أكّد المتدخّلون في فعاليات الملتقى الدولي حول «الصحافة الاستقصائية في الوطن العربي، الواقع والتحديات» بجامعة قسنطينة 3 نهار أمس، أنّ هذا النوع من الصحافة يعدّ من أهمّ الطرق للوصول إلى قلب الحقيقة والخروج من دائرة التأثير المبرمج، الذي يتم ضمن حلقات صناعة الإعلام وتمرير المعلومات، حيث أنّها تكشف التجاوزات والممارسات الخاطئة، وتفعّل مبدأ المحاسبة والمساءلة بما يؤدي مبدئيا إلى تصويب الأوضاع، كما أنّها لا تتطلّب صحفيين من نوع خاص أو وسائل غير عادية، إذ أن الأمر لا يتعدى في رأي الباحثين معايير وظروف الكتابة والالتزام والتحكّم في بعض الآليات وجمع المعلومات. في هذا الصدد أشار الدكتور حميد بوشوشة، خلال مداخلته حول «معايير وشروط ممارسة الصحافة الاستقصائية»، إلى أنّها تتعامل مع مصادر ومعلومات ووثائق تتناول قضايا غالبا ما تأخذ طابع السرية كون أطرافها لا يرغبون في أن تخرج إلى العلن أو يفصح عنها، تحت أي ظرف أو ضغط وبأية وسيلة من الوسائل العلنية، وفي مقدمتها وسائل الإعلام التي أصبحت تتّجه بقوّة في العقود الأخيرة لهذا النوع من الصحافة، التي تجلب الاهتمام وتدر المال. كما تطرق المحاضر إلى الصحفي الاستقصائي والمواصفات والمعايير التي يجب أن يتحلّى بها كونه يختلف عن بقية الصحفيين في أنه أكثر تمكنا وتحكما بمعايير الممارسة في هذا النوع، حيث أكّد ضرورة أن يكون جهد الاستقصاء جهدا ذاتيا للابتعاد عن كل النوايا غير الأخلاقية مع العمل على تحقيق مصلحة عامة وأن يكون مدركا أنّ موضوعه لا يهم فئة معينة على حساب أخرى، زيادة على ضرورة تمتّعه بالجرأة والقدرة على إظهار الحقيقة للناس وأن يملك القدرة على الإقناع. كما تحدث المحاضر عن الظروف التي تساهم في نجاح الصحافة الاستقصائية على غرار توفّر المناخ الديمقراطي وكذا وجود حريات أساسية ومؤسّسات شرعية وقانونية، زيادة على وجود هيئات ومنظمات مهنية تحمي الصحفي وتدافع عنه، باعتبار أنّ الصحافة الاستقصائية تمارس في ظلّ مناخ يكرّس حرية الصحافة والتعبير. أما المحاضر الأردني الدكتور عزام أبو الحمام، من جامعة الشرق الأوسط، فأكّد خلال مداخلته حول «الاتجاهات النظرية في التحقيقات الاستقصائية»، أنّ الصحافة الاستقصائية باتت اليوم ضرورة اجتماعية وضرورة لمؤسسات الدولة كونها تقوم بدور الرقابة والمحاسبة وتساعد الدولة في عمليات المحاسبة وكشف الفساد، وكذا كشف أيّ اختلال قد يقع بأجهزة الدولة أو أيّ مؤسّسات سواء بالقطاع الخاص أو العام أو حتى أجهزة الدولة، حيث اعتبر الصحافة الاستقصائية أداة هامة لتقوية مؤسّسات الدولة والمجتمع فهي صحافة المستقبل رغم من أنّها حديثة نسبيا، مضيفا في نفس السياق أنّ هذا النوع من الصحافة والذي لم يعرف إلاّ في بداية الألفية الثالثة في الدول العربية مقارنة والدول الغربية التي بدأت في القرن ال20 الماضي، غير أنّ الاهتمام بها بدأ يظهر بشكل كبير من خلال المؤتمرات حولها في الوطن العربي لأهميتها بالنسبة للمجتمعات والدول العربية. وتحدّث الدكتور فضيل دليو، عميد كلية الإعلام والاتصال بجامعة «صالح بوبنيدر» بقسنطينة، عن أخلاقيات الإعلام الاستقصائي في ظل النظرية السائدة والمعمول بها عند أغلب الصحفيين المتقصين للمعلومة وهي «الغاية تبرّر الوسيلة»، معتبرا أنّ بعض الطرق المنتهجة في هذا النوع الصحفي لا تكاد تختلف عن الطرق المنتهجة في قضايا الفساد من رشوة وضغط على أطراف من أجل الحصول على المعلومة.