دعا مختصون وباحثون في الإعلام إلى ضرورة سن قانون خاص بالصحافة الإلكترونية لضبطها وتنظيمها قصد وضع حد للفوضى التي تشهدها بسبب غياب إطار قانوني يحكمها ويحدد مقاييسها مع ضمان احترام أخلاقيات المهنة. مشيرين إلى أنه بالرغم من أن قانون الإعلام لسنة 2012 تطرق في بعض مواده للصحافة الإلكترونية لكن هذه المواد تبقى "غير كافية"، وهي بحاجة إلى إثراء وإصدار نصوص تنظيمية تحدد بدقة شروط منح الاعتماد والإطار العام في انتظار سن قانون آخر يخصص للصحافة الإلكترونية وحدها كما هو معمول به في الدول المتطورة التي سبقتنا إلى هذا النوع من الإعلام. أعاب أساتذة من المدرسة العليا للصحافة بالجزائر، غياب قانون يخص الصحافة الإلكترونية ببلادنا بالرغم من مرور أكثر من 17 سنة على ظهور بعض المواقع الإلكترونية، مما كرس نوعا من الفوضى واللاحترافية، أثرت سلبا على المشهد الإعلامي الجزائري، بسبب اقتحام الهواة والدخلاء على المهنة، هذا المجال الذي ظل منذ ذلك الوقت مفتوحا لأي كان حتى أصبح مهنة من لا مهنة له. وفي هذا السياق، ثمنت الدكتورة نبيلة بوشعالة أستاذة بالمدرسة العليا للصحافة ببن عكنون بالجزائر وجود عدة مبادرات سمحت بظهور مواقع متخصصة في عدة مجالات ثقافية، رياضية، اقتصادية وأخرى متنوعة، غير أن أغلبها عبارة عن مواقع إلكترونية لا ترقى إلى مستوى صحف إلكترونية بسبب غياب معايير الكتابة الصحفية الإلكترونية وفنيات التحرير على الواب. وحتى إن تمكنت العديد من هذه المواقع التي يسيرها صحفيون لهم خبرة في الإعلام الكلاسيكي المكتوب أو السمعي البصري من قبل، من تسجيل حضورها في الساحة الإعلامية الجزائرية وتوصيل رسالتها إلى الجمهور، فإن غياب إطار قانوني خاص بها لا يزال يحول دون تمكنها من بلوغ المراتب التي وصلت إليها الصحافة الإلكترونية العالمية في العديد من الدول. وأضافت الأستاذة بوشعالة أن غياب إطار قانوني ينظم هذا النوع من الصحافة في الجزائر وعدم وجود ما يمنع ممارستها، فتح الباب أمام أشخاص ليس لهم علاقة بالإعلام، وهو ما أدى إلى تسجيل عدة تجاوزات وتقاذف بين الأشخاص بالشتائم وتضارب المعلومات والزوبعة التي تثيرها بعض الفضاءات الإلكترونية في تهويل وتأويل الرأي العام من دون الرجوع إلى مصادر الخبر وبدون التأكد من المعلومة قبل نشرها، ناهيك عن المحتوى الضعيف لهذه المواقع بسبب غياب التكوين. وذكرت محدثتنا أن الصحافة الإلكترونية في الجزائر لا زالت بعيدة عن المستوى المطلوب وهي بحاجة إلى اهتمام الجهات الوصية كونها مستقبل الصحافة، مشيرة إلى أنه بالرغم من أن قانون الإعلام لسنة 2012 وقانون السمعي البصري لسنة 2014 تطرقا إليها لكنها لا زالت بحاجة إلى تحديد مفهومها عن طريق قانون يلمّ بكل جوانبها خاصة ما تعلق بطرق تمويلها وطريقة تسيرها. كما تطرقت محدثتنا إلى غياب هيئة تقوم بدور الضبط حاليا بما فيها وزارة الاتصال التي لا تملك المعلومات الكافية عن كل المواقع الإلكترونية بحكم أن أغلبها موطنة ومسجلة في الخارج لعدة اعتبارات أهمها قلة ثمن التوطين بالخارج مقارنة بالجزائر، وعوامل أخرى تتعلق بالتحكم في الجوانب التقنية والإفلات من الرقابة. كما ترى الأستاذة المختصة في الصحافة الإلكترونية أن هذه الأخيرة بحاجة إلى تنظيم قبل الضبط وتكوين الصحفيين على الكتابة الإلكترونية التي تختلف عن الكتابة في الصحافة الكلاسيكية. ترقية الصحافة الإلكترونية يتطلب تكوين واحترام الأخلاقيات ومن جهته، أيد الدكتور سمير عرجون أستاذ بذات المدرسة هذه الفكرة، داعيا الجهات الوصية إلى الاهتمام بالتكوين في مجال الصحافة الإلكترونية بالجامعات التي لا تدرس هذه المادة بالحجم الكافي، وكذا إقامة دورات تكوينية للصحفيين لتدريبهم على الكتابة على الواب التي تختلف عن الكتابة في الصحافة المكتوبة والتي لا زالت تسيطر على كل المواقع الإلكترونية بالجزائر كون صحفييها قدموا من الصحافة المكتوبة، مشيرا إلى أن الجزائر بحاجة إلى قانون يحدد كل هذه الشروط لتطوير أداء الصحافة الإلكترونية التي لا زالت مسيرة بطريقة الصحافة المكتوبة في أغلب الحالات من حيث الكتابة كما قلنا والتمويل والنموذج الاقتصادي. بالإضافة إلى فرض أخلاقيات المهنة وحماية حقوق الأشخاص والقراء بتسطير خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها كما هو معمول به مع باقي وسائل الإعلام لجعل كل طرف يتحمل مسؤوليته والوصول إلى تقديم مادة إعلامية محترمة ذات نوعية وموضوعية ومصداقية. وأشار محدثنا إلى أن غياب إطار قانوني يضبط الصحافة الإلكترونية ساهم في تكريس حالة من الفوضى ولا موضوعية بسبب احتكار بعض اللوبيات السياسية وأصحاب المال لعدة مواقع إلكترونية مع عدم احترام أخلاقيات المهنة وغياب المنافسة الشريفة واستغلال الصحفيين في ظل عدم وجود تشريع يحميهم ويسمح لهم بالاستفادة من البطاقات المهنية ويطور المؤسسات الإعلامية اقتصاديا. واقترح الأستاذ أن سن قانون للصحافة الإلكترونية يتطلب أولا وقبل كل شيء إدخال وتطوير التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال بشكل واسع، وتحسين نوعية التدفق والاستثمار أكثر في سوق الاتصالات المتطورة، إلى جانب مضاعفة عدد الموزعين الناشطين في مجال الأنترنت عبر الوطن لتسهيل نمو قطاع الصحافة الإلكترونية وتمكينها من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور. إلى جانب إعادة النظر في طريقة منح الدعم من الإشهار العمومي وطريقة التمويل. وأجمع المختصون الذين تحدثنا معهم أن قانون الإعلام لسنة 2012 تطرق في بعض مواده للصحافة الإلكترونية، غير أنه يبقى غير كاف كونه إكتفى بالعموميات والمفاهيم ولم يتطرق إلى التفاصيل التي من شأنها ضبط المهنة وحمايتها وترقيتها، كما أنه لم يتم إلى غاية الآن إصدار نصوص تطبيقية لهذا القانون. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الاتصال سبق لها أن أعلنت منذ قرابة العامين على لسان الوزير السابق حميد قرين عن التحضير لمشروع قانون يتعلق بالصحافة الإلكترونية، غير أن هذا المشروع لم ير النور إلى غاية الآن، كما أنه لم يتم إشراك أهل الاختصاص في إعداده من أساتذة جامعين وباحثين مهتمين بالموضوع حسبما أكده هؤلاء. قانون الإعلام إكتفى بتحديد المفاهيم دون التفاصيل واكتفى قانون الإعلام لسنة 2012 في بعض مواده بتحديد مفهوم الصحافة الإلكترونية، حيث ذكر بأن المقصود بها هو خدمة اتصال مكتوب عبر الأنترنت موجهة للجمهور أو فئة منه، وينشر بصفة مهنية من قبل شخص طبيعي أو معنوي يخضع للقانون الجزائري، ويتحكم في محتواها الافتتاحي. كما نص القانون أن نشاط الصحافة المكتوبة عبر الأنترنت يتمثل في إنتاج مضمون أصلي موجه إلى الصالح العام، ويجدد بصفة منتظمة ويتكون من أخبار لها صلة بالأحداث وتكون موضوع معالجة ذات طابع صحفي. مشيرا إلى أن المطبوعات الورقية لا تدخل ضمن هذا الصنف عندما تكون النسخة عبر الأنترنت والنسخة الأصلية متطابقتين. كما أوضح القانون أن المقصود بخدمة السمعي البصري عبر الأنترنت هي خدمة اتصال سمعي بصري عبر الأنترنت من واب تلفزيون، أو واب إذاعة موجهة للجمهور أو فئة منه، وتنتج وتبث بصفة مهنية من قبل شخص طبيعي أو معنوي يخضع للقانون الجزائري ويتحكم في محتواها الافتتاحي. أما فيما يخص النشاط السمعي البصري عبر الأنترنت فحصره القانون في إنتاج مضمون أصلي موجه للصالح العام يجدد بصفة منتظمة ويحتوي خصوصا على أخبار ذات صلة بالأحداث تكون موضوع معالجة ذات طابع صحفي. موضحا أنه لا تدخل ضمن هذا الصنف إلا خدمات السمعي البصري التي تمارس نشاطها حصريا عبر الأنترنت. علما أن القانون استثنى من هذه التعاريف كل الأخبار التي تشكل أداة للترويج أو فرعا لنشاط صناعي أو تجاري. ❊ زولا سومر مختصون وصحافيون يؤكدون بمنتدى "الجمهورية": الجرائد المكتوبة عليها مسايرة التطور الرقمي دعا أساتذة وصحافيون مختصون أمس، إلى مسايرة الجرائد المكتوبة التطور الرقمي الحالي بما يخدم الساحة الإعلامية بالجزائر، ورفع التحدي الذي أصبحت تفرضه الرقمنة والتطور التكنولوجي في مجال الإعلام، والتي أدت إلى تراجع جمهور الجريدة الورقية مع مراعاة الجانب الأخلاقي في تقديم المعلومة للمتلقي. جاء تدخّل الصحافيين والمختصين في المجال الإعلامي في إطار منتدى جريدة "الجمهورية" بوهران، الذي خُصص أمس بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير، لموضوع "واقع الصحافة التقليدية في ظل الثورة الرقمية" بحضور عدد كبير من الصحافيين. وكشف الدكتور معزوز رزيقي العضو السابق في المجلس الأعلى للإعلام، أن الصحافة المكتوبة بالجزائر تواجه أزمات كبيرة، أدت إلى توقف 60 صحيفة عن الصدور منها 26 يومية وطنية، فيما تراجع السحب بنحو 15 بالمائة، فضلا عن الديون التي تتخبط فيها الجرائد بما فيها الجرائد العمومية، موضحا أن الأزمة لا ترتبط بالأزمة المالية التي تعرفها الجزائر وتراجع الإشهار، بل ترتبط بهجرة جمهور الصحافة المكتوبة نحو الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث كشفت الأرقام عن وجود 18.5 مليون شخص بالجزائر مرتبطين بالإنترنت من أصل 41 مليون مواطن، وهو ما أصبح يتطلب من الجرائد الورقية البحث عن نوعية جديدة للإعلام بما يتماشى والتطور الرقمي، مضيفا أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تصنع الرأي العام وتؤثر في التوجهات الشخصية بعيدا عن الأخلاقيات؛ بما يدفع بالسير نحو المتلقي في مناطق غير معروفة. من جانبه، أكد السيد أحمد بن صبان المدير الجهوي للمحطة الجهوية للتلفزيون الجزائريبوهران، أن مواقع التواصل الاجتماعي تمكنت من قتل أهم شيء في الإعلام، وهو "المصدر"؛ مما كان له انعكاس وضرر على المجتمع. وأكد بن صبان أن الجرائد الورقية في ظل التطور الرقمي، لن تزول، والصحافة ستبقى بحاجة إلى صحافي محرر الخبر، الذي يقدم المعلومات التي تعتمد على أبجديات العمل الصحفي وأخلاقيات المعلومات ومواجهة ما أصبح يُعرف ب "المعلومة الكاذبة"، التي تحولت إلى مصدر إثارة بمواقع التواصل الاجتماعي. السيد عبد القادر أولفقير صحافي وعضو لجنة سلطة الضبط السمعي البصري، أكد أن الجرائد الورقية ستبقى للقراءة رغم هذه الظروف الصعوبة التي تعيشها، داعيا إلى ضرورة أن تجهز الصحافة الورقية نفسها بالتقنيات الحديثة للدفاع عن نفسها والتماشي والتطور الرقمي الذي يعرفه مجال الإعلام ككل. وأشار لفقير إلى أن عددا كبيرا من القنوات الخاصة تحاول الوصول إلى تقديم المعلومة بطريقة غير أخلاقية، لتتحول الصحافة من مهنة إعلامية إلى تجارة، داعيا إلى أخلقة القطاع وبذل الجهود في سبيل التكوين المتواصل للصحافيين. الصحافي والأستاذ بقسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة وهران جعفر آيت حبوش، أكد بدوره أن عدم وجود ضوابط قانونية وأخلاقية لمواقع التواصل الاجتماعي، دفع بها لأن تكون منافسا للجرائد المكتوبة وتجلب المستعملين، مضيفا أن الإعلام التقليدي لازال قادرا على مواكبة التطور الحديث. وأكد المتحدث أن الأزمة التي تعيشها الجرائد والتي أدت إلى إغلاق العديد منها، مرتبطة أساسا بالإشهار قبل منافسة الرقمنة الجرائد الورقية، داعيا إلى إيجاد صيغة تضمن استفادة عادلة من الإشهار، يضيف المتحدث. ❊ رضوان.ق