بصدور النظام رقم 18-02 المؤرخ في 4 نوفمبر 2018، في العدد 73 من الجريدة الرسمية المتعلق ب«الصيرفة الإسلامية"، فإن البنوك عمومية كانت أو خاصة والمؤسسات المالية باختلافها سيمكنها من الآن عرض خدمات مالية بصيغة إسلامية لزبائنها، أمر انتظره قطاع البنوك منذ مدة من أجل الاستجابة لطلب اجتماعي برز في السنوات الأخيرة. وكما كان منتظرا صدر النظام المحدد لقواعد ممارسة العمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة التشاركية الذي وضعه بنك الجزائر قبل نهاية السنة، ليتم في 2019 الشروع فعليا لاسيما بالنسبة للبنوك العمومية في تقديم منتجات تستجيب لمتطلبات الشريعة الإسلامية. والمعروف أن مثل هذه المنتجات متوفرة في بلادنا عبر بنوك أجنبية تعمل في هذا المجال منذ سنوات، إلا أن أهمية إصدار هذا النظام يكمن في وضع الأطر القانونية لهذه الممارسة، وضبط الشروط المتعلقة بها وكذا وضع هيئة شرعية مركزية يمكنها البت في مدى مطابقة المنتجات المعروضة للشريعة الإسلامية، إضافة إلى اشتراط الحصول على رخصة من البنك المركزي للقيام بمثل هذه النشاطات. ورغم أن المجلس الإسلامي الأعلى كان قد طالب في تقرير وجهه لرئاسة الجمهورية، بتعديل قانون النقد والقرض لتقنين الصيرفة الإسلامية، فإن بنك الجزائر فضّل اللجوء إلى إصدار نظام منفصل حدد من خلاله صيغة المنتجات التي يمكن للبنوك تقديمها وهي"المرابحة، المشاركة، المضاربة، الإجارة، الاستصناع، السلم، الودائع في حسابات الاستثمار". وسيتم تقديم المنتجات التشاركية في البنوك ضمن "شباك أو شبابيك تحمل صفة كيان واحد" يكون مستقلا ماليا ومن حيث الموارد البشرية عن باقي الدوائر والفروع في البنك أو المؤسسة المالية المعنية، حسبما أوضحه النظام الصادر عن بنك الجزائر، الذي شدد بالمقابل على أن منتجات الصيرفة التشاركية تخضع رغم هذه الاستقلالية، لجميع الأحكام القانونية والتنظيمية المتعلقة بالمصارف والمؤسسات المالية. وكان خبراء ومهنيون ورجال دين قد سجلوا في مناسبات عدة تم خلالها التطرق إلى موضوع المالية الإسلامية، أن المنظومة القانونية ببلادنا تعيق تطور البنوك الإسلامية كونها "لاتتلاءم مع خصوصياتها"، داعين إلى النظر في هذه الصيغة التمويلية ك«منظومة متكاملة" يجب أن تمس كل الجوانب ذات العلاقة لضمان "شرعية المعاملات"، و«مطابقتها الحقيقية للشريعة الإسلامية"، وهو ما يطرح ضرورة بذل مزيد من الجهود لطرح نصوص تنظيمية لتأطير"جل أنشطة التمويل التشاركي"، مثلما أكده مدير القرض والتنظيم على مستوى بنك الجزائر محمد الحبيب قوبي، الذي عبّر في منتدى نظم شهر نوفمبر الماضي، حول المالية الإسلامية بالجزائر، عن اقتناعه بأن الأمر يتعلق بعملية "مستمرة وتدريجية"، وهو ما يشير إلى إمكانية إصدار نصوص أخرى مع مرور الوقت، ونضوج التجربة الجزائرية في هذا المجال والتي ما زالت في بداياتها. وكان المدير العام لبورصة الجزائر يزيد بن موهوب، قد أعلن عن التحضير لمشروع قانون سيقدم إلى لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها قريبا، من أجل تمكين البورصة من إصدار "الصكوك" أو السندات التشاركية. ويشدد المختصون على أن المالية التشاركية لا تخص فقط المعاملات البنكية، وإنما يجب أن تمتد كذلك إلى التأمين التكافلي وصناديق الاستثمار، وإصدار الصكوك وحتى تسيير الأوقاف ومؤسسة الزكاة، بما يستجيب للمنهج المتكامل الذي تقترحه الشريعة الإسلامية. وكان مدير القرض والتنظيم ببنك الجزائر، قد أشار في تصريحات سابقة إلى أن التنظيم الجديد الذي أصدره البنك المركزي، لا يمس كل العمليات البنكية الإسلامية ومنها على سبيل المثال عمليات "السوق المفتوحة" و«السوق ما بين البنوك"، ولتغطية مثل هذه العمليات وأخرى ينبغي على السلطات العمومية، بما فيها بنك الجزائر بذل مزيد من الجهود لطرح نصوص تنظيمية تؤطر جل أنشطة التمويل التشاركي، مشيرا إلى أن ذلك يجب أن يتم باحترام ثلاثة مبادئ هي "التشاور في إعداد النصوص" و«التدرج في تطبيقها" و«إشراك كل الفعاليات". للتذكير فإن صدور النظام سيسمح للبنوك العمومية التي تسيطر على 87 بالمائة من السوق المصرفية بتكييف عروضها في هذا المجال، وهو ما يعوّل عليه لاستقطاب الأموال الموجودة في السوق الموازية، بالنظر إلى الانتشار الواسع لهذه البنوك على المستوى الوطني.