لم يرق خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مستوى درجة الترقب التي شدت كل العالم لمعرفة ظروف وخبايا مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية في الثاني من الشهر الجاري. ولم يكشف الرئيس أردوغان في كلمة ألقاها أمام نواب حزبه، العدالة والتنمية الحاكم في مقر البرلمان التركي عن حقائق جديدة ما عدا تلك التي تم تسريبها لوسائل الإعلام التركية وتناقلتها مختلف الصحف وتلفزيونات العالم. واكتفى الرئيس التركي بالقول إن مقتل الصحفي السعودي خاشقجي تم «بتخطيط مسبق»، مطالبا بمحاسبة كل من شارك في هذه الجريمة وأن «التعمق في التحقيقات سيكشف عن تفاصيل جديدة». وطالب بمحاكمة المتورطين في هذه الجريمة أمام عدالة بلاده بقناعة أن ذلك سيؤدي لتهدئة النفوس في كل العالم. وقال الرئيس التركي إن الوقائع تمت في إسطنبول ولذلك اقترح أن يحاكم المشتبه فيهم في هذه المدينة، ولكنه شدد التأكيد على أن القرار النهائي يعود للسلطات السعودية وأن هذا يبقى مجرد اقتراح. وأضاف أن الإعداد لهذه الجريمة تم بإحكام في مقر القنصلية قبل إرسال فريق من 15 رجلا من عناصر المخابرات لتنفيذ العملية التي وصفها ب»الاغتيال السياسي». ولم تنتظر السلطات السعودية طويلا للرد إيجابا على طلب الرئيس التركي وقالت إن كل شخص تأكد تورطه بشكل مباشر في عملية الاغتيال ستتم محاكمته مهما كانت هوية هذه الشخصية ومكانتها. وأكدت الحكومة السعودية، أن إجراءات تم اتخاذها من أجل كشف الحقيقة ومعاقبة كل من تجاوز صلاحياته وأيضا كل من «تورط مباشرة» في هذه الجريمة. وسرد الرئيس التركي أمام نواب حزبه، حيثيات متداولة حول هذه الجريمة وقال إن فريق جهاز المخابرات السعودية الذي نفذ العملية قام قبل موعد التنفيذ، بعملية مسح لمداخل المدينة ومخارجها ومحيط القنصلية وغابة مجاورة في المدينة قبل قيامه بتعطيل كاميرات المراقبة في صباح 2 أكتوبر، اليوم الذي دخل فيه خاشقجي إلى مقر القنصلية ولم يغادره إلى الأبد، مؤكدا بذلك ما سبق لوسائل الإعلام التركية أن نشرته. ولم يحدد الرئيس، رجب طيب أردوغان الجهات الأمنية التي اعتمد عليها لعرض تقريره، من دون أن يشير إلى وجود تسجيلات صوتية أو مصورة كما سبق للصحف التركية أن أشارت إليه خلال الثلاثة أسابيع التي تلت عملية التصفية التي تعرض لها الصحفي السعودي. وقال إنه في المرحلة الحالية، فإن كل عناصر التحقيقات والأدلة التي تم التوصل إليها أكدت أن خاشقجي راح ضحية عملية قتل بشعة»، دون أن يحد طبيعة هذه البشاعة وما إذا كان يلمح إلى ما راج حول تقطيع جثته قبل إخفائها. ورغم الوعد الذي قطعه الرئيس التركي قبل يومين بكشف كل الحقيقة إلا أنه اعترف بأن الكثير من الأسئلة مازالت بدون إجابة وخاصة مكان وجود جثة خاشقجي والجهة التي أعطت الأوامر لفريق التنفيذ بتصفيته؟ وهما سؤالان محوريان لفك لغز هذه الجريمة وكان بالإمكان إيجاد إجابة لهما من طرف منفذي العملية التي قالت السلطات السعودية أن عددهم 18 متورطا. وأكدت استعدادها للتعاون مع المحققين الأتراك لطي لغز الجثة المفقودة بعد قرابة شهر من تنفيذ عملية الاغتيال. وألقى أردوغان بالكرة في معسكر السلطات السعودية وقال إن اعتراف الحكومة السعودية بعملية القتل شكل خطوة هامة ونحن ننتظر منها تحديد مسؤولية كل طرف في هذه القضية من أعلى مستوى إلى أدناه، مشددا القول إن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بريء ولم يكن يعلم بمخطط التصفية. ولكنه تفادى الإشارة إلى ولي عهده ونجله الأمير محمد بن سلمان الذي تتهمه الصحف التركية وعدد من المسؤولين الأتراك بالوقوف وراءها. ويبدو أن تفاعلات هذه القضية بدأت تلقي بظلالها على الداخل السعودي بما قد يؤدي إلى أزمة سياسية حادة في أعلى هرم السلطة في الرياض. وهي المؤشرات التي أكد عليها وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح الذي أكد بالعاصمة الرياض أمس، أن بلاده تمر بأزمة بعد عملية «القتل البشعة» التي تعرض لها خاشقجي. وأضاف الفالح أمام المشاركين في منتدى دولي حول الاستثمار بالعاصمة الرياض الذي انطلقت فعالياته أمس، «إنها أيام عصيبة ونحن نجتاز أزمة حقيقية». يذكر أن المنتدى الذي أرادت السلطات السعودية أن تجعل منه حدثا دوليا هاما لم يحقق المبتغى منه بعد مقتل خاشقجي وجعلت رؤساء دول ومدراء ورجال أعمال في كبريات الشركات العالمية يقاطعونه احتجاجا على مقتل الصحفي السعودي. العاهل السعودي والرئيس التركي يقدمان العزاء للإشارة، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، اتصالا مع أفراد من عائلة الصحفي جمال خاشقجي، قدم لهم العزاء في فقدان هذا الأخير في نفس الوقت الذي تعهد لهم فيه بفعل كل ما في وسعه من أجل كشف حقيقة اغتياله في مقر قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول. وقدم الرئيس التركي خلال هذه المكالمة العزاء لنجل الفقيد عبد الله خاشقجي. وجاءت هذه المكالمة بعد أن استقبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان أمس، في القصر الملكي بمدينة الرياض عضوين من عائلة الصحفي المقتول. وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الأمر يتعلق بصالح خاشقجي نجل الصحفي المغتال وشقيقه المدعو ساهل. وأضاف المصدر أن الملك سلمان بن عبد العزيز قدم تعازي العائلة المالكة لعائلة خاشقجي.