ذكرت صحيفة هارتس العبرية أن "الحكومة الإسرائيلية باتت ملزمة بالعمل على إسقاط حركة حماس في القطاع وإعادة حكم الرئيس الفلسطيني محمود عباس"، وذكرت صحيفة الوطن الكويتية أن هارتس اعتبرت ان عباس مطالب بتحمل المسؤولية في غزة، مؤكدة ان استعادة الرئيس عباس لمقاليد الامور في القطاع يتطلب تدخل الاحتلال الاسرائيلي عسكريا· وحذر المعلق الاسرائيلي تسفي برائيل من خطورة هذا السيناريو على اعتبار انه في حالة تحققه، فإن الرئيس عباس سيظهر في عيون ابناء شعبه "كعميل لإسرائيل"· تقودنا هذه المعطيات إلى القول إن هناك ثلاثة مرتكزات محورية ستقوم عليها خطة أولمرت تأهبا لتحرير غزة مما وصفته مجموعة أنابوليس بالإرهاب، في إشارة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية الشرعية التي لا تزال تتبنى الخيار العسكري الجهادي وسيلة لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني بعدما أصبحت كل الأدوات السياسية والدبلوماسية أدوات لتكريس مبدأ تهويد الأرض العربية الفلسطينية وترسيم السيادة اليهودية على الأرض· 1- أنابوليس فرض للهيمنة اليهودية من مقتضيات تصفية الصراع العربي الإسرائيلي هو الفصل في هوية الجلاد ثم النظر في ملف الضحية، فالجلاد دفع كل المؤتمرين إلى الاعتراف بيهودية الأرض الفلسطينية ولو بطريقة ضمنية بدليل أن التطبيع بالشكل الذي مررته إسرائيل وأملته على العرب تحت إشراف أمريكي لم يلق أي رد فعل دبلوماسي تفاوضي معارض، وعليه فما ذهب إليه الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى من أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل سوف لن يكون مجانا كان تضليلا لا أكثر ولا أقل الهدف منه دفع زعماء حكومات عربية للمشاركة، وحيث أنه لا أحد يستطيع أن يجيبنا عما حصده العرب من خلال مشاركتهم في المؤتمر وماذا حققناه نحن كشعوب من أنابوليس اللهم إلا اطلاق بعض الاسرى المرضى والذين كانوا على ابواب التقاعد والتائبين من خطيئة رفع السلاح ضد الصهيوني المحتل، فإن التطبيع الذي أكد عمرو موسى قبل يوم من عقد المؤتمر انه لن يكون مجانا كان كذلك! وإذا اعتبرنا هذا الأخير مكسبا هاما واستراتيجيا استوجب التطبيع، ففي المقابل أعطيت إسرائيل الضوء الأخضر لبداية تصفية "الإرهاب الفلسطيني" كما يدعون الذي تقوده حماس وفصائل المقاومة الأخرى· 2- الحصار مقدمة للاجتياح وهذا حدث مباشرة بعد استلام حماس تسيير شؤون القطاع بغزة، وتصعيد الحصار بأشهر قليلة قبيل انعقاد قمة أنابوليس تنفيذا لسياسة التخويف والوعيد التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية ضد أي موقف سياسي رسمي لحكومة عباس خاصة والموقف الرسمي العربي عامة، والذي يمكن أن يعارض الأهداف التي سطرتها الأجندة الامريكية الإسرائلية للمؤتمر· هذا الحصار الذي تجلت مظاهره بشكل يجعل إمكانات مقاومة الاجتياح سواء العفوية أي تحرك الشارع بغزة أو المنظمة منها في إشارة إلى ضربات المقاومة، صعبا بل مستحيلا· من ذلك وقف إمداد القطاع بمقومات استمرار الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية بشكل عام منها وقف الوقود، وقطع الكهرباء، وقطع الماء، وتعليق المساعدات الغذائية والطبية بل وشل كل إمكانات التواصل الشعبي بين القرى والأحياء· مما يعني في قاموس إرهاب الدولة الصهيوني ولغة الحرب الهمجية التخطيط لمشروع إبادة بشرية جماعية منظمة لقرابة مليوني فلسطيني من أطفال وشيوخ ونساء بمباركة أممية أمريكية عربية لم يعرف لها التاريخ مثيلا على امتداد الصراع إذا استثنينا من ذلك الاجتياح الأمريكي للعراق وما لحق بالمدن العراقية من دمار وأهلها من إبادات جماعية لا تزال تداعياتها سارية إلى اليوم· وعليه فمن وجهة نظر ميدانية، لا يمكن تصور مقاومة شعب معزول منهك القوى لاجتياح صهيوني للقطاع إذا استثنينا مبادرات عناصر مجموعات المقاومة الذين سيسقطون في ميدان الاستشهاد فرادى وجماعات· ومؤشرات ذلك واضحة، ففي غضون أسبوع فقط حصدت الآلة العسكرية الصهيونية ما يقرب من ثلاثين شهيدا من أبناء المقاومة وذلك بطريقة مركزة ودقيقة، وعليه فإن هذه الآلة التي أخذت درسا من صمود المقاومة اللبنانية ستعمل على ألا يسقط جندي إسرائيلي واحد على أيدي المقاومة خلال الاجتياح، لأن ذلك سيشكل عبئا سياسيا وعسكريا ثقيلا على أصحاب القرار في الحكومة الإسرائيلية· فمن وجهة نظر تكتيكية، سيتمثل الهجوم المنظم والذي بدا فعليا في هجمات جوية مركزة على مواقع المقاومة ولا نستبعد اجتياحا بريا موازيا والذي سيلقى مواجهة شرسة من عناصر المقاومة· 3- الدعاية الإعلامية لتسويق نتائج الاجتياح يذكّرنا هذا السيناريو بما جرى في الاجتياح الأمريكي للعراق وسيلعب الإعلام الغربي والصهيوني والأمريكي الرسمي دورا محوريا في بلورة هذا الإطار بغية تحضير وتوجيه الرأي العام العالمي والإقليمي والمحلي من خلال تصوير الاجتياح على انه تصفية لحماس وليس للشعب الفلسطيني، باعتبار حماس منظمة من المنظمات الإرهابية العالمية استهدفت وتستهدف زعزعة الوضع الأمني بالمنطقة وتشكل خطرا حقيقيا على أمن الدولتين اليهودية والفلسطينية على حد سواء· واستنادا إلى هذه الرؤية الدعائية التي ستعرف رواجا هائلا، والذي سيقوده اللوبي الصهيوني الضاغط في المؤسسات السياسية والإعلامية الغربية والعربية على حد سواء، سيتوازى هذا الهدف بطبيعة الحال مع تبرير الوحشية والبربرية التي سيستعملها الاجتياح العسكري للقطاع والضربات التي سيوجهها للمقاومة ولقادتها وفي مقدمتهم حكومة حماس المقالة، وستظهر الحرب الدعائية على مستوى المشهد الإعلامي ما عاشه المشاهد عبر القنوات اثر الاجتياح الأمريكي لبغداد من اقتلاع النصب التذكاري للرئيس صدام حسين مع التركيز على مظاهر البهجة في الشارع، غير أن في حالة غزة وفي غياب نصب تذكاري لإسماعيل هنية سيقتاد الرجل ورفقاؤه إلى محاكمة على غرار محاكمة بوش لصدام بتهمة الخيانة ومحاولة قلب نظام حكم عباس وتقسيم الوحدة الوطنية، وهي الحجج القانونية التي سترتكز عليها المحاكمة بغية تنفيذ حكم الإعدام شنقا في هؤلاء بتنفيذ قد يكون فلسطينيا بدعوى احترام ما تسمّيه "العدالة" الأمريكية الإرادة الشعبية الفلسطينية· ومهما يكن، فسينتهي المشهد الدعائي بعد "تحرير" غزة من حماس إلى بعض الرقصات الاستعراضية لمناصري صفقة أنابوليس وتجمهرهم هاتفين بالدولة الفلسطينية التي وعدت بها إسرائيل خلال قمة أنابوليس! 4- تهويد للأرض أم تهويد للإنسان؟ يبدو أن الاحتلال بعد ستة عقود من الهمجية والبطش والقتل والنهب وكل صور إرهاب الدولة الممارس ضد الإنسان العربي الفلسطيني لم يفهم بعد حقيقة الصراع القائم والذي يؤكد أن حقيقة ما تزعم الدولة العبرية زرعه داخل الأرض الفلسطينية من كيان دخيل هو أقرب إلى السراب منه إلى الحقيقة، ذلك أن اليهود الذين جُلبوا إلى فلسطين بعد احتلالها قسرا أو إغراء بالعيش الهنيء وجمع شتاته في كيان واحد متناقض اجتماعيا وثقافيا، سيبقى رهين أزمة جسم غريب لم تفلح كل السياسات الصهيونية المنتهجة القديمة والجديدة أن توفّر له السلام الموعود حتى بعد إبادة حماس، بل إن اليهودي الدخيل الذي سيعيش على أنقاض صاحب الأرض الشرعي سرعان ما سيواجه حالة تأزم داخلي وخارجي تعكس صورة ذلك الإنسان البائس الذي يخاف من رمية حجر طائشة والتي ستعيد بناء ملامح انتفاضة فلسطينية جديدة تعصف بروح أنابوليس وتبعث النضال الفلسطيني من جديد·