أكد صندوق النّقد الدولي «الأفامي» استعداده لمرافقة جهود الجزائر عبر نشاطات دعم تقني في مجال تطوير الجباية المحلية، وتحصيل الضرائب وتسيير الميزانية وكذا عصرنة إدارة الجمارك، وذلك بعد أن أبرز توفر الجزائر على فرص لتحقيق تعديل في الاقتصاد والنمو. وجاء إعلان الهيئة المالية الدولية لمرافقة الجزائر على لسان مسؤوليها أمس، خلال المحادثات التي جمعتهم بوزير المالية عبد الرحمان راوية، بواشنطن، حيث التقى الوزير مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ومسؤولين بالقسم المكلّف بالنفقات العمومية والمسائل الجباية. وكان اللقاء الذي جرى على هامش الاجتماعات الربيعية لمجموعة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، مناسبة لمناقشة وضع التعاون بين الجزائر وصندوق النقد الدولي في مجالات الجباية والميزانية والجمارك. كما استعرض السيد راوية، خلال هذه المحادثات التطور الأخير للوضع الاقتصادي في الجزائر، مبرزا الأحكام التنظيمية المعتمدة لتأطير اللجوء إلى التمويل غير التقليدي من خلال إجراءات صارمة في مجال متابعة وتنفيذ برنامج إصلاحات هام. وأوضح الوزير في هذا الشأن أن التمويل غير التقليدي موجه نحو القطاع المنتج بغية تشجيع النمو واستحداث مناصب شغل. وكان صندوق النّقد الدولي، قد رفع من توقعاته الخاصة بالنمو الاقتصادي في الجزائر لسنتي 2017 و2018 في إطار تقليص عجز الحساب الجاري، حيث ذكر في تقريره السداسي حول الأفاق الاقتصادية العالمية الثلاثاء الماضي، أنه يراهن من الآن على نسبة نمو تقدر ب3 بالمائة في 2018 مقابل 0,8 بالمائة في تقريره لشهر أكتوبر المنصرم. وتوقع الصندوق تواصل هذه الوتيرة في 2019، لكن بتراجع طفيف لتقدر ب2,7 بالمائة. وبخصوص التضخم في الجزائر رفع صندوق النقد الدولي من توقعاته إلى 7,4 بالمائة هذه السنة، مقابل توقعات مبدئية قدرت ب4,4 بالمائة، فيما تقدر توقعاته لسنة 2019 بحوالي 7,6 بالمائة. أما العجز المسجل في الحساب الجاري والذي بلغ 12,3 بالمائة في الناتج الداخلي الخام في 2017، فمن المتوقع حسب نفس الهيئة أن يتقلص إلى 9,3 بالمائة في 2018 وإلى 9,7 بالمائة في سنة 2019. وفيما يتعلق بالبطالة في الجزائر قام صندوق النّقد الدولي كذلك بتخفيض توقعاته إلى 11,2 بالمائة في 2018 بعد أن راهن في أكتوبر الماضي على 13,2 بالمائة. وضمن استنتاجاته الأولية حول تقييم الاقتصاد الجزائري التي نشرت في مارس الماضي، أكد صندوق النقد الدولي أن الجزائر تتوفر على فرص لتحقيق تعديل في الاقتصاد والنّمو. ويرى الصندوق الذي اقترح التحكم في السياسات الاقتصادية، أن الكتلة الحرجة من التعديلات الهيكلية «أمرا ضروريا من أجل ترقية بروز اقتصاد يدعمه القطاع الخاص ومتنوع، وبالتالي تقليص التبعية للبترول والغاز». ويتعلق الأمر حسبه باللجوء إلى مجموعة واسعة من وسائل التمويل منها إصدار سندات ديون عمومية بنسب السوق وإقامة شراكات عمومية خاصة وبيع الأصول، مقترحا أيضا في حالة الإبقاء على التمويل النقدي، اتخاذ إجراءات وقائية معتبرة من أجل تسقيفه في الحجم وفي الزمن مع تطبيق نسبة السوق عليه. البنك العالمي يثمّن اعتماد سياسة نقدية غير تقليدية للتخفيف من القيود كما استعرض وزير المالية عبد الرحمان راوية، بواشنطن، مع مسؤولين من البنك العالمي، آفاق التعاون بين الجزائر وهذه المؤسسة المالية الدولية، حيث كانت له مباحثات مع نائب رئيس البنك العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ورئيس نائب المؤسسة المالية الدولية. وحرص السيد راوية، على تذكير محاوريه بالتزام الجزائر الصارم في إنهاء برنامج إصلاحات هام لتحقيق استقرار الاقتصاد وترقية نمو مستدام وشامل لأجل التصدي لانهيار أسعار المحروقات. وكان البنك العالمي قد أعلن الأسبوع الماضي، في تقريره أن النّمو في الجزائر سيستأنف سريعا في سنة 2018 نتيجة مسار التمديد المالي، حيث قدّر أن يستقر في مستوى 3,5 بالمائة مقابل 2,1 بالمائة في سنة 2017. وكان البنك العالمي في تقريره الأخير حول الآفاق الاقتصادية العالمية نشر في جانفي الماضي، قد راهن على نمو بنسبة 2,2 بالمائة في سنة 2017 و3,6 بالمائة في 2018. من جهة أخرى أوضح البنك العالمي أن التباطؤ المسجل في 2017 والمقارن بنسبة 3,3 بالمائة المحققة في 2016 ناجم عن ضعف نتائج إنتاج المحروقات التي تكون قد تراجعت ب1,4 بالمائة السنة الماضية «وهو ما يخالف الديناميكية المسجلة خلال الثلاثي الأول من السنة». ويراهن البنك أيضا على تقلص العجز المالي وعجز الحساب الجاري على المدى المتوسط عندما تقوم السلطات العمومية بإعادة توازن المالية العمومية، مشيرا في تقريره إلى أن اعتماد سياسة نقدية غير تقليدية يخفّف من القيود على المالية العمومية على المدى القصير، حيث اقترح في هذا الصدد تسيير أنسب للجوء الحصري لسك العملة من أجل تمويل العجز. وخلال لقائه بالسيد راوية، هنّأ نائب رئيس البنك العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا حافظ غانم، الجزائر على التنظيم النّاجح للندوة الإقليمية حول الاقتصاد الرقمي التي عقدت خلال مارس الأخير بالجزائر العاصمة، تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وعلى النتائج الجوهرية التي تمكنت من تحقيقها. فيما طلب الوزير راوية، من مجموعة البنك العالمي تجسيد توصية هذا اللقاء الإقليمي المتعلقة بأرضية الجزائر لتشجيع المقاولاتية والابتكار. مجموعة ال24 تدعو لاتخاذ إجراءات تقوي الأمن المالي وشارك السيد راوية، في اجتماع المجموعة ال24 للمسائل النقدية والتنمية الذي خصص لموضوع «الانتعاش الاقتصادي العالمي» بواشنطن، على هامش الاجتماعات الربيعية لمجموعة البنك العالمي وصندوق النّقد الدولي، حيث شكل اللقاء فرصة سانحة للتطرق إلى تعزيز النمو الشامل وتكثيف التعاون الدولي والإدماج الإقليمي. وعقب هذا اللقاء دعت مجموعة ال24 إلى وضع إجراء عالمي متين للأمن المالي، وفي صلبه صندوق نقد دولي يرتكز على نظام للحصص ويتوفر على موارد مناسبة، حيث جاء في البيان الذي توج الاجتماع أن المجموعة التزمت على الأقل بالإبقاء على قدرة «الأفامي» الحالية على الإقراض، وطالب باستعادة النسبة التاريخية للموارد الخاصة لنفس الصندوق وكذا الموارد التي تم اقتراضها. ورافعت الدول الأعضاء في المجموعة ال24 لصالح صيغة مراجعة، من شأنها إعادة تخصيص المزيد من حصص الدول المتقدمة لصالح الدول الناشئة أو النامية الديناميكية. كما حثت المؤسسات المالية الدولية والمجموعة الدولية على مواصلة تقديم دعمها للدول النامية التي تأثرت على نحو غير متناسب بأزمة اللاجئين. واعتبرت المجموعة أن القيود التجارية تبعث على القلق، حيث أبرزت أنه من أجل تعزيز التجارة دعما للاقتصاد العالمي، يجب العمل على تطوير نظام تجاري منفتح قائم على قواعد متعددة الجوانب والأطراف ومنصفة تقدم فوائد للجميع. المجلس الوطني للتشاور من أجل تطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: مؤشرات «دوينغ بيزنس» مفبركة والجزائر سيّدة في قراراتها اختار المجلس الوطني للتشاور من أجل تطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، تنظيم أول نشاط له منذ تنصيبه نهاية السنة الماضية، للرد على انتقادات الاتحاد الأوروبي والبنك العالمي الموجهة للحكومة مؤخرا، على خلفية الإجراءات الاقتصادية المتخذة لمواجهة الأزمة الراهنة، حيث طرح بالمناسبة مسألة «مناخ الأعمال» ليبرهن عبر شهادات عدة متعاملين اقتصاديين على أن الكثير من مؤشرات «دوينغ بيزنس» بعيدة عن الواقع، بل و«مفبركة»، مؤكدا بأن الجزائر بلد سيادي يملك الحق في اتخاذ الإجراءات الحمائية التي يراها ضرورية لتطوير اقتصاده. هي أهم رسالة وجهها المجلس في أول ملتقى نظمه أمس، بالجزائر العاصمة، تحت عنوان «أثر التشاور على التطوير الايجابي لمناخ الأعمال بالجزائر»، حيث شكل اللقاء مناسبة لرئيس المجلس وأعضائه لإبراز التطورات التي سجلها مناخ الاستثمار بالجزائر، رغم تراجع مرتبتها في التقرير الأخير للبنك العالمي حول مناخ الاستثمار. وجاء التركيز على هذا الجانب ومعه الإجراءات المتخذة للتقليص من فاتورة الاستيراد، في سياق تصريحات وتقارير هيئات دولية حول الاقتصاد الجزائري، أولها كان تصريح محافظة التجارة للاتحاد الأوروبي سيسيليا مامستروم، التي قالت إن الجزائر «لاتحترم اتفاقياتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما يخدم مصلحة الصين»، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي شرع في «حوار» مع الجزائر بهذا الخصوص. والثانية كانت التقرير الأخير للبنك العالمي بمناسبة اجتماعات الربيع، والذي حذّر فيه من أزمة مالية ونفاذ تام لاحتياطات الصرف بالجزائر في غضون سنتين، ليراجع بعدها توقعاته ويستبعد تماما سيناريو أزمة مالية مستقبلية، مكتفيا بالدعوة إلى «تسيير أنسب» للجوء إلى التمويل غير التقليدي. تصريحات المسؤولة الأوروبية أثارت «دهشة» رئيس المجلس الوطني للتشاور من أجل تطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة صلاح الدين عبد الصمد، الذي رد في كلمة افتتاحية للملتقى بالقول إن «الجزائر شريك هام لأوروبا وستظل كذلك، لكنها بلد له سيادة ويملك الحق في اتخاذ القرارات التي يريدها والتحكم في تجارته الخارجية». ونفس الموقف عبّر عنه أعضاء من المجلس ومتعاملون اقتصاديون الذين رفضوا هذه التصريحات والتوقعات، مؤكدين أن ما يقال عن مناخ الاستثمار بالجزائر لا يتوافق والواقع الذي تعيشه المؤسسة في الميدان. وبلهجة شديدة انتقد كمال مولا، رئيس نادي المقاولين والصناعيين للمتيجة، رؤية الهيئات الدولية للاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أن نظرة الصناعيين الجزائريين تختلف لأنهم يدركون أن ما يريده هؤلاء هو «البيع مهما كان، في حين نحن نريد الإنتاج رغم كل شيء». وتحدث عن الإجراءات الأخيرة المتخذة من طرف الحكومة، لاسيما منها منع استيراد مجموعة من المنتجات، ثم رفع الإجراء عن بعضها ولاسيما المنكهات مؤخرا، حيث شدد على القول بأن هذا القرار جاء بعد المبررات التي قدمها المتعاملون الخواص والتي تم «الاستماع إليها من طرف السلطات العمومية»، مشيرا في نفس السياق إلى فضائل التشاور بين مختلف الأطراف باعتباره مولدا ل«الثقة»، ليعبّر عن تفاجئه من غياب «التشاور» عن قائمة المؤشرات التي يعتمد عليها تقرير «دوينغ بيزنس». واستعرضت عضو المجلس نصيرة حداد، أهم الإصلاحات التي تمت في السنتين الأخيرتين لتحسين مناخ الاستثمار بالجزائر، حيث أكدت أهمية الإجراءات المتخذة في هذا الاتجاه لاسيما في مجال الرقمنة وتقليص الآجال، فيما اعتبرت في المقابل أن الإشكال المطروح اليوم هو كون الاصلاحات بأهميتها غير واضحة ميدانيا، حيث لا يلمسها حسبها المتعاملون وممثلو الهيئات العالمية، داعية إلى تثمينها عبر عمليات اتصال تجاه هؤلاء وحملات دبلوماسية من طرف ممثليات الجزائر في الخارج. كما دعت المتحدثة إلى إلحاق لجنة المتابعة الخاصة بمناخ الاستثمار بالوزارة الأولى واعتبار محاضرها بمثابة قوانين يجب تطبيقها. في نفس السياق، اعتبر رئيس المجلس صلاح الدين عبد الصمد، نظام التحفيزات المعتمد «نظام عام»، داعيا إلى وضع نظام آخر يتضمن «تحفيزات محددة حسب كل فرع»، وهو ما يسمح برأيه بتجنب ظاهرة تشبّع بعض الفروع التي تضر بالاقتصاد الوطني. وتأسف رئيس المجلس لغياب معرفة دقيقة بالسوق الجزائرية قائلا «هناك مستثمرون لديهم أموال وموارد ويفتقدون للأفكار الاستثمارية وآخرون يكتفون بتكرار تجارب موجودة». ولأن المعلومة الاقتصادية اليوم أصبحت جد هامة، أعلن رئيس المجلس الوطني الاستشاري أن هذا الأخير سيعمل على تحضير مؤشر يحدد وضع السوق الجزائرية، يكون مكملا للخارطة الاقتصادية التي يتم إعدادها. حنان/ح