ما يزال ال 19 مارس 1962 عيد النصر لم يلق نصيبه من الكتابة التاريخية من الجزائريين أهل الاختصاص ومراكز البحث والجامعات التي لها دور ومسؤولية، وهي مسؤولية كبيرة في تكوين مؤرخين مهنيين يهتمون بكتابة تاريخ الثورة بكل مراحلها وأحداثها، بموضوعية باعتبار ان تاريخ الأمة هو مكسب وطني. هذا ما أكده المؤرخ والصحافي عمار بلخوجة في تصريح لجريدة «الشعب» معطيا قراءته ل 19 مارس ما تحقق من مكاسب تحسب للمفاوض الجزائري باتفاقيات ايفيان. أوضح بلخوجة أن عيد النصر كان حدثا منسيا ومجهولا قبل سنة 1978 ولم يتجرأ أحد على الحديث عنه أو الكتابة عن هذا الحدث التاريخي بسبب ما روج عن اختلالات منجرة عن اتفاقيات إيفيان حسب بعض المحللين. لكن الوضع تغير لاحقا، حيث أعيد للحدث الاعتبار وتحول هذا اليوم إلى عيد النصر. مع ذلك تبقى تساؤلات واستفسارات تطرح حول هذا الحدث التاريخي لأن الملف لم يشتغل عليه المؤرخون بكثرة، ولم ينل حظه من البحث والكتابة. وأضاف بلخوجة أن هناك بعض الأمور وأزمات كانت موجودة بين الحكومة الجزائرية المؤقتة وهيئة الأركان آنذاك ما تزال مبهمة وتراكمت مما أدى لحدوث انعكاسات، مشيرا إلى أن مراحل النظام السياسي قيدت الأحداث التاريخية منذ الاستقلال وأعطتها صبغة سياسية. وهذا يرجع حسب الباحث التاريخي إلى بعض المؤرخين الذين تركوا كتابة التاريخ للسياسي دون إعطاء صورة سليمة وواضحة عن بعض المحطات التاريخية التي تفرض الغوص فيها واطلاع جيل الاستقلال عليها بدل ان تتناولها كتابات أجنبية تزيد التاريخ الوطني مزيدا من التحريف والتشويه. وقال الاعلامي أيضا أن دور الباحث هو كتابة تاريخ الجزائر، لأنه الكفيل والقادر على تفسير أحداث الثورة التحريرية المجيدة وسرد وقائعها بكل موضوعية للمواطن الذي يرى من واجب الاخرين اطلاعه بحقائق الامور والاشياء، وهذا كي لا نقع في خطورة إقصاء بعض الأحداث التاريخية والقادة الذين لعب أغلبهم دورا أساسيا في الحركة الوطنية، وضحوا من أجل الوطن، ولكن الكثير تعرضوا للاقصاء بعد الاستقلال. وفي هذا السياق دائما، شدد الباحث على ضرورة كشف الحقيقة التاريخية لأبناء الجزائر لا سيما جيل الاستقلال لفهم ماضيها وحاضرها والعمل للمستقبل، مضيفا أن الجامعة الجزائرية لا سيما قسم التاريخ لها دور كبير في تكوين مؤرخين يعكفون على كتابة تاريخ الأمة بموضوعية خاصة تاريخ الحركة الوطنية، دون أي انتماء سياسي لجهة على حساب الأخرى. وبالمقابل، اعتبر المتحدث ال 19 مارس 1961 خطوة سليمة وواضحة وذكية اهتدى إليها قادة الثورة، كما أنها امتداد لرسالة نوفمبر 1954، لأن الخطة بقيت سليمة، وأنه لا وقف للحرب دون الاتفاق على النقاط الهامة التي فرضها الوفد الجزائري وعلى رأسها وحدة الشعب والتراب الجزائري والاستقلال الذي لا يقبل المساومة. ونوه بلخوجة في معرض حديثه بذكاء مفاوضي جبهة وجيش التحرير الوطنيين الذين اتفقوا على وحدة التراب الوطني، وحققوا انتصارا دبلوماسيا وفرضوا شروطهم على الوفد الفرنسي والخطة الشيطانية للجنرال شارل ديغول الذي استعمل قوة عسكرية ضخمة لضرب جبهة التحرير الوطني وإجهاض الثورة. وأبرز المؤرخ غياب الارشيف الرسمي الجزائري والفرنسي، قائلا انه كباحث في تاريخ الثورة يعتمد على الأرشيف الخاص وعلى الشهادات الحية للمجاهدين الذين شاركوا في الثورة بشكل فعلي، وهذه الشهادات مهمة جدا ويمكنها تعويض الأرشيف الرسمي لأنها غير مزورة. وتأسف المتحدث عن ضياع بعض الوثائق التي تسلط الضوء على جانب مهم من التاريخ الوطني بسبب قمع الاستعمار، الذي دفع الكثير من العائلات الجزائرية لإحراق الوثائق التي كانت بحوزتهم كي لا يكتشف الجيش الفرنسي علاقاتهم بالتحرر. وقال ان هده الوثائق التي اتلفت ساهمت سلبيا في مسح الذاكرة الشعبية الهامة، مضيفا بان الاستعمار الفرنسي لم يطعن فقط في الشخصية الجسدية بل في الذاكرة الوطنية والأرشيف وهذه أكبر جريمة لا يمكن السكوت عنها مهما كانت الظروف.