أكد المشاركون في الندوة التاريخية التي احتضنها منتدى جريدة «الشعب»، أمس، حول الذاكرة التاريخية لثورة التحرير المجيدة، أن استرجاع الاستقلال والسيادة الوطنية والتحرّر من أغلال الاستعمار الفرنسي، جاء نتيجة التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري بمختلف شرائحه، ولم يأت ذلك «كهدية» من قبل الجنرال ديغول، كما تسعى العديد من الأطراف إلى ترسيخه ك»مسلّمة غير قابلة للنقاش». داعين إلى ضرورة الحرص على توضيح مثل هذه الأمور للأجيال الصاعدة. وفي تدخل له في الندوة التي نظمت بمناسبة إحياء الذكرى ال64 لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954، تحت شعار «واجب الذاكرة...رهان تواصل الأجيال»، بحضور شخصيات أكاديمية ومجاهدين من مختلف الولايات التاريخية، أوضح المجاهد مولود منّي الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين لمنطقة الجزائر العاصمة، أنّه من غير الممكن أن يقوم مسؤول عسكري مثل ديغول بالتفكير في منح الاستقلال للشعب الجزائري طواعية في تلك الفترة، كما يزعم بعض المشككين والخائنين للثورة، مذكّرا بأن استقلال الجزائر جاء أولا بفضل تضحيات قوافل الشهداء والمجاهدين، ثم الضغط الدولي على فرنسا بعد تدويل القضية في الأممالمتحدة. وانتقد المجاهد منّي في هذا الشأن، بعض الأبواق التي وصفها ب»المأجورة» و»الخائنة لوطنها والتاريخ الثوري لآبائهم وأجدادهم، داعيا إلى عدم المواصلة في تغليط الرأي العام والافتراء عليه، خاصة الأجيال الصاعدة، التي يتوجّب عليها معرفة الحقيقة كاملة فيما يتعلّق بموضوع الذاكرة التاريخية. وهذا من أجل نقل الحقائق والوقائع التاريخية بكل مصداقية في سبيل كتابة التاريخ وصون مكتسبات الأمة. وتساءل المتحدث في هذا السياق، عن حقيقة تفكير ديغول في منح الاستقلال للجزائريين، وهو المخطّط والمدبر لكل الجرائم الوحشية المرتكبة ضد المدنيين في القرى والمداشر، ناهيك عن عمليات التضييق عن الثورة لاسيما بالولاية الثالثة القبائل الكبرى (عملية المنظار)، ومنطقة الأوراس... وغيرها، واستعانته بحلف الشمال الأطلسي في التسلّح من أجل إبادة الثورة. وأشار المجاهد إلى ضرورة مواجهة مثل هذه الأكاذيب بنقل الشهادات التاريخية وأرشفتها وتوسيع عقد الندوات والمحاضرات التاريخية لتلقين تاريخ الثورة التحريرية المجيدة على حقيقته للتلاميذ وطلبة الجامعات. من جهته، نوّه الأستاذ عبد الفتاح عيّادي مخرج أشرطة وثائقية وتاريخية عن الثورة (له أكثر من 100 شريط وثائقي تاريخي عن تاريخ الجزائر)، بما قدّمه المجاهدون والشهداء من بطولات خالدة خلال حرب التحرير المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي، وهو ما بوأها لتحتل مكانة ريادية في العالم لعظمها وقداسة أهدافها، مؤكدا أن هذا دليل كاف لدحض كل الأكاذيب التي ألصقت بها زورا وبهتانا. وأشار بالمناسبة، إلى الدور الذي لعبه بيان أول نوفمبر 1954 في تجديد استراتيجية الثورة، حيث يعد بمثابة العقد الرسمي لإعادة تنظيم وهيكلة الجيش وجبهة التحرير الوطني، مشددا بالمقابل على ضرورة استعادة كافة الأرشيف الخاص بالثورة المتواجد بفرنسا والعديد من الدول الدول الأوربية الأخرى، لاسيما الأرشيف المصّور، باعتباره ذاكرة الأمة وموروثها التاريخي الذي لا يمكن التنازل عنه أو تجاهله. وفي الأخير، اقترح الأستاذ والمؤرخ عبد الحليم جرّاد، فكرة الاعتماد على منهجية جديدة في كتابة وتدوين التاريخ، تكون قائمة أكثر على الوثيقة التاريخية، التي تعد المرجعية الرسمية الثابتة للمؤرخ في تدوين حقائق وحيثيات وشهادات حرب التحرير، مشيرا إلى أن الشهادات الشفوية للمجاهدين والذين عايشوا مختلف مراحل الثورة، تبقى غير كافية لصون الذاكرة بالشكل المطلوب.