بالرغم من الحضور الذي باتت تسجله الصحافة الإلكترونية في المشهد الإعلامي الجزائري، فإنها لا زالت متأخرة مقارنة بالدول الأجنبية وبالمكاسب التي حققتها الصحافة الجزائرية منذ عهد التعددية. ويعاب على المواقع الإلكترونية الإعلامية ببلادنا اعتمادها على أنماط التحرير الكلاسيكية المعمول بها في الصحافة المكتوبة الورقية، وعدم تكيّفها مع تقنيات الكتابة على «الواب». الأمر الذي لا يمكنها من منافسة الصحافة الورقية في الوقت الراهن لأنها لم ترق لتقديم البديل للجمهور. ويؤكد الخبراء أن الصحافة الكلاسيكية لا زالت قادرة على الاحتفاظ بمكانتها لمدة لا تقل عن 30 سنة بسبب نقص النوعية ومحدودية المعلومات بهذه المواقع، بالإضافة إلى محدودية انتشار الأنترنت ومستوى تدفقها. سجلت الصحافة الإلكترونية بالجزائر خلال السنوات الأخيرة، تقدما مقارنة بما كانت عليه قبل 2012 قبل صدور قانون الإعلام الجديد وبفضل تطوير تكنولوجيات الإعلام والاتصال لتفرض نفسها كمصدر إعلامي مهم في الساحة الإعلامية الوطنية. غير أنه وبالرغم من هذا الحضور فإن المختصين في المجال يرون أن الصحافة الإلكترونية لا زالت متأخرة بسبب عدم مطابقتها لمواصفات هذا النوع من الإعلام الحديث، واعتمادها في أغلب الحالات على هواة وليس على صحفيين وأصحاب المهنة. أكد سمير عرجون، أستاذ بالمدرسة العليا للصحافة وملحق بجامعة صوفيا أونتي بوليس بفرنسا في تصريح ل«المساء» أن الصحافة الكلاسيكية والجرائد الورقية ليست مهددة بالزوال كما يرى البعض بسبب ظهور الصحافة الإلكترونية بالجزائر، كون معظم المواقع الإلكترونية حاليا تابعة للجرائد الورقية. وقال محدثنا إنه حتى وإن كان الإعلام الإلكتروني سهل بشكل كبير للاطلاع على المعلومة، حيث تكمن أهميته في السرعة وسهولة الحصول على المعلومة والاطلاع عليها من أي مكان تكون فيه خدمة الأنترنت متوفرة. إلا أن نقص التغطية التي لا تتجاوز نسبتها 20 بالمائة مع دخول خدمات الجيل الثالث وعدم وصول خدمات الأنترنت للمناطق النائية وتدفقها البطيء يجعلنا نقول إن تطورها بحاجة إلى وقت طويل، مما يترك المجال مفتوحا أمام الإعلام الكلاسيكي لمواصلة مسيرته لمدة قد تصل إلى 30 سنة شريطة تقديم النوعية والتحلي بالاحترافية. سحب تعليقات القرّاء خنق لحرية التعبير وإبداء الرأي وذكر الأستاذ بأن المواقع الإعلامية الجزائرية لا زالت تعمل بنظام تكنولوجي ابتدائي باستعمال التكنولوجية التي كان معمولا بها في التسعينيات بالدول المتطورة. ولم ترق بعد لاستعمال الجيل الثاني من الأنترنت أو ما يعرف ب«واب 2 0» الذي يعتمد في أغلب الأحيان على الاتصال الاجتماعي. كما أشار محدثنا إلى أن المواقع الإلكترونية الإعلامية بالجزائر تمارس خنقا على حق المواطن في إبداء الرأي من خلال حجب التعليقات التي لا تخدمها أو تنتقد مقالاتها، كما لا تمكن القرّاء من ترك تعليقاتهم إلا بتسجيل بعض المعلومات الخاصة بهم كبريدهم الإلكتروني، والامتناع عن نشر هذه التعليقات إذا كانت سلبية. مضيفا أن هذه الممارسات تتنافى مع أخلاقيات المهنة ومع حق القرّاء في التعبير وإبداء الرأي إذا علمنا أن القوانين العالمية الخاصة بالصحافة الإلكترونية تسمح للوسيلة الإعلامية بحذف هذه التعليقات في حالة واحدة فقط عندما تتضمن عبارات الشتم أو العنصرية أو المساس بالأمن كما هو معمول به في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وغيرهما. ويمكن القول إنه توجد ثلاثة أنواع من الصحافة الإلكترونية بالجزائر وهي الصحافة الإلكترونية المتخصصة والتي يتجاوز عددها 60 موقعا كالصحافة الرياضية، أو تلك الخاصة بالهاتف النقال أو السيارات. والصحافة الإلكترونية العامة كالمواقع التي تنشر أخبارا إعلامية في كل المجالات والتي لا تتعدى سبعة مواقع إلكترونية، في حين تبقى باقي المواقع عبارة عن مواقع إلكترونية تابعة للجرائد المكتوبة. إلى جانب بعض المواقع الإعلامية الأخرى التابعة للهواة والمتمثلة في مواقع متخصصة في مجالات متنوعة والتي غالبا ما تكون في شكل منتديات كالصيدلة، الطب، الشعر، والإعلانات وغيرها ينشطها أشخاص من تخصصات أخرى وليسوا صحفيين. كتابة طبق الأصل للنسخ الورقية ومن أبرز نقاط ضعف الصحافة الإلكترونية ببلادنا هو عدم تفتحها على فنيات التحرير على «الواب» التي تختلف تماما عن تقنيات التحرير في وسائل الإعلام الكلاسيكية وخاصة المكتوبة. إذ نجد أن كل المواقع الإلكترونية الحالية توظف صحفيين من الصحافة المكتوبة ولم يستفيدوا من تكوين في مجال الصحافة الإلكترونية الذي يبقى شبه منعدما بمعظم الجامعات بسبب غياب مؤطرين مختصين في هذا المجال، إذ نجد أن القلة القليلة من الأساتذة المختصين في الصحافة الإلكترونية تحصلوا على شهادات من جامعات أوروبية وعددهم حاليا غير كاف لتأطير الكم الهائل من الطلبة بكليات ومدارس الإعلام. وفي هذا السياق أفاد المختص أن الكتابة على «الواب» تختلف تماما عن الكتابة في الصحافة الإلكترونية لأن محتواها يجب أن يكون مختصرا ويصيب الهدف مباشرة باستعمال أقل قدر ممكن من الكلمات لجلب القارئ لقراءة كل المحتوى. في الوقت الذي تؤكد فيه الدراسات الأكاديمية المنجزة بكبرى الجامعات العالمية أن القارئ للأخبار عبر شبكة الأنترنت يشعر بالملل بعد مرور 3 دقائق فقط على عكس جمهور وسائل الإعلام الكلاسيكية المكتوبة التي يستغرق فيها القرّاء على الأقل 30 دقيقة، والسمعية البصرية 26 دقيقة. وإلى جانب الاختصار في النّص واستعمال الكلمات المألوفة أضاف محدثنا أن الصور تبقى أكثر تعبيرا عن الكلمات في الصحافة الإلكترونية، لذا يجب على صاحب المقال نشر عدة صور أو فيديوهات والاكتفاء بنص قصير. وهو ما لم تتوصل إليه الصحافة الإلكترونية ببلادنا حاليا والتي تكتفي بصورة واحدة ونص طويل كما هو معمول به في الصحافة المكتوبة. كما نجد أن كل المواقع الإلكترونية حاليا تنشر مقالاتها بطريقة عادية كلاسيكية غير مكترثة للتقنيات التي يتطلبها نشر المعلومة بهذا النوع من الوسائل الحديثة لجلب أكبر عدد من القرّاء والتمكّن من إيصال الرسالة الإعلامية وترسيخها في ذهن القارئ، حيث ذكر المختص بأن المعلومات التي تنشر على «الواب» يجب أن لا تكتب بطريقة عمودية أو أفقية كلاسيكية، بل يجب أن يوضع المقال في شكل حرف s أو z باللاتينية لأنهما الاتجاهين اللذان تميل إليهما عين القارئ. وكلما كان النّص في غير هذا الاتجاه كلما فقد قيمته بسبب نقص تركيز القارئ. أما النقطة الأخرى التي من شأنها لفت نظر وانتباه الجمهور هي الألوان، حيث يبقى الأزرق اللون الأكثر جاذبية على «الواب» بدليل أن مواقع التواصل الاجتماعي وأكبر المواقع العالمية تستعمل الأزرق الذي يصنّف كلون اتصال بامتياز. في الوقت الذي لا يزال هذا اللون غائبا في أغلب المواقع الإلكترونية الجزائرية التي تفضّل استعمال اللون الأحمر حسبما نلاحظه يوميا. المواقع الإلكترونية مطالبة بالتأقلم مع تقنيات «الواب» ولهذا يرى محدثنا أنه بات من الضروري على هذه المواقع الجزائرية أن تتأقلم مع هذه التقنيات إذا أرادت الإقبال عليها واحتلال مكانة تنافس بها الصحافة الكلاسيكية وذلك بتحقيق النوعية لتكون محتوياتها راسخة في ذهن الجمهور. حيث تؤكد الدراسات أن ذهن الإنسان يتلقى يوميا ما معدله 30 جيغا من المعلومات بين ما يراه وما يسمعه وما يقرأه. لذا يجب التفكير في كيفية ترسيخ مادتنا الإعلامية في ذهنه من بين كل ما يتلقاه من كم هائل من المعطيات في عصر المعطيات الكبرى أو ما يعرف بعصر « big data». وخلص الأستاذ بالمدرسة العليا للصحافة، إلى أن عددا قليلا جدا من هذه المواقع يعد على أصابع اليد يعتمد على فرق تحرير مهامها الكتابة على «الواب» كوكالة الأنباء والإذاعة الوطنية، في حين أن باقي المواقع التابعة للجرائد تعتمد على نفس فريق تحرير النسخة الورقية وأحيانا نجد مواقعها نسخة طبق الأصل للجريدة الورقية. ويبقى تطور الصحافة الإلكترونية مرهونا ببعض العوامل حسب محدثنا الذي أكد وجوب توفر إرادة حتى تصبح هذه الصحافة مهنة قائمة بذاتها ولا تبقى مجرد فرع تابع للصحافة المكتوبة. بالإضافة إلى الاهتمام بتطوير الوسائل التكنولوجية وتوسيع تدفق الأنترنت، ووضع نموذج اقتصادي لتوفير استقلالية مالية لهذه المواقع الإلكترونية التي يبقى الإشهار مصدرها المالي الوحيد في ظل غياب الدفع الإلكتروني مما لا يسمح ببيع المحتوى كما هو معمول به في بعض المواقع التابعة للجرائد الكبرى بفرنسا والولاياتالمتحدةالأمريكية التي يدفع القارئ مبلغا ماليا حتى يتمكن من قراءة بعض المعلومات. تجربة حديثة قابلة للتطور بتوفير مصادر الخبر من جهته يرى الأستاذ عيسى مراح، أستاذ بكلية الإعلام والاتصال بجامعة بجاية، أن الصحافة الإلكترونية ببلادنا تجربتها حديثة حيث بدأت ترى النور سنة 1997 باستحداث جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية لموقعها الإلكتروني ثم جريدة الخبر في 1998 لتتوسع تدريجيا إلى أن وصلت إلى فتح مواقع إخبارية في 2007 كموقع «كل شيء عن الجزائر» وغيره. وإن كانت نتائج هذه الصحافة لها علاقة بتجربتها الحديثة في الحقل الإعلامي فإنها تمكنت من كسب بعض القرّاء الذين لا زالوا ينتظرون منها الكثير خدمة لحق المواطن في الإعلام وتطلعه للسرعة في تلقي المعلومة. مشيرا إلى أن نقص مصادر الخبر بسبب غياب ثقافة التعامل عبر الأنترنت يبقى عائقا أمام هذه الصحافة التي لا تتمكن من الحصول على السبق الصحفي في أغلب الأحيان. بالإضافة إلى غياب التحكم في أرضية رقمية للكتابة والنشر التي يستثمر فيها الصحفي، وهي صعوبات تقنية تقلل من حظوظ اكتساب الكفاءة وتقنيات ممارسة الصحافة الإلكترونية. الإعلام الإلكتروني بحاجة للتصدي للمدونات الفاقدة للمصداقية وإن كانت معظم المواقع الصحفية الإخبارية تقدم أخبارا موضوعية ونزيهة فإن هذه المواقع باتت مهددة في ظل انتشار بعض المواقع غير الاحترافية، والتي تبقى في حقيقة الأمر عبارة عن مدونات وصفحات أو ما يعرف ب«لي بلوغ» لا يمكن تسميتها بالصحافة الإلكترونية لأن الصحافة يمتهنها صحفيون وليس دخلاء من أشخاص يفتقدون للاحترافية وأخلاقيات الكتابة لينشروا مواضيع ليست لها مصداقية. الهدف منها المساس بالأشخاص أو التهجّم عليهم أو التحريض على الفوضى وزعزعة الاستقرار. وفي هذا السياق أكد رئيس الجمهورية السيّد عبد العزيز بوتفليقة، في الرسالة التي وجهها للأسرة الإعلامية أمس، بمناسبة العيد الوطني للصحافة أن هذه الممارسات الإلكترونية أصبحت تشكل تحديا جوهريا للإعلام الوطني وللجزائر برمتها من خلال زرع أفكار هدّامة. مشيرا إلى أن محتوى هذه المواقع يأتي غالبا من بلدان أجنبية ويمكن من التعبير تلميحا إما للشتم والتجريح أو لزرع أفكار هدّامة الهدف منها التهجّم على الشعب والوطن. داعيا المختصين في مجال الإعلام إلى التفكير معا حول هذا الموضوع للوقاية من انعكاساته على الإعلام المحترف وعلى الوطن.