تنفست المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أخيرا، الصعداء بعد أن تمكنت من تشكيل ائتلاف حكومي جديد، خمسة أشهر كاملة منذ انتخابات أكتوبر الماضي والمشاورات التي باشرتها مع مختلف القوى السياسية لتشكيل حكومة رابعة في مسارها السياسي في أعلى هرم الدولة الألمانية. ولم تتمكن المستشارة الألمانية من تحقيق حلمها في قيادة ألمانيا لعهدة جديدة إلا بعد أن تمكنت من إقناع الحزب الاجتماعي الديمقراطي من دخول حكومتها الجديدة، وقالت مبتهجة بعد هذا المكسب السياسي «سأعمل من أجل خدمة ألمانيا، وأنا جد سعيدة لمواصلة هذا التحالف من أجلها». ورغم ابتهاجها، إلا أن عهدة ميركل الجديدة ستكون صعبة على اعتبار أن الزواج السياسي الذي تم بين حزبها المسيحي الديمقراطي والحزب الاجتماعي الديمقراطي المحافظ، سيكون هشا من منطلق أن تحالفهما لا يحوز سوى على أغلبية محدودة في «البوندستاغ» لم تتعد نسبة 53 بالمائة من إجمالي المقاعد النيابية التي أفرزتها الانتخابات العامة التي تمت نهاية شهر سبتمبر الماضي والتي عرفت صعودا لافتا لليمين المتطرف وقابله تراجع كبير بالنسبة للأحزاب التقليدية. وقال زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي بالنيابة، أولف سكولز إن «الأمور أصبحت واضحة اليوم وسندخل الحكومة القادمة»، رغم اعترافه بتحفظ الكثير من الفاعلين في الحزب قبل أن يتغلب ما أسماه ب»القرار الواقعي» في تغليب كفة التحالف. وقبل الحزب الاجتماعي الديمقراطي أحد أقدم الأحزاب السياسية في ألمانيا الدخول في مشاورات مع أنجيلا ميركل شهر فيفري الماضي، ولكن قيادة الحزب كانت ملزمة وفق القوانين الداخلية على الحصول على أقدم أعضاء الحزب وهو ما تم عبر استفتاء داخلي غلب في النهاية كفة الأخذ بخيار الانضمام إلى حكومة المستشارة الألمانية ضمن تحالف سياسي جديد في برلين. وتبقى عهدة ميركل الحالية من أصعب عهداتها بسبب الانتقادات التي لم يسبق أن تعرضت لها منذ توليها مقاليد حزبها طيلة عقدين وخاصة بعد قرارها التخلي عن حقيبة وزارة المالية التي احتفظ بها حزبها، الحزب المسيحي الديمقراطي منذ الحرب العالمية الثانية والمعروف عنه مواقفه التقشفية في إدارة المال العام. بالإضافة إلى المواقف المتلاحقة التي أبدتها تجاه إشكالية الهجرة ومنحها مليون رخصة لجوء لأجانب تدفقوا على بلادها خلال العامين الماضيين. وأكد منتقدوها أن هذه السياسة هي التي سمحت بصعود اليمين المتطرف مما جعلهم يطالبونها بمواقف سياسة أقرب إلى اليمين منها إلى وسط اليمين لوقف الصعود الذي ما انفكت تحققه الأحزاب اليمينية في ألمانيا. وهي الانتقادات التي أخذتها ميركل، في الحسبان وراحت تحصن مواقعها حتى قبل مباشرة مهامها الحكومية بعد أن نصبت انغريت كرامب كارامبوير أمينا عاما للحزب المسيحي وتأهيله لخلافتها حيث أوكلت له مهمة رص صفوف الحزب ومنع وقوع شرخ بين مختلف تياراته، في نفس الوقت الذي عينت فيه، جونس سباهن، أحد أكبر المنتقدين لها، وزيرا للصحة في محاولة لتخفيف حدة انتقاداته والحد من قوة تأثيره داخل الحزب رغم صغر سنه. وهي تحركات أرادت ميركل وهي سن الثالثة والستين من ورائها ترك بصمتها في مشهد سياسي ألماني متغير وفي ساحة أوروبية تعرف هي الأخرى تحولات استراتيجية بفضل مواقفها الشجاعة، التي غطت على مواقف قادة الدول الكبرى في العالم، أكدت على قوة تأثيرها في محيطها القاري كقوة فاعلة في الاتحاد الأوروبي خاصة بعد انسحاب المملكة المتحدة منه وتنامي القوة الأمريكية في ظل العقوبات الاقتصادية التي ما انفك يتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ضمن خطوات متلاحقة لفك الرابط الاستراتيجي الذي حكم علاقات ضفتي الأطلسي منذ الحرب العالمية الثانية. وهو الثقل السياسي والاقتصادي الذي اكتسبته ألمانيا في العالم الذي جعل مختلف العواصم الأوروبية، تعبر عن ارتياحها لهذا الإنجاز السياسي على اعتبار أن استقرار ألمانيا هو استقرار لكل الاتحاد الأوروبي التي بقيت عواصمه تراقب المشاورات السياسية التي أجرتها ميركل طيلة خمسة أشهر كاملة وسط مخاوف من احتمال فشلها في تشكيل حكومة بما قد يفتح الباب أمام صعود اليمين الألماني المعروف بمواقفه المتطرفة تجاه سياسة الوحدة الأوروبية.