كيف يتم إقناع طالب جامعي بالتخصص في دراسة الفن الرابع؟ هو السؤال الذي طرحه الدكتوران حميد علاوي وجلولي العيد في الندوة التي أدارتها الدكتورة جميلة زقاي مؤخرا بالمسرح الوطني في إطار الطبعة الثامنة للأيام المسرحية بالجنوب، والتي حملت عنوان «تأسيس المسرح على البحث العلمي». اعتبر الناقد والمترجم وعميد كلية الآداب واللغات والفنون بالجامعة المركزية حميد علاوي، أن الحديث عن موضوع «تأسيس المسرح على البحث العلمي» مرده حاجة الجامعة إلى التفتح على محيطها، مضيفا: «نريد مسرحا جزائريا خالصا»، وهذا لا يعني إلغاء الحركة المسرحية الجزائرية عن نظيرتها العالمية، ممثلا بالقوال الذي «كنا نراه بازدراء، فأصبح أحد سفراء الثقافة الجزائرية». واعتبر الدكتور أن الجامعة بدأت تتفتح على المسرح، الذي يشهد، في العادة، غيابا عن هذا الصرح، فالطالب لم يدرس الدراما، والمشرف لا يعرف المسرح بمفهوم العرض، ولهذا أراد المتحدث أن يكون للجامعة المركزية قسمها للفنون، فقدم مشروعين ليسانس وماستر حول العرض المسرحي، لكنهما قوبلا بالرفض لعدم وجود قسم حاضن لهما، ليتم فيما بعد تأسيس قسم آداب، ثم قسم مستقل يضم 80 طالبا إلا أن هذا العرض تضاءل مع مرور السنوات. وأشار الدكتور إلى مشكلة تقبّل فكرة دراسة الفن الرابع عند الطالب وعائلته، والتساؤل حول مستقبل المتخصص في دراسة هذا الفن، لينتقل إلى معضلة التخصصات في الجامعات الجزائرية، «فليس معقولا أن يتوجه الطالب المتفوق دائما إلى دراسة العلوم والرياضيات في الجامعة، ففي هذه الحال، يمكن خسارة ناقد أو كاتب جيد». وانتقى الدكتور أساتذة مرموقين ومتخصصين ويعرفون المسرح كعرض لتدريس الطلبة، ليؤكد إيمانه بترسيخ قسم المسرح، وتوجيه طلبته إلى سوق العمل بكل أريحية. بالمقابل، اعتبر علاوي أن طالب قسم الفنون يحتاج إلى مرافق أخرى، مثل قاعة عرض تضم منصة والأكوستيك وغيرهما، وكان ذلك، حيث إن الجامعة بصدد تجهيز قاعة بشكل مناسب تؤدي هذا الغرض، ليتحسر على نقطة تتمثل في انغماس الطالب في الدراسة وعدم تخصيصه وقتا لممارسة المسرح وإمكانية انخراطه في الفرقة المسرحية «أبو العيد دودو»، إذ إن الطالب يفضّل مغادرة مقاعد الجامعة والالتحاق بحافلة نقل الطلبة بدلا من ممارسة الفن، ومن ثم إيجاد صعوبات في النقل. كما تطرق الدكتور لمسألة حساسة تتمثل في النقد، متسائلا: «هل يمتلك الناقد المؤهلات العلمية والمعرفية والإبستمولوجية لنقد نص وعرض مسرحي؟». ويضيف: «هل ممارس المسرح يقبل النقد؟ وهل يستفيد منه؟». وفي هذا السياق، أكد الدكتور وجود نقاد يهتمون فقط بنقد النصوص المسرحية من دون مشاهدة العروض، مشيرا إلى تشكل المسرح من نص وعرض وجمهور، وبالتالي ينبغي أن يكون النص المسرحي مهيأ لأن يترجَم على الركح. كما يمثل العرض الجانب التقني للنص المسرحي، في حين أن الجمهور يشكل الجمالية، وهو المحطة الأخيرة لهذه الخريطة. واعتبر الدكتور أن البحوث الأكاديمية لا تهتم بالتقنية؛ أي بالعرض، ولا تبحث عن الجمهور، ليطالبها بالنزول إلى الواقع الذي يُقصد به العرض المسرحي. بالمقابل، الممارس، في حد ذاته، لا يملك الاستعداد الكافي للاستفادة من النقد الجيد، حتى إنه لا يحضر الندوات والجلسات النقدية التي تلي العروض، بل يبحث عن المدح. من جهته، تناول الدكتور جلولي العيد، عميد كلية الآداب بجامعة ورقلة، تجربته المتمثلة في فتح تخصص الأدب المسرحي ونقده بجامعة ورقلة، معتبرا إياها مغامرة، كونه غير متخصص في المسرح، وإنما الذي دفعه إلى ذلك الفراغ الرهيب في جامعات الجنوب حول التخصص في دراسة ونقد الفن الرابع. وفي هذا السياق، قام الدكتور بفتح ماستر سنة 2011 حول الأدب المسرحي ونقده، بهدف هدم الرؤية السلبية للفن الرابع في مناطق الجنوب، ولتأسيس خطوة نحو الاهتمام بهذا الفن، ليتم بعد ذلك فتح دكتوراة في نفس التخصص. وذكر الدكتور أهدافا أخرى لهذه الفعلة الحميدة وهي: تحصيل معارف مسرحية عامة، القدرة على النقد المسرحي، ممارسة تقنيات منهجية والتحكم في الوسائل التقنية مثل التمثيل، اكتساب خبرة في أساليب وفنيات الإلقاء، معالجة النصوص المسرحية ومقاربتها وتحليلها انطلاقا من رؤية أكاديمية وغيرها. واعتبر الدكتور أن هذه التجربة التي تتميز بالإيجابيات تركها للتاريخ، ليذكر سلبياتها بمناسبة هذه الندوة، فقال أولا إنه من الصعب جدا إقناع الطالب بدراسة المسرح، خاصة أن الطالب يعتقد أنه يجب أن يكون ممارسا للمسرح ليدرسه، فيتم إقناعه بعكس ذلك، وأن بإمكانه أن يعمل مستقبلا في المسارح الجهوية ودور الثقافة وقطاع الإعلام، كما يمكن له أن يقدم دكتوراة هذا التخصص أو تخصصات أخرى، مثل الأدب المسرحي المقارن والنقد العربي الحديث والمعاصر. وأضاف جلولي أن أغلب الطلبة الذين يختارون ماستر تخصص أدب مسرحي، يفعلون ذلك لأن هذا التخصص مفتوح وليس حبا في المسرح، مضيفا أنه اجتهد رفقة آخرين في وضع البرامج مثل مادة المسرح العربي الحديث، المسرح الأوروبي القديم، حلقة البحث العلمي، الأدب الشعبي الجزائري، أدب الطفل وغيرها، في حين يختار أغلب الطلبة مواضيع مجترة في المسرح، مثل اتجاهات المسرح كالأدب المسرحي العربي في الجزائر، أعلام المسرح مثل مسرح علولة، التأثير الغربي على المسرح الجزائري مثل برخت، الظواهر الموضوعاتية مثل التراث في المسرح الجزائري ودراسة الظواهر الفنية كمسرح الهواة في منطقة الجنوب. وعاد الدكتور ليتحدث عن سلبيات التجربة، من بينها اهتمام الطلبة باختيار مواضيع التخرج نفسها التي اشتغل عليها رواد المسرح مثل زقاي ومنصوري، وهو ما اعتبره نوعا من التحايل، استطاعوا ممارسته أمام أساتذة غير متخصصين، فحينما يدرّس أستاذ التراث الأندلسي المسرح، لا يملك القدرة على تقييم هذه المواضيع، ليختتم حديثه بضرورة تدعيم الأدب المسرحي والعمل على تطويره. أما الدكتورة جميلة زقاي التي أدارت هذه الندوة، فقالت إنها تفرض على طلبتها في رسائل التخرج، انتقاء مواضيع آنية؛ اتقاء لتحايل البعض منهم الذين يعتمدون على تجارب القدامى ولا يهتمون بالبحث والتقصي. لطيفة داريب