إعترفت السلطات السعودية أخيرا بمقتل الصحفي جمال خاشقجي في مقر قنصليتها بمدينة إسطنبول التركية خلال "شجار واشتباك بالأيدي" مع عدد من الأشخاص إثر مناقشات جرت بينهم. وتكون السلطات السعودية من خلال اعترافها قد رضخت، بعد 18 يوما من اختفاء الصحفي في مقر ممثليتها الدبلوماسية في الثاني من الشهر الجاري لسيل الضغوطات الدولية التي مورست عليها بعد أن تأكد للمحققين الأتراك أن الفقيد دخل فعلا إلى مقر القنصلية ولم يغادرها. وبمجرد إعلان السلطات السعودية عن خبر مقتل الصحفي المعارض، أعلنت وكالة الأنباء السعودية عن قرار اتخذه الملك سلمان بن عبد العزيز لإعادة هيكلة جهاز المخابرات تم من خلاله إقالة مسؤولين سامين واعتقال 18 مشتبه فيهم. وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن التحقيقات في هذه القضية مازالت مستمرة مع الموقوفين بهدف الوصول إلى كشف الحقيقة وإعلانها ومحاسبة جميع المتورطين في هذه القضية وإحالتهم على العدالة". وأصدر النائب العام السعودي سعود الموجب بيانا شرح فيه الظروف التي أحاطت بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، وقال لتبرير الحادثة إن مناقشات بين هذا الأخير وأشخاصا التقاهم بمقر القنصلية انتهت إلى نشوب شجار أدى إلى مقتله في عين المكان. وجاء هذا الاعتراف بعد تكتم الرياض عن هذه الحادثة المأساوية ثلاثة أسابيع منذ وقوعها، ولكن الرياض لم تحدد هوية الأشخاص الذين تشاجر خاشقجي معهم، ولا سبب تواجدهم في مقر القنصلية، وما إذا كانوا دبلوماسيين عاملين في القنصلية أم هم عناصر جهاز المخابرات السعودية الذين تحدثت عنهم المصادر التركية في نفس اليوم الذي وصل فيه خاشقجي إلى مقر قنصلية بلاده، ولا دواعي هذا الشجار الذي اندلع بينهم وبين الصحفي المقتول. ورغم اعتراف السلطات السعودية بمقتل خاشقجي إلا أن السؤال اللغز يبقى مطروحا وهو: أين اختفت جثته؟ وهل نقلت فعلا إلى العربية السعودية على متن طائرة خاصة أم أنه دفن في غابة قريبة من مقر القنصلية السعودية في إسطنبول كما رجحت التحقيقات التركية؟ كما أن إبعاد مسؤولين سعوديين سامين في جهاز المخابرات وعدد من المشتبه فيهم في هذه القضية لا يفك هذا اللغز، سواء من حيث توقيت وجود الأشخاص الذين كانوا في القنصلية ساعة وصول خاشقجي إليها ومغادرتهم لها بعد ذلك، أو من حيث الجدال الذي كان سببا في مقتله وهل كان ذلك يستدعي الوصول إلى مثل هذه النهاية المأساوية؟ وهي كلها معطيات تبقي القضية مفتوحة على حقائق جديدة، وهو ما يؤكد محتوى المكالمة الهاتفية التي تمت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ساعات بعد اعتراف الرياض بمقتل خاشقجي والذي أكد على أهمية مواصلة العمل سويا وبتعاون كامل من أجل إزالة كل الغموض حول ملابسات هذه القضية. كما أن تداعيات هذه القضية لن تتوقف عند هذا الحد، بل إن اعتراف السلطات السعودية سيكون مجرد بداية للكشف عن حقائق قادمة من شأنها رفع كل لبس مازال يكتنف هذه القضية التي أخذت أبعادا دولية بعد أن تداخلت مصالح قوى أجنبية فيها. وقد نفت السلطات السعودية في وقت سابق كل التسريبات التي تناولتها مختلف الصحف التركية التي أكدت أن خاشقجي دخل القنصلية ولم يغادرها بما يطرح كل التساؤلات حول مصيره ووصفتها ب«غير الصحيحة" ولا أساس لها من الصحة. وفي محاولة للتخفيف من وقع الصدمة التي خلفتها هذه القضية، سارعت السلطات السعودية إلى إقالة الجنرال أحمد العسيري نائب رئيس جهاز المخابرات والمستشار بالديوان الملكي وسعود القحطاني من منصبيهما، وهما أقرب مساعدين لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي تتوجه إليه أصابع الاتهام. ورحب الرئيس، الأمريكي دونالد ترامب في أول رد فعل على هذا الاعتراف الذي نعته ب«الخطوة الهامة"، رافضا الحكم على التبريرات التي قدمتها السلطات السعودية حول ظروف مقتل الصحفي خاشقجي وقال "إننا بصدد تقييم الموقف أو إجراء تحقيق". ولكن نوابا أمريكيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري أبدوا مواقف أكثر تشددا تجاه السلطات السعودية بعد أن شككوا في الموقف السعودي. وفي رد فعل أممي، أبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس "انزعاجه الشديد" جراء الظروف التي قتل فيها جمال خاشقجي وقال بضرورة إجراء تحقيق سريع ومعمّق وشفاف في ظروف مقتله ومحاسبة المسؤولين عن ذلك".