«المقاومة يجب أن تتواصل إلى غاية وضع حد للاحتلال»، بهذه العبارة التي حملت في طياتها الكثير من الرسائل باتجاه الفلسطينيين، وخاصة أبناء الانتفاضة وباتجاه الاحتلال الإسرائيلي، ردت عهد التميمي مباشرة لدى وصولها إلى قريتها النبي صالح بالضفة الغربية على مئات الفلسطينيين الذين احتشدوا لاستقبالها في مقر سكناها. استعادت عهد التميمي التي تحولت إلى رمز مقاومة أطفال الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية حريتها أمس، بعد أن قضت ثمانية أشهر سجنا وراء قضبان الاحتلال إثر صفعها جنديا إسرائيليا حاول استباحة منزل والديها في قرية النبي صالح بالضفة الغربية. وحظيت عهد باستقبال حار منذ خروجها من السجن وإلى غاية وصولها إلى قريتها، خصها به أفراد عائلتها وكل سكان القرية، إلى جانب عدد كبير من الصحافيين والمصورين الذين تابعوا قضية هذه الفتاة الثائرة التي تجرأت، و بدون خوف ولا اكتراث على تبعات فعلتها على صفع جندي إسرائيلي مانعة إياه من دخول بهو منزل والديها. وخص مئات الفلسطينيين، عهد ووالدتها بهذا الاستقبال الشعبي رغم أن سلطات الاحتلال تعمدت انتهاج سياسة تعتيم مقصودة وروجت لأخبار متضاربة حول المكان الذي سيطلق منه سراحها وأيضا طريق عودتها إلى منزلها في محاولة لمنع أي تجمعات شعبية لاستقبالها. وكانت سلطات الاحتلال أبلغت عائلة التميمي بأنه سيتم إطلاق سراح ابنتهم من السجن من دون أن تقدم أي تفاصيل أخرى حول مكان الإفراج، إما على معبر جبارة أو عند حاجز رنتيس بمنطقة رام الله. وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية أن مواطنين شاهدوا الأسيرة ووالدتها تخرجان من سجن «شارون» الإسرائيلي على متن سيارة عسكرية من دون أن تتوقف عند أي حاجز أمني إلى غاية إخلاء سبيلهما في قرية النبي صالح. وأمام مئات المصورين الذين حضروا إلى قرية النبي صالح، أعادت عهد التميمي التأكيد على ثبات موقفها وأن المعاناة التي تجرعت مرارتها في زنزانتها لم تزدها إلا إصرارا وتشبثا بمواقفها الرافضة للاستسلام، بل إن تجربة السجن وهي في سن السادسة عشرة أكسبتها قوة على مواصلة السير على درب المقاومة إلى غاية إنهاء الاحتلال. ورغم إصرارها الذي عكسته ملامح عينيها وحدة كلماتها، إلا أن عهد لم تتمكن من إخفاء دموعها التي انهمرت على خديها وهي تحظى باستقبال والدها وأشقائها وكل أفراد آل التميمي وجيرانها تحت أعين جلاديها من جنود جيش الاحتلال الذين حرصوا على اقتيادها من السجن إلى غاية منزل والديها. وكان أول ما قامت به، وقد استعادت حريتها، زيارتها لعائلة فقدت ابنها في مواجهات اندلعت مؤخرا في قرية النبي صالح، يوم كانت في السجن، حيث قدمت لها العزاء قبل أن تضع باقة ورد على ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات، وحظيت باستقبال من الرئيس محمود عباس ضمن التفاتة أكدت صمودها على موقفها وأن لا السجن ولا الاعتداءات اليومية للجنود الإسرائيليين سيغيران كرهها للاحتلال الذي تجرعت مرارته في يومياتها وأصبح علقما يوم زج بها في غياهب زنزانة سجن تنتهك فيه كل الحريات وتداس فيه كل الحقوق. وأكد الرئيس محمود عباس في بيان أصدره أن الفتاة الفلسطينية الثائرة «تشكل نموذجا للمقاومة الفلسطينية من أجل الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة»، مؤكدا أن المقاومة الشعبية السلمية تبقى أفضل سلاح لمواجهة جبروت الاحتلال وإظهار درجة همجيته أمام العالم. وأكد هذا الاستقبال وتصريحات الفتاة الفلسطينية الثائرة في وجه الاحتلال، أن إسرائيل فشلت في خطتها لإسكاتها بعد أن حكمت عليها بالسجن النافذ، وكان يمكن أن تكون مجرد فتاة مثلها مثل آلاف الفتيات الفلسطينيات اللائي يقاسين ويلات الاحتلال في صمت، ولكن إدانتها والحكم عليها بتلك العقوبة الجائرة أخرجها من قرية النبي صالح، ليس فقط لتتحول إلى رمز للنضال الفلسطيني، ولكن لتحظى بتقدير كل أحرار العالم لجرأتها وشجاعتها في مواجهة جندي مدجج بأحدث الأسلحة، وتقوم بصفعه في مشهد جعلته لا يصدق أن فتاة في مثل عمرها بإمكانها أن تلطمه وتركله بتلك الطريقة والإصرار. كما أن قضيتها وطريقة تعامل سلطات الاحتلال و «عدالته» معها فضحت الوجه البائس لاحتلال فاقت غطرسته وهمجيته ممارسات النازية الهتلرية ونزعت عنه ورقة التوت التي يختبئ وراءها مدعيا أنه النظام الديمقراطي الوحيد في المنطقة.