اختلفت الآراء حول موضوع «أدب الصحراء» في ندوة خاصة به مساء أمس بقصر المعارض بالجزائر العاصمة، فهناك من يرى أنّ هذا الأدب متميّز عن الروايات الأخرى بمعالمه وطقوس جغرافيته التي تختلف تماما عن الرواية التي تُكتب في المدينة. يتساءلالروائيوالأكاديميعبدالقادرضيفاللهعنوجودروايةالمدينةأصلا،مؤكّداأنّهمنالنادرأننجدروايةيرتبطبناؤهاالدراميمعالجغرافياأوالفضاء. وبخصوص الكتابة عن الصحراء يقول المتحدّث إنّها مغامرة صعبة، ذلك أنّها غالبا ما تتكأ على العدم أو الفضاء الموحش، بل الأكثر من ذلك، تكمن الصعوبة في الاقتراب من الروحانية ولمس تجلياتها، التي تستوجب استنطاق الرمل، ويختم: «الكتابة عن الصحراء.. صرخة». من جهته، قال الكاتب والناقد عبد الحفيظ بن جلولي إنّ الصحراء حاضرة في المدوّنة السردية. وأرجع ذلك إلى أهمية المكان في النص والعمل الروائي. وتابع: «الكاتب لا يمكن أن ينفصل عن البيئة التي نشأ فيها، فهي تمثل له الخصوصية والهوية». وبالنسبة لجلولي فالكتابة هي نقل للواقع إلى النص بواسطة المخيال، وميّز هنا بين الشكل وما وراء الشكل الذي يصعب، وقد يستحيل الوصول إليه؛ لأنه عبارة عن علاقة خفية بين الإنسان والمكان. وأشار المتحدث إلى أنّ الصعوبة تظهر في موضوع الصحراء، لأنّ الفضاء له ثقله في جوهره، فهو فضاء مفتوح أكثر بعكس المدينة المحدودة بالعمران. وميزة الصحراء هي الامتداد، وهو ما يحيل على الإطالة، التي انعكست على من يعيش في هذه البيئة، ممثلا بطريقة تحضير الشاي، فالصحراوي يماطل في تحضيره وسكبه، وفقا لطقوس معيّنة تعبّر عن هذه الثقافة، وتبرز في فلكلورها. من جانبه، أكد القاص والأكاديمي عبد الله كروم أنّ الصحراء ملهمة وليست فقط فضاء موحشا يحيل على الصمت، بل تحرك المكمون لما فيها من متناقضات، وأن ابن الصحراء حين يكتب هويته فهو يعرف تفاصيل عن الصحراء، يعلم أن للرمال عيونا، ويعرف أن للطين آذانا تسمع حكايات الإنسان. وأضاف المتحدث أن للصحراء عوالم مرتبطة بالأسطورة والخرافة التي تحكيها الجدات. وحاول في نصوصه الاستثمار في هذه المصادر، ما ينتج عملا إبداعيا حاملا إضافة في اللغة والمعالم، وبإمكانه أن يزاحم السردي الذي يحوم حول المدينة. وبخصوص الصوت النسوي، تناولت الكاتبة جميلة طلباوي الموضوع، وقالت إنّ الصحراء ألهمتها، حيث تطرّقت لروايتها «الخابية»، وفسّرت أنّ العنوان يعني ذلك القصر المبني في الصحراء بالطين، ذلك النوع المعماري الذي ينعكس على سلوك الإنسان، لما يحمله من سمات اجتماعية، تتشابك وتقاطع فيه الروابط، عكس البناءات الحضرية التي تفرض جدرانها العزلة. كما عرّجت على روايتها «وادي الحناء»، وقالت إنّ الحناء هي تلك النبتة في الجنوب التي نسحقها من أجل أن تزيّن الآخرين وتصنع أفراحهم، حالها كحال المسحوقين من البشر، الذين يُسحقون من أجل هناء وابتسامة الآخر. من جهته، أكد الكاتب والمترجم عمير بوداود، أنّ الكتابة في الصحراء وعن الصحراء ميزة لا يملكها الكثيرون، لذا فمن الضروري الاستثمار فيها إبداعيا. وقال: «إننا نملك عدة صحار لا صحراء واحدة، تتمايز في لونها وسماتها، ورغم هذا التنوع في التراث والجغرافيا إلا أن حضور هذه الكتابة محتشم في المشهد الأدبي باستثناء أعمال قليلة لا ترقى إلى تأسيس أدب جزائري يعنى بهموم وتطلعات سكان الصحراء».