان الفرجة التي يستجديها المتلقي، حيث رسم شخصيات الحكاية مهرجين، وهي شخصيات وضعت أقنعة ومساحيق ولباسا خاصا بالمهرجين، بهدف إعطاء ملامح حيادية تصب في خدمة العرض، كما تفوق الممثلون في تطبيق لوحات الإيماء بصورة بديعة، فتحت المجال للمتلقين لاستعمال مخيالهم وتأويل تلك المشاهد، كل كما يراها، ذلك أنها تحمل أكثر من قراءة واحدة. تدور أطوار القصة حول مجموعة من الأشخاص يتجادلون في موضوع غياب فصل الشتاء وبقاء فصل الصيف مدة طويلة، حتى أصابهم الجفاف، ثم يجري حديث بين شخوص المسرحية حول تعسف السلطة وتطرف الدين، وغيرها من المواضيع، تكلموا جميعا في وقت واحد، لذلك لا سامع لهم. وتطرق العرض إلى ما يشبه النفاق الاجتماعي، أفراد المجتمع على اختلاف تياراتهم وتوجهاتهم، يفعلون عكس ما يقولون. ثم يمر المخرج محمد شرشال من لوحة العطش إلى لوحة الأطفال الصغار والرضيع، برابط رفيع، ربما يمكن تأويلها حلما، هؤلاء الصغار يقومون بمشاغبات خطيرة، كإسقاط وتبرير الشباب العنيف الذي تربى في جو من التعنيف أثناء العشرية السوداء التي تكبدتها الجزائر. من بين النقاط المظلمة التي أضاءها العرض؛ نقطة السلطة، في مشهد العائلة، حيث ينتقد قسوتها على شعبه بأسلوب بسيط، وجمالية عالية تدعو إلى فكرة التفهم والتعاضد والتلاحم. من ناحية السينوغرافيا، وفق العرض في اختيار اللباس المناسب والديكور الذي شكل دعامة فنية مدهشة، إلى جانب الإضاءة التي حققت نجاح الفرجة المسرحية، والموسيقى التي انسجمت مع كل الأدوات السينوغرافية والإخراجية، التي حققت في الأخير عرضا ممتعا. ❊مبعوثة "المساء" إلى تونس: دليلة مالك