بلغت الأوضاع في قطاع غزة حدا لم يعد يطاق بعد أن بدأت الكارثة الإنسانية تلوح في أفقه المظلم بسبب الحصار وسياسة الإغلاق التي يعتمدها وزير الدفاع الإسرائيلي لإرغام سكانه على الإذعان للخطط الإسرائيلية. وبعد مرور شهر، منذ قرار وزير الدفاع ايهود باراك بإغلاق المعابر الرابطة بين دولة الاحتلال وقطاع غزة تحول هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية إلى أكبر سجن في العالم بنزلاء بلغ عددهم أكثر من 1.5 مليون سجين دون جريمة. ولكنه سجن بمواصفات لاإنسانية لافتقاده لأدنى شروط الحياة بعد أن شحت المواد الغذائية والوقود اللازم في مثل هذا الفصل والأدوية في عياداته في مشهد حول الأوضاع إلى مأساة بل إلى جريمة تتم بعيدا عن الأعين وان كان الكل شاهدا عليها. والمفارقة ان الشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة أوالضفة الغربية أصبح يعيش أطوار هذه المأساة الجريمة والكل يتفرج وكأنه فاقد لقوة الحركة لوقف المجزرة الرهيبة المقترفة ضد الرضع والشيوخ وكل الشعب الفلسطيني على اعتبار ان الجوع وانعدام الدواء لا يستثني لا الكبير ولا الصغير. فبينما يعيش سكان قطاع غزة ماساتهم في صمت مطبق بعد ان بحت نداءاتهم ولم تعد تصل الى مقاصدها بل ان الجميع أصم اذنيه عن سماعها، عاد سكان مدن الضفة ستة عقود الى الوراء وهم يرون قطعان المستوطنين اليهود وهم يتكالبون عليهم وحولوا حياتهم الى جحيم لم يعد يطاق. وبشكل لافت تشكلت مجموعات عنصرية بأفكار نازية داخل إدارة الاحتلال تلاحق كل ما هو فلسطيني وتخرب وتستولي على ممتلكاتهم في عمليات أشبه بالتي قادتها عصابات الهاغانا والارغون منتصف أربعينيات القرن الماضي والتي مهدت لاستيطان اليهود في قلب فلسطين التاريخية. والقاسم المشترك بين تلك الأحداث وهذه ان عصبة الأمم حينها والأممالمتحدة الآن والقوى الكبرى مجتمعة بقيت وكأنها لاترى ما يجري من تجاوزات وصلت الى حد إزهاق أرواح الفلسطينيين. والمفارقة أيضا ان مجلس الأمن لم يتحرك إلا بعد إلحاح متواصل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي طالب مجلس الأمن القيام بتدخل سريع لوقف الهجمة العنصرية للمستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين. ولم يجد أعضاء مجلس الأمن إلا التنديد بتلك الهجمات العنصرية ولكنهم لم يجرأوا على مواجهة الحقيقة كما هي ومطالبة إدارة الاحتلال باتخاذ اجراءات ردعية ضد هؤلاء الذين كانت سببا في ظهورهم، بل أنها هي التي شجعتهم على القيام بتلك الاعتداءات لتخويف الفلسطينيين ومحاولة منها للقول أنهم لا يخضعون لسيطرتها تماما كما هو الشأن بالنسبة لعناصر المقاومة الفلسطينية. وأصبح سكان قطاع غزة يعيشون مأساتهم في صمت بعد ان تجاهلهم العالم ولم يستطع بنو عمومتهم من العرب ايصال ولو سفينة واحدة من المؤونة لإنقاذهم من موت محقق وسؤالهم هل يعقل ان شعبا فلسطينيا يموت في بطئ بسبب نفاذ الوقود وهو محاط بدول "شقيقة" يحتوي باطن أراضيها على أكبر الاحتياطات العالمية من النفط والغاز ومن أكبر منتجي الطاقة الكهربائية ويزعمون ان لهم ما يكفي لمواجهة أزمة اقتصادية مستفحلة. ويبدو ان الدول العربية التي اتخذت قرارا "شجاعا" قبل أسبوعين لإنقاذ "الإخوة" في قطاع غزة واجهت واقعا مرا بعد أن اصطدمت بحاجز الصد الإسرائيلي الذي أكدته في تعاملها مع سفينة إغاثة ليبية حاولت إرسالها إلى القطاع وعادت أدراجها بما حملت من حيث أتت. وأمام هذه الوضعية الكارثية لم تجد منظمة حقوقية اسرائيلية سوى التأكيد على أن وضع الفلسطينيين سواء في قطاع غزة أوالضفة الغربية أشبه بنظام الابارتيد الذي طبقه نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا. وأكدت منظمة الحقوق المدنية الاسرائيلية أن التمييز الذي تمارسه إدارة الاحتلال بين سكان الضفة الغربية والمستوطنين اليهود بسبب المستوطنات التي يقيمونها في الضفة الغربية. وأكدت ان 2.3 مليون فلسطيني في الضفة الغربية يخضعون للقانون العسكري بينما يخضع 250 ألف مستوطن إسرائيلي للقوانين المدنية. وهي حقيقة واحدة من بين مئات الحقائق التي تكون المنظمة الحقوقية الإسرائيلية قد تجاهلتها ولكنها ما كتبت بمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان بمثابة شاهد من أهلها على جرائم ومعاناة يومية يتجرعها الفلسطينيون في صمت ولا أحد التفت إليهم. ويكون ذلك مفيدا على اعتبار ان القاعدة الفيزيائية تؤكد ان الضغط لا بد ان يولد الانفجار ومن يدري فقد تنفجر الأوضاع مادمت الحياة أصبحت مستحيلة في ظل احتلال لا يرحم والثورة الشاملة عليه أفضل ما يجب الرد عليه.